کتابخانه روایات شیعه
كافية 517 إلى تسعة و عشرين يوما، و إنّ اللّه سيقتلك فيها بأضعف أصحابي، و ستلقى أنت و شيبة و عتبة و الوليد و فلان و فلان- و ذكر عددا من قريش- في قليب بدر مقتّلين، أقتل منكم سبعين، و آسر منكم سبعين، أحملهم على الفداء 518 الثقيل.
[إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمصارع المشركين في بدر]
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله: أ لا تحبّون أن اريكم مصرع 519 كلّ واحد من هؤلاء؟ هلمّوا إلى بدر، فإنّ هناك الملتقى و المحشر، و هناك البلاء [الأكبر] 520 ، فلم يجبه إلّا أمير المؤمنين، و قال: نعم، بسم اللّه، فقال صلّى اللّه عليه و آله لليهود: اخطوا خطوة واحدة فإنّ اللّه يطوي الأرض لكم، و يوصلكم إلى هناك، فخطا القوم خطوة، ثم الثانية، فإذا هم عند بئر بدر.
فقال صلّى اللّه عليه و آله: هذا مصرع عتبة، و ذاك مصرع شيبة، و ذاك مصرع الوليد، إلى أن سمّى تمام سبعين، و سيؤسر فلان و فلان، إلى أن ذكر سبعين منهم، فلمّا انتهى 521 إلى آخرها قال: هذا مصرع أبي جهل، يجرحه 522 فلان الأنصاري، و يجهز عليه عبد اللّه بن مسعود أضعف أصحابي.
ثمّ قال: إنّ ذلك لحقّ كائن إلى بعد ثمانية و عشرين يوما، فكان كما
قال صلّى اللّه عليه و آله 523 .
[الهجرة إلى الحبشة]
و لمّا ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم، فوثبت كلّ قبيلة على من فيها من المسلمين، يؤذونهم و يعذّبونهم، فافتتن من افتتن، و عصم اللّه سبحانه منهم من شاء، و حمى 524 اللّه نبيّه بعمّه أبي طالب رضي اللّه عنه، فلمّا رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما بأصحابه، و لم يقدر على منعهم، و لم يؤمر بعد بالجهاد، أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة، و قال: إنّ بها ملكا صالحا، لا يظلم و لا يظلم عنده أحد، فاخرجوا إليه حتى يجعل اللّه عزّ و جلّ للمسلمين فرجا، و أراد به النجاشي، و اسمه أصحمة، و هو بالحبشيّة عطيّة، و إنّما النجاشي اسم الملك، كقولهم تبع، و كسرى 525 ، و قيصر.
فخرج إليها سرّا أحد عشر رجلا، و أربع نسوة، و هم: الزبير بن العوّام، و عبد اللّه بن مسعود، و عبد الرحمن بن عوف، و أبو حذيفة بن عتبة، و امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو، و مصعب بن عمير، و أبو سلمة بن عبد الأسد، و امرأته سلمة بنت أبي اميّة، و عثمان بن مظعون، و عامر بن ربيعة، و امرأته ليلى بنت أبي خيثمة، و حاطب بن عمرو، و سهيل 526 بن بيضاء، فخرجوا إلى البحر، و أخذوا سفينة إلى برّ 527 الحبشة بنصف دينار، و ذلك في رجب، في السنة الخامسة من
مبعث النبي صلّى اللّه عليه و آله 528 .
ثمّ خرج بعدهم جعفر بن أبي طالب، و تتابع المسلمون إليها، و كان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين على التعاقب، اثنين و ثمانين رجلا 529 ، سوى النساء و الصبيان.
فلمّا علمت قريش بذلك وجّهت عمرو بن العاص و صاحبه عمارة بن الوليد بالهدايا إلى النجاشي و إلى بطارقته ليردّوهم، و كان عمارة بن الوليد شابّا حسن الوجه، و أخرج عمرو بن العاص أهله معه.
فلمّا ركبوا السفينة شربوا الخمر. فقال عمارة لعمرو بن العاص: قل لأهلك تقبّلني، فلمّا انتشى 530 عمرو دفعه عمارة في الماء، و نشب 531 عمرو في صدر السفينة، و اخرج من الماء، و ألقى اللّه العداوة بينهما في مسيرهما قبل أن يصلا إلى النجاشي.
ثمّ وردا على النجاشي، فأنزلهم، ثمّ استدعى بهما و سألهما ما أقدمهما إلى بلاده.
فقال عمرو: أيّها الملك، إنّ قوما خالفونا في ديننا، و سبّوا آلهتنا 532 ، و صاروا إليك، فردّهم إلينا، فبعث النجاشي إلى جعفر، فحضر بين يديه، فقال:
أيّها الملك، سلهم أ نحن عبيد لهم؟
فقال: لا، بل أحرار.
قال: سلهم ألهم علينا ديون يطالبونا بها؟
قال: عمرو: لا، ما لنا عليكم ديون.
قال: فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟
قال عمرو: لا.
قال: فما تريدون منّا؟! آذيتمونا، فخرجنا من بلادكم 533 .
قال جعفر: أيّها الملك، إنّ اللّه سبحانه بعث فينا نبيّا أمرنا بخلع الأنداد، و بترك الاستقسام بالأزلام، و أمرنا بالصلاة، و الزكاة، و العدل، و الاحسان، و إيتاء ذي القربى، و نهانا عن الفحشاء، و المنكر، و البغي.
فقال النجاشي: بهذا بعث عيسى، ثمّ قال النجاشي 534 : هل تحفظ ممّا انزل على نبيّك شيئا؟
قال: نعم.
قال: اقرأ، فقرأ سورة مريم، فلمّا بلغ (وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) 535 قال النجاشي: هذا و اللّه هو الحقّ.
فقال عمرو: إنّه مخالف لنا، فردّه علينا.
فرفع الملك يده و لطم عمرو، و قال: اسكت و اللّه لئن ذكرته بسوء لأفعلنّ بك، ثمّ قال: ارجعوا إلى هذا هديته، و قال لجعفر و لأصحابه: امكثوا أنتم سيوم، و السيوم: الآمنون، و أمر لهم بما يصلحهم من الرزق، فانصرف عمرو و أقام المسلمون هناك بخير دار، و أحسن جوار، إلى أن هاجر رسول اللّه صلّى اللّه
عليه و آله إلى المدينة، و علا أمره، و هادن قريشا، و فتح خيبر، فوافى جعفر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بجميع من كانوا معه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا أدري بأيّهما اسرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟
و أتى مع جعفر و أصحابه من الحبشة سبعون راجلا، منهم اثنان و ستّون من الحبشة، و ثمانية من أهل الشام، منهم 536 بحيراء الراهب، فقرأ عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سورة يس إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن و آمنوا، و قالوا: ما أشبه هذا بما انزل على عيسى! 537
ثمّ لم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقاسي منهم الأهوال، و لكنّ اللّه سبحانه كان يمنعهم عنه بعمّه أبي طالب، و كان أبو طالب رضي اللّه عنه يظهر لهم أنّه موافق لهم في دينهم ليتمّ له ما يريد من حماية رسول اللّه، و إلّا فهو كان مسلما موحّدا.
[في إيمان أبي طالب رضي اللّه عنه]
و قد أجمعت العصابة من أهل البيت عليهم السلام انّه قد مات مسلما، و إجماعهم حجّة على ما ذكر في غير موضع 538 ، و سبب الشبهة في ذلك أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يعلن بنفاق أبي سفيان، فشكا معاوية ذلك إلى مروان و عمر و عبد اللّه بن عامر فقالوا: إنّ إسلام أبيه أخفى من نفاق أبيك، فأظهر كفره، فجعل يقول: ألا إنّ أبا طالب مات كافرا، و أمر الناس بذلك فصارت سنّة.
و قال الصادق عليه السلام: مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف، أسرّوا
الايمان و أظهروا الشرك، فاتاهم اللّه أجرهم مرّتين 539 .
و قد صنّف الشيخ أبو جعفر بن بابويه، و أبو علي الكوفي 540 ، و سعد القمّي 541 ، و علي بن بلال المهلّبي 542 ، و الشيخ المفيد 543 في فضائله، و قد أجمع أهل البيت على ذلك- كما ذكرنا أوّلا-.
و روى شعبة، عن قتادة، عن الحسن في خبر طويل انّه لمّا حضرت أبا طالب الوفاة دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بكى و قال: يا محمد، إنّي أخرج من الدنيا و مالي غمّ إلّا غمّك، و ستلقى هزوا و حروبا كثيرة من بني اميّة و بني المغيرة، فإذا متّ فخبّر أصحابك لينتقلوا من مكّة إلى حيث شاءوا، فلا مقام لهم بمكّة بعدي.
فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال: يا عمّ، إنّك راحل من الدنيا، و إنّي راحل بعدك من مكّة إلى المدينة، و راحل بعد المدينة إلى اللّه، و إنّي و إيّاك نلتقي بين يدي اللّه بعد الموت، فيسألك عن الايمان بي، و يسألك عن ولاية ابنك علي.
يا عمّ، فاشهد بكلمة الاخلاص معي في حياتك قبل موتك، اخاصم بها عند ربّي فترضي ربّك عن نفسي، و ترضيني و ترضي ولدك عليّا.
يا عمّ، أ ما تأسف بنفسك أن يكون عليّ ولدك إمام أمّتي، و أسعد المقرّبين في الجنان، و تكون الشقيّ المعذّب إن متّ على كفرك في النيران؟
يا عمّ، إنّك تخاف عليّ أذى أعاديّ و لا تخاف على نفسك غدا عذاب ربّي!
فضحك أبو طالب، و قال:
و دعوتني و زعمت أنّك ناصحي
و لقد صدقت و كنت قدم أمينا 544
و عقد على ثلاثة و ستّين 545 : عقد الخنصر و البنصر و عقد الإبهام على إصبعه الوسطى، و أشار بإصبعه المسبّحة، يقول: لا إله إلّا اللّه، محمد رسول اللّه.