کتابخانه روایات شیعه
تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)
الصيف، خلاف ما جرت به العادة، فسألها عن ذلك فيقول: «أنّى لك هذا»؟
فتقول: من رزق اللّه 490 .
فعندها دعا اللّه سبحانه، كما قال سبحانه: (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) 491 أي دعا ربّه سرّا غير جهر يخفيه في نفسه لا يريد به رياء، و في هذا دلالة على أنّ المستحبّ في الدعاء الإخفاء، فإنّه أقرب إلى الاجابة.
و في الحديث: خير الدعاء الخفيّ، و خير الرزق ما يكفي.
و قيل: إنّما أخفاه لئلّا يهزأ به الناس فيقولوا: انظروا إلى هذا الشيخ سأل الولد على الكبر 492 .
قال ابن عبّاس: كان عمر زكريّا حين طلب الولد عشرين و مائة سنة، و كانت امرأته ابنة ثمان و تسعين سنة 493 .
فأوحى اللّه إليه: (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) 494 أي لم نسمّ أحدا قبله بهذا الاسم.
و كذلك الحسين عليه السلام لم يسم أحد قبله باسمه.
[أنّ قاتل يحيى عليه السلام كان ولد زنا، و كذلك قاتل الحسين بن علي عليهما السلام]
و كان قاتل يحيى ولد زنا، و كذلك قاتل الحسين عليه السلام كان ولد زنا.
و حمل رأس يحيى بن زكريّا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل.
و كذلك حمل رأس الحسين إلى نجل بغيّة من بغايا قريش، و لم تبك
السماء إلّا عليهما بكت أربعين صباحا.
و سئل الصادق عليه السلام عن بكائها، قال: كانت الشمس تطلع حمراء، و تغيب حمراء 495 .
و روي عن علي بن زيد، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: خرجنا مع الحسين عليه السلام إلى العراق فما نزل منزلا، و لا ارتحل منه إلّا ذكر يحيى بن زكريّا 496 497 .
[لا يقتل الأنبياء و ولد الأنبياء إلّا ولد زنا]
و عن أبي جعفر عليه السلام، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: لا يقتل الأنبياء و ولد الأنبياء إلّا ولد زنا 498 .
و سئل الصادق عليه السلام عن قول فرعون: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) 499 ،
فقيل: من كان يمنعه منه؟
قال: إنّه كان لرشده، و لم يكن ولد زنا، لأنّ الأنبياء و الحجج لا يقتلها إلّا ولد الزنا 500 .
و كان يحيى أكبر من عيسى بستّة أشهر، و كلّف التصديق به، و كان أوّل مصدّق به، و شهد أنّه كلمة اللّه و روحه، و كان ذلك أحد معجزات عيسى عليه السلام، و أقوى الأسباب لإظهار أمره، فإنّ الناس كانوا يقبلون قوله لمعرفتهم بصدقه و زهده 501 .
فلهذا اجتمعت اليهود على قتله 502 ، فلمّا أحسّ بذلك فرّ منهم و اختفى في أصل شجرة، فالتأمت عليه، فدلّهم إبليس عليه؛ و قيل: إنّه جذب طرف ردائه فلاح 503 لهم في ظاهر الشجرة، فوضعوا عليه منشارا، و قدّوا أصل الشجرة و يحيى بنصفين، فأرسل اللّه سبحانه عليهم بختنصّر، و كان دم يحيى يفور من أصل الشجرة، فقتل عليه سبعين ألفا، و كذلك قتل بالحسين سبعون و سبعون ألفا، و ما أخذ بثأره إلى الآن.
[المناجاة]
يا من أغرق أصحاب الأفكار الصائبة في بحار إلهيّته، و حيّر أرباب الأنظار الثاقبة في مبدأ ربوبيّته، و يا من تفرّد بالبقاء في قديم أزليّته، و يا من توحّد بالعلى في دوام عظمته، و يا من وسم ما سواه بميسم (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) 504 ، و يا من جعل لكلّ حيّ إلى سبيل الموت غاية و وجهة، و يا
من رجوت وجوده منزّه عن العدم، و يا من دوام بقائه متّصف بالأحديّة و القدم، و يا من هدانا السبيل إلى ما يزلفنا برضوانه، و عرّفنا الدليل إلى ما يتحفنا بجنانه، و نصب لنا أعلاما يهتدي بها الحائر عن قصد السبيل في معتقده و نحلته، و أثبت لنا في سماء الصباح إيضاح بيانه أنجما ينجو بنورها السائر بغير دليل في ظلمة حيرته، و جعلهم خاصّة نفسه من عباده، و ولاة أمره في بلاده، لذّتهم في امتثال أوامره و نواهيه، و فرحتهم فيما يقرّبهم من حضرته و يرضيه، و كلّفهم بالتكاليف الشاقّة من جهاد أعدائه، و ألزمهم بكفّ أكفّ الملحدين في صفاته و آلائه.
فبذلوا وسعهم في إعلاء كلمته، و أجاهدوا جاهدهم إذعانا لربوبيّته، و قابلوا بشرائف وجوههم صفاح الأعداء، و تلقّوا بكرائم صدورهم رماح الأشقياء، حتى قطعت أوصالهم، و ذبحت أطفالهم، و سبيت ذراريهم و نساؤهم، و انهبت أثقالهم و أموالهم، و اهديت إلى رءوس البغاة رءوسهم، و استلّت بسيوف الطغاة نفوسهم، و صارت أجسادهم على الرمضاء منبوذة، و بصوارم الأعداء موقوذة 505 ، تسفي 506 عليهم الأعاصير بذيولها، و تطأهم الأشقياء بخيولها، و تبكي عليهم السموات السبع بأفلاكها، و الأرضوان السبع بأملاكها، و البحار ببينانها، و الأعصار بأزمانها، و الجنّة بولدانها، و النار بخزّانها، و العرش بحملته، و الفرش بحملته، أبدانهم منبوذة بالعراء، و أرواحهم منعّمة في الرفيق الأعلى.
أسألك بحقّ ما ضمّت كربلاء من أشباحهم، و جنّة المأوى من أرواحهم،
و بحقّ ألوانهم الشاحبة في عراها، و أوداجهم الشاخبة 507 في ثراها، و بما ضمّ صعيدها من قبورهم و ظرائحهم، و ما غيّب في عراصها من أعضائهم و جوارحهم، و بحقّ تلك الوجوه الّتي طال ما قبّلها الرسول، و أكرمتها البتول، و بحقّ تلك الأبدان الّتي لم تزل تدأب في عبادتك، و تكدح في طاعتك، طالما سهرت نواظرها بلذيذ مناجاتك، و أظمأت هواجرها طلبا لمرضاتك، شاهدت أنوار تجلّيات عظمتك بأبصار بصائرها، و لاحظت جلال ربوبيّتك بأفكار ضمائرها، فأشرقت أنوار إلهيّتك على مرايا قلوبها، فأضاءت الأكوان بانعكاس أشعّة ذلك النور الّذي هو كمال مطلوبها.
أن تصلّي على محمد و آل محمد، و أن تجعل قلوبنا معمورة بحبّهم، و أنفسنا مسرورة بقربهم، و ألسنتنا بذكر مناقبهم ناطقة، و أبداننا بنشر فضائلهم عانقة، و مدائحنا إلى نحو جهاتهم موجّهة، و قرائحنا بمعاني صفاتهم مفوّهة، و شكرنا موقوفا على حضرة رفعتهم، و ذكرنا مصروفا إلى مدحة عظمتهم، لا نعتقد سواهم سبيلا موصلا إليك، و لا نرى غير حبّهم سببا منجيا لديك، نرى كلّ مجد غير مجدهم حقيرا، و كلّ غنيّ بغير ولاتهم فقيرا، و كلّ فخر سوى فخرهم زورا، و كلّ ناطق بغير لسانهم زخرفا و غرورا، و كلّ عالم بغير علمهم جاهلا، و كلّ إمام يدّعي من دونهم باطلا.
فلك الحمد على ما اطّلعنا عليه من سرّك المصون بعرفان فضلهم، و أهّلنا له من علمك المخزون بالاستمساك بحبلهم.
اللّهمّ فثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة، و نوّر بمصابيح ولاتهم سبيل سلوكنا إليك في ظلمات الساهرة 508 ، و زيّن بذكرهم مجالس وعظنا، و شرّف بشكرهم نفائس لفظنا، و اجعلنا و حاضري مجلسنا ممّن يناله شفاعتهم يوم وقوفنا بين يديك، و من تتلقّاهم الملائكة الكرام بالبشرى حين العرض عليك، و أثبنا على تحمّل الأذى فيهم من أعداء دينك ثواب الصدّيقين، و أيّدنا بروح قدسك، و انصرنا على القوم الكافرين.