کتابخانه روایات شیعه
تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)
و كان يحيى أكبر من عيسى بستّة أشهر، و كلّف التصديق به، و كان أوّل مصدّق به، و شهد أنّه كلمة اللّه و روحه، و كان ذلك أحد معجزات عيسى عليه السلام، و أقوى الأسباب لإظهار أمره، فإنّ الناس كانوا يقبلون قوله لمعرفتهم بصدقه و زهده 501 .
فلهذا اجتمعت اليهود على قتله 502 ، فلمّا أحسّ بذلك فرّ منهم و اختفى في أصل شجرة، فالتأمت عليه، فدلّهم إبليس عليه؛ و قيل: إنّه جذب طرف ردائه فلاح 503 لهم في ظاهر الشجرة، فوضعوا عليه منشارا، و قدّوا أصل الشجرة و يحيى بنصفين، فأرسل اللّه سبحانه عليهم بختنصّر، و كان دم يحيى يفور من أصل الشجرة، فقتل عليه سبعين ألفا، و كذلك قتل بالحسين سبعون و سبعون ألفا، و ما أخذ بثأره إلى الآن.
[المناجاة]
يا من أغرق أصحاب الأفكار الصائبة في بحار إلهيّته، و حيّر أرباب الأنظار الثاقبة في مبدأ ربوبيّته، و يا من تفرّد بالبقاء في قديم أزليّته، و يا من توحّد بالعلى في دوام عظمته، و يا من وسم ما سواه بميسم (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) 504 ، و يا من جعل لكلّ حيّ إلى سبيل الموت غاية و وجهة، و يا
من رجوت وجوده منزّه عن العدم، و يا من دوام بقائه متّصف بالأحديّة و القدم، و يا من هدانا السبيل إلى ما يزلفنا برضوانه، و عرّفنا الدليل إلى ما يتحفنا بجنانه، و نصب لنا أعلاما يهتدي بها الحائر عن قصد السبيل في معتقده و نحلته، و أثبت لنا في سماء الصباح إيضاح بيانه أنجما ينجو بنورها السائر بغير دليل في ظلمة حيرته، و جعلهم خاصّة نفسه من عباده، و ولاة أمره في بلاده، لذّتهم في امتثال أوامره و نواهيه، و فرحتهم فيما يقرّبهم من حضرته و يرضيه، و كلّفهم بالتكاليف الشاقّة من جهاد أعدائه، و ألزمهم بكفّ أكفّ الملحدين في صفاته و آلائه.
فبذلوا وسعهم في إعلاء كلمته، و أجاهدوا جاهدهم إذعانا لربوبيّته، و قابلوا بشرائف وجوههم صفاح الأعداء، و تلقّوا بكرائم صدورهم رماح الأشقياء، حتى قطعت أوصالهم، و ذبحت أطفالهم، و سبيت ذراريهم و نساؤهم، و انهبت أثقالهم و أموالهم، و اهديت إلى رءوس البغاة رءوسهم، و استلّت بسيوف الطغاة نفوسهم، و صارت أجسادهم على الرمضاء منبوذة، و بصوارم الأعداء موقوذة 505 ، تسفي 506 عليهم الأعاصير بذيولها، و تطأهم الأشقياء بخيولها، و تبكي عليهم السموات السبع بأفلاكها، و الأرضوان السبع بأملاكها، و البحار ببينانها، و الأعصار بأزمانها، و الجنّة بولدانها، و النار بخزّانها، و العرش بحملته، و الفرش بحملته، أبدانهم منبوذة بالعراء، و أرواحهم منعّمة في الرفيق الأعلى.
أسألك بحقّ ما ضمّت كربلاء من أشباحهم، و جنّة المأوى من أرواحهم،
و بحقّ ألوانهم الشاحبة في عراها، و أوداجهم الشاخبة 507 في ثراها، و بما ضمّ صعيدها من قبورهم و ظرائحهم، و ما غيّب في عراصها من أعضائهم و جوارحهم، و بحقّ تلك الوجوه الّتي طال ما قبّلها الرسول، و أكرمتها البتول، و بحقّ تلك الأبدان الّتي لم تزل تدأب في عبادتك، و تكدح في طاعتك، طالما سهرت نواظرها بلذيذ مناجاتك، و أظمأت هواجرها طلبا لمرضاتك، شاهدت أنوار تجلّيات عظمتك بأبصار بصائرها، و لاحظت جلال ربوبيّتك بأفكار ضمائرها، فأشرقت أنوار إلهيّتك على مرايا قلوبها، فأضاءت الأكوان بانعكاس أشعّة ذلك النور الّذي هو كمال مطلوبها.
أن تصلّي على محمد و آل محمد، و أن تجعل قلوبنا معمورة بحبّهم، و أنفسنا مسرورة بقربهم، و ألسنتنا بذكر مناقبهم ناطقة، و أبداننا بنشر فضائلهم عانقة، و مدائحنا إلى نحو جهاتهم موجّهة، و قرائحنا بمعاني صفاتهم مفوّهة، و شكرنا موقوفا على حضرة رفعتهم، و ذكرنا مصروفا إلى مدحة عظمتهم، لا نعتقد سواهم سبيلا موصلا إليك، و لا نرى غير حبّهم سببا منجيا لديك، نرى كلّ مجد غير مجدهم حقيرا، و كلّ غنيّ بغير ولاتهم فقيرا، و كلّ فخر سوى فخرهم زورا، و كلّ ناطق بغير لسانهم زخرفا و غرورا، و كلّ عالم بغير علمهم جاهلا، و كلّ إمام يدّعي من دونهم باطلا.
فلك الحمد على ما اطّلعنا عليه من سرّك المصون بعرفان فضلهم، و أهّلنا له من علمك المخزون بالاستمساك بحبلهم.
اللّهمّ فثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة، و نوّر بمصابيح ولاتهم سبيل سلوكنا إليك في ظلمات الساهرة 508 ، و زيّن بذكرهم مجالس وعظنا، و شرّف بشكرهم نفائس لفظنا، و اجعلنا و حاضري مجلسنا ممّن يناله شفاعتهم يوم وقوفنا بين يديك، و من تتلقّاهم الملائكة الكرام بالبشرى حين العرض عليك، و أثبنا على تحمّل الأذى فيهم من أعداء دينك ثواب الصدّيقين، و أيّدنا بروح قدسك، و انصرنا على القوم الكافرين.
و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين.
[المجالس الثاني في ذكر سيّد المرسلين، و ما ناله من الأذى من أعداء الدين، و ذكر وفاته، و ذكر امور تتعلّق بظلامة أهل بيته الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين]
الحمد للّه الّذي وعد على الصبر الجميل بالثواب الجزيل في دار جزائه، و توعّد بالعذاب الأليم على ترك التسليم لقضائه، و ابتلى أنبياءه بالمحن السابقة في علمه في دار بلائه، و كلّفهم بالتكاليف الشاقّة من حكمه في منزل ابتلائه، و أمرهم بكفّ أكفّ الملحدين في آياته، و رغم انوف الجاحدين لصفاته، و أطلعهم على أسرار عظمته بصغر ما سواه لديهم، و كشف عن أبصار بصائرهم فوعوا ما ألقاه إليهم، و تجلّى لهم في ضمائرهم فطاح وجودهم في شهودهم، و خاطبهم في سرائرهم، فهاموا طربا بلذّة خطاب معبودهم، حصّن مدينة وجودهم بسور توفيقه من وساوس الشكّ، و حمى حوزة نفوسهم بتوفيق مشيئته من شبه الشرك، و أطلعهم على عيوب دار الغرور فرفضوها، و حذّرهم مصارع بطشها المشهور ففرضوها.
وصلوا بقدم صدقهم إلى عين اليقين، و شربوا من شراب الجنّة بكأس من
معين، و سلكوا مفاوز البرزخ إلى الدار الباقية، فكشفوا حجب غيوبه لأهل الحياة الفانية، و حذّرهم ما يلقون في سلوكهم- بعد مماتهم- إلى دار قرارهم، و أراهم عواقب امورهم بعد الاخراج من ديارهم، و أمرهم باتّخاذ الزاد البعيد لسفرهم، و حسن الارتياد قبل انقطاع عذرهم، ما وهنوا في سبيل ربّهم، و ما ضعفوا و ما استكانوا بل أيّدوا الحقّ و أهله، و نصروا و أعانوا و جاهدوا في اللّه بأيديهم و ألسنتهم، و نصحوا في سبيل اللّه في سرّهم و علانيتهم، و كان أفضل سابق في حلبة الاخلاص لربّه، و أكمل داع دعا إلى اللّه بقالبه و قلبه، و خير مبعوث بدأ اللّه به و ختم، و أجمل مبعوث بالمجد الأعبل و الشرف الأقدم، كم تلقّى صفاح الأعداء بطلعته الشريفة؟! و كم قابل رماح الأشقياء ببهجته المنيفة؟! صاحب بدر الصغرى و الكبرى، و سيّد أهل الدنيا و الاخرى، الّذي لم يجاهد أحد في احد جهاده، و لا جالد جليد في حنين جلاده 509 ، أشجع الخلق بالحقّ، و أصدع الرسل بالصدق.
تاج رسالته: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) 510 ، و توقيع نبوّته: (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) 511 ، و دلالة محبّته: (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى) 512 ، و آية بعثه: