کتابخانه روایات شیعه
قال: عمرو: لا، ما لنا عليكم ديون.
قال: فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟
قال عمرو: لا.
قال: فما تريدون منّا؟! آذيتمونا، فخرجنا من بلادكم 533 .
قال جعفر: أيّها الملك، إنّ اللّه سبحانه بعث فينا نبيّا أمرنا بخلع الأنداد، و بترك الاستقسام بالأزلام، و أمرنا بالصلاة، و الزكاة، و العدل، و الاحسان، و إيتاء ذي القربى، و نهانا عن الفحشاء، و المنكر، و البغي.
فقال النجاشي: بهذا بعث عيسى، ثمّ قال النجاشي 534 : هل تحفظ ممّا انزل على نبيّك شيئا؟
قال: نعم.
قال: اقرأ، فقرأ سورة مريم، فلمّا بلغ (وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) 535 قال النجاشي: هذا و اللّه هو الحقّ.
فقال عمرو: إنّه مخالف لنا، فردّه علينا.
فرفع الملك يده و لطم عمرو، و قال: اسكت و اللّه لئن ذكرته بسوء لأفعلنّ بك، ثمّ قال: ارجعوا إلى هذا هديته، و قال لجعفر و لأصحابه: امكثوا أنتم سيوم، و السيوم: الآمنون، و أمر لهم بما يصلحهم من الرزق، فانصرف عمرو و أقام المسلمون هناك بخير دار، و أحسن جوار، إلى أن هاجر رسول اللّه صلّى اللّه
عليه و آله إلى المدينة، و علا أمره، و هادن قريشا، و فتح خيبر، فوافى جعفر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بجميع من كانوا معه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا أدري بأيّهما اسرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟
و أتى مع جعفر و أصحابه من الحبشة سبعون راجلا، منهم اثنان و ستّون من الحبشة، و ثمانية من أهل الشام، منهم 536 بحيراء الراهب، فقرأ عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سورة يس إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن و آمنوا، و قالوا: ما أشبه هذا بما انزل على عيسى! 537
ثمّ لم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقاسي منهم الأهوال، و لكنّ اللّه سبحانه كان يمنعهم عنه بعمّه أبي طالب، و كان أبو طالب رضي اللّه عنه يظهر لهم أنّه موافق لهم في دينهم ليتمّ له ما يريد من حماية رسول اللّه، و إلّا فهو كان مسلما موحّدا.
[في إيمان أبي طالب رضي اللّه عنه]
و قد أجمعت العصابة من أهل البيت عليهم السلام انّه قد مات مسلما، و إجماعهم حجّة على ما ذكر في غير موضع 538 ، و سبب الشبهة في ذلك أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يعلن بنفاق أبي سفيان، فشكا معاوية ذلك إلى مروان و عمر و عبد اللّه بن عامر فقالوا: إنّ إسلام أبيه أخفى من نفاق أبيك، فأظهر كفره، فجعل يقول: ألا إنّ أبا طالب مات كافرا، و أمر الناس بذلك فصارت سنّة.
و قال الصادق عليه السلام: مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف، أسرّوا
الايمان و أظهروا الشرك، فاتاهم اللّه أجرهم مرّتين 539 .
و قد صنّف الشيخ أبو جعفر بن بابويه، و أبو علي الكوفي 540 ، و سعد القمّي 541 ، و علي بن بلال المهلّبي 542 ، و الشيخ المفيد 543 في فضائله، و قد أجمع أهل البيت على ذلك- كما ذكرنا أوّلا-.
و روى شعبة، عن قتادة، عن الحسن في خبر طويل انّه لمّا حضرت أبا طالب الوفاة دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بكى و قال: يا محمد، إنّي أخرج من الدنيا و مالي غمّ إلّا غمّك، و ستلقى هزوا و حروبا كثيرة من بني اميّة و بني المغيرة، فإذا متّ فخبّر أصحابك لينتقلوا من مكّة إلى حيث شاءوا، فلا مقام لهم بمكّة بعدي.
فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال: يا عمّ، إنّك راحل من الدنيا، و إنّي راحل بعدك من مكّة إلى المدينة، و راحل بعد المدينة إلى اللّه، و إنّي و إيّاك نلتقي بين يدي اللّه بعد الموت، فيسألك عن الايمان بي، و يسألك عن ولاية ابنك علي.
يا عمّ، فاشهد بكلمة الاخلاص معي في حياتك قبل موتك، اخاصم بها عند ربّي فترضي ربّك عن نفسي، و ترضيني و ترضي ولدك عليّا.
يا عمّ، أ ما تأسف بنفسك أن يكون عليّ ولدك إمام أمّتي، و أسعد المقرّبين في الجنان، و تكون الشقيّ المعذّب إن متّ على كفرك في النيران؟
يا عمّ، إنّك تخاف عليّ أذى أعاديّ و لا تخاف على نفسك غدا عذاب ربّي!
فضحك أبو طالب، و قال:
و دعوتني و زعمت أنّك ناصحي
و لقد صدقت و كنت قدم أمينا 544
و عقد على ثلاثة و ستّين 545 : عقد الخنصر و البنصر و عقد الإبهام على إصبعه الوسطى، و أشار بإصبعه المسبّحة، يقول: لا إله إلّا اللّه، محمد رسول اللّه.
فقام علي عليه السلام و قال: اللّه أكبر، اللّه أكبر، و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا لقد شفّعك اللّه في عمّك و هداه بك.
فقام جعفر و قال: لقد سدتنا في الجنّة يا شيخي كما سدتنا في الدنيا.
فلمّا مات أبو طالب رضي اللّه عنه أنزل اللّه: (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) 546 547 .
تفسير وكيع: قال: حدّثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم 548 ، عن أبيه، عن أبي ذرّ الغفاري قال: و اللّه الّذي لا إله إلّا هو ما مات أبو طالب حتى آمن بلسان الحبشة، و قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا محمد، أتفقه لسان الحبشة؟
قال: يا عمّ، إنّ اللّه علّمني جميع الكلام.
قال: يا محمد، «اسدن ملصافا فاطالاها» 549 يعني: أشهد مخلصا: لا إله إلّا اللّه، فبكى رسول اللّه و قال: إنّ اللّه أقرّ عيني بأبي طالب 550 .
الصادق عليه السلام: لمّا حضرت أبا طالب الوفاة أوصى بنيه، فكان فيما أوصى قال: إنّي اوصيكم بمحمد، فإنّه الأمين في قريش، و الصدّيق في العرب، فقد حباكم بأمر قبله الجنان 551 ، و أنكره اللسان مخافة الشنان 552 ، و أيم اللّه لكأنّي أنظر قد محضته العرب درّها، و صفّت له بلادها، و أعطته قيادها، فدونكم يا بني
عبد المطّلب، فقوه بآبائكم و امّهاتكم و أولادكم، كونوا له دعاة، و في حربه حماة، فو اللّه لا سلك أحد سبيله إلّا رشد، و لا أخذ أحد بهداه إلّا سعد، و لو كان في نفسي مدّة، و في أجلي تأخير لكفيته الكوافي، و دفعت عنه الدواهي، غير أنّي أشهد بشهادته، و اعظّم مقالته 553 .
و قال رجل لأمير المؤمنين: يا أمير المؤمنين، إنّك لبالمنزل الّذي أنزلك اللّه، و أبوك يعذّب بالنار!
فقال أمير المؤمنين: فضّ اللّه فاك، و الّذي بعث محمدا بالحقّ نبيّا، لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه اللّه تعالى فيهم، أبي يعذّب بالنار و ابنه قسيم الجنّة و النار!
ثمّ قال: و الّذي بعث محمدا بالحقّ نبيّا، إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلّا خمسة أنوار، نور محمد صلّى اللّه عليه و آله، و نوري، و نور فاطمة، و نور الحسن، و نور الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين، لأنّ نوره من نورنا الّذي خلقه اللّه سبحانه من قبل خلق آدم بألفي عام 554 .
و ما روي من أشعاره الدالّة على إسلامه الّتي تنفث في عقد السحر، و تغيّر في وجه شعراء الدهر 555 تزيد على ثلاثة آلاف بيت، مذكورة في كتب المغازي،
يكاشف فيها من كاشف النبي صلّى اللّه عليه و آله، و يصحّح نبوّته 556 .
في محاسن البرقي 557 : يونس بن ظبيان، قال رجل عند الصادق عليه السلام: إنّ أبا طالب مات مشركا.
قال أبو عبد اللّه: أبعد قوله:
أ لم تعلموا أنّ نبيّنا لا مكذّب
لدينا و لا يعنى بقول الأباطل 558
و أبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى 559 عصمة للأرامل
فأظهره 560 ربّ العباد بنصره
و أظهر دينا حقّه غير باطل 561 ؟