کتابخانه روایات شیعه
و بحقّ ألوانهم الشاحبة في عراها، و أوداجهم الشاخبة 507 في ثراها، و بما ضمّ صعيدها من قبورهم و ظرائحهم، و ما غيّب في عراصها من أعضائهم و جوارحهم، و بحقّ تلك الوجوه الّتي طال ما قبّلها الرسول، و أكرمتها البتول، و بحقّ تلك الأبدان الّتي لم تزل تدأب في عبادتك، و تكدح في طاعتك، طالما سهرت نواظرها بلذيذ مناجاتك، و أظمأت هواجرها طلبا لمرضاتك، شاهدت أنوار تجلّيات عظمتك بأبصار بصائرها، و لاحظت جلال ربوبيّتك بأفكار ضمائرها، فأشرقت أنوار إلهيّتك على مرايا قلوبها، فأضاءت الأكوان بانعكاس أشعّة ذلك النور الّذي هو كمال مطلوبها.
أن تصلّي على محمد و آل محمد، و أن تجعل قلوبنا معمورة بحبّهم، و أنفسنا مسرورة بقربهم، و ألسنتنا بذكر مناقبهم ناطقة، و أبداننا بنشر فضائلهم عانقة، و مدائحنا إلى نحو جهاتهم موجّهة، و قرائحنا بمعاني صفاتهم مفوّهة، و شكرنا موقوفا على حضرة رفعتهم، و ذكرنا مصروفا إلى مدحة عظمتهم، لا نعتقد سواهم سبيلا موصلا إليك، و لا نرى غير حبّهم سببا منجيا لديك، نرى كلّ مجد غير مجدهم حقيرا، و كلّ غنيّ بغير ولاتهم فقيرا، و كلّ فخر سوى فخرهم زورا، و كلّ ناطق بغير لسانهم زخرفا و غرورا، و كلّ عالم بغير علمهم جاهلا، و كلّ إمام يدّعي من دونهم باطلا.
فلك الحمد على ما اطّلعنا عليه من سرّك المصون بعرفان فضلهم، و أهّلنا له من علمك المخزون بالاستمساك بحبلهم.
اللّهمّ فثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة، و نوّر بمصابيح ولاتهم سبيل سلوكنا إليك في ظلمات الساهرة 508 ، و زيّن بذكرهم مجالس وعظنا، و شرّف بشكرهم نفائس لفظنا، و اجعلنا و حاضري مجلسنا ممّن يناله شفاعتهم يوم وقوفنا بين يديك، و من تتلقّاهم الملائكة الكرام بالبشرى حين العرض عليك، و أثبنا على تحمّل الأذى فيهم من أعداء دينك ثواب الصدّيقين، و أيّدنا بروح قدسك، و انصرنا على القوم الكافرين.
و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين.
[المجالس الثاني في ذكر سيّد المرسلين، و ما ناله من الأذى من أعداء الدين، و ذكر وفاته، و ذكر امور تتعلّق بظلامة أهل بيته الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين]
الحمد للّه الّذي وعد على الصبر الجميل بالثواب الجزيل في دار جزائه، و توعّد بالعذاب الأليم على ترك التسليم لقضائه، و ابتلى أنبياءه بالمحن السابقة في علمه في دار بلائه، و كلّفهم بالتكاليف الشاقّة من حكمه في منزل ابتلائه، و أمرهم بكفّ أكفّ الملحدين في آياته، و رغم انوف الجاحدين لصفاته، و أطلعهم على أسرار عظمته بصغر ما سواه لديهم، و كشف عن أبصار بصائرهم فوعوا ما ألقاه إليهم، و تجلّى لهم في ضمائرهم فطاح وجودهم في شهودهم، و خاطبهم في سرائرهم، فهاموا طربا بلذّة خطاب معبودهم، حصّن مدينة وجودهم بسور توفيقه من وساوس الشكّ، و حمى حوزة نفوسهم بتوفيق مشيئته من شبه الشرك، و أطلعهم على عيوب دار الغرور فرفضوها، و حذّرهم مصارع بطشها المشهور ففرضوها.
وصلوا بقدم صدقهم إلى عين اليقين، و شربوا من شراب الجنّة بكأس من
معين، و سلكوا مفاوز البرزخ إلى الدار الباقية، فكشفوا حجب غيوبه لأهل الحياة الفانية، و حذّرهم ما يلقون في سلوكهم- بعد مماتهم- إلى دار قرارهم، و أراهم عواقب امورهم بعد الاخراج من ديارهم، و أمرهم باتّخاذ الزاد البعيد لسفرهم، و حسن الارتياد قبل انقطاع عذرهم، ما وهنوا في سبيل ربّهم، و ما ضعفوا و ما استكانوا بل أيّدوا الحقّ و أهله، و نصروا و أعانوا و جاهدوا في اللّه بأيديهم و ألسنتهم، و نصحوا في سبيل اللّه في سرّهم و علانيتهم، و كان أفضل سابق في حلبة الاخلاص لربّه، و أكمل داع دعا إلى اللّه بقالبه و قلبه، و خير مبعوث بدأ اللّه به و ختم، و أجمل مبعوث بالمجد الأعبل و الشرف الأقدم، كم تلقّى صفاح الأعداء بطلعته الشريفة؟! و كم قابل رماح الأشقياء ببهجته المنيفة؟! صاحب بدر الصغرى و الكبرى، و سيّد أهل الدنيا و الاخرى، الّذي لم يجاهد أحد في احد جهاده، و لا جالد جليد في حنين جلاده 509 ، أشجع الخلق بالحقّ، و أصدع الرسل بالصدق.
تاج رسالته: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) 510 ، و توقيع نبوّته: (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) 511 ، و دلالة محبّته: (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى) 512 ، و آية بعثه:
(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) 513 ، كلّ من الأنبياء مقدّمة جنده، و كلّ من الأولياء أخذ الميثاق على من بعده بوفاء عهده، في صحف الخليل ذكره أشهر من أن يشهر، و في توراة الكليم فضله من فلق الصبح أظهر، و المسيح في إنجيله دعا إليه و بشّر، و صاحب الزبور لمّا دعا باسمه أظهره اللّه على جالوت و نصره أعني
صاحب الحوض و الكوثر، و التاج و المغفر، و الدين الأظهر، و النسب الأطهر، محمد سيّد البشر، أشرف مبعوث إلى الكافّة، و خير مبعوث بالرحمة و الرأفة، تحمّل أعباء الرسالة صابرا، و جاهد في اللّه مصابرا، ما اوذي أذاه نبيّ، و لا صبر صبره وليّ، كم راموا هدم بنيانه، و هدّ أركانه، و إدحاض حجّته، و إذلال صحبته؟
و أبى اللّه إلّا تأييده و نصره، و إعلاء فوق كلّ أمر أمره.
[الرسول صلّى اللّه عليه و آله و أبو جهل]
روى سيّدنا و مولانا الامام المفترض الطاعة الامام ابن الأئمّة، و السيّد ابن السادة، نجل النبيّ، و سلالة الوصيّ، الامام الزكي، أبو القائم المهديّ الحسن بن عليّ العسكري صلوات اللّه و سلامه عليه و على آبائه الطاهرين، و ولده الحجّة على الخلق أجمعين، أنّ أبا جهل كتب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- بعد أن هاجر إلى المدينة-: يا محمد، إنّ الخيوط 514 الّتي في رأسك هي الّتي ضيّقت عليك مكّة، و رمت بك إلى يثرب، و إنّها لا تزال بك إلى أن توردك موارد الهلكة ... إلى آخر الكتاب.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للرسول: إنّ أبا جهل بالمكاره 515 يهدّدني، و ربّ العالمين بالنصر و الظفر يعدني، و خبر اللّه أصدق، و القبول من اللّه أحقّ، لن يضرّ محمدا من خذله، أو يغضب عليه بعد أن ينصره اللّه عزّ و جلّ، و يتفضّل بكرمه وجوده عليه.
ثمّ قال للرسول: قل له: يا أبا جهل، إنّك راسلتني بما ألقاه الشيطان في خلدك 516 ، و أنا اجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن، إنّ الحرب بيننا و بينك
كافية 517 إلى تسعة و عشرين يوما، و إنّ اللّه سيقتلك فيها بأضعف أصحابي، و ستلقى أنت و شيبة و عتبة و الوليد و فلان و فلان- و ذكر عددا من قريش- في قليب بدر مقتّلين، أقتل منكم سبعين، و آسر منكم سبعين، أحملهم على الفداء 518 الثقيل.
[إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمصارع المشركين في بدر]
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله: أ لا تحبّون أن اريكم مصرع 519 كلّ واحد من هؤلاء؟ هلمّوا إلى بدر، فإنّ هناك الملتقى و المحشر، و هناك البلاء [الأكبر] 520 ، فلم يجبه إلّا أمير المؤمنين، و قال: نعم، بسم اللّه، فقال صلّى اللّه عليه و آله لليهود: اخطوا خطوة واحدة فإنّ اللّه يطوي الأرض لكم، و يوصلكم إلى هناك، فخطا القوم خطوة، ثم الثانية، فإذا هم عند بئر بدر.
فقال صلّى اللّه عليه و آله: هذا مصرع عتبة، و ذاك مصرع شيبة، و ذاك مصرع الوليد، إلى أن سمّى تمام سبعين، و سيؤسر فلان و فلان، إلى أن ذكر سبعين منهم، فلمّا انتهى 521 إلى آخرها قال: هذا مصرع أبي جهل، يجرحه 522 فلان الأنصاري، و يجهز عليه عبد اللّه بن مسعود أضعف أصحابي.