کتابخانه روایات شیعه
يكاشف فيها من كاشف النبي صلّى اللّه عليه و آله، و يصحّح نبوّته 556 .
في محاسن البرقي 557 : يونس بن ظبيان، قال رجل عند الصادق عليه السلام: إنّ أبا طالب مات مشركا.
قال أبو عبد اللّه: أبعد قوله:
أ لم تعلموا أنّ نبيّنا لا مكذّب
لدينا و لا يعنى بقول الأباطل 558
و أبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى 559 عصمة للأرامل
فأظهره 560 ربّ العباد بنصره
و أظهر دينا حقّه غير باطل 561 ؟
و تظافرت الروايات أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال عند وفاته: يا عمّ، وصلتك رحم و جزيت خيرا يا عمّ، كفلتني صغيرا، و أحظيتني كبيرا، فجزيت عنّي
خيرا.
و في رواية: فقد ربّيت و كفلت صغيرا، و آزرت و نصرت كبيرا.
ثمّ أقبل على الناس فقال: أم و اللّه، لأشفعنّ لعمّي شفاعة يعجب بها الثقلان 562 .
فدعا له صلّى اللّه عليه و آله، و ليس للنبيّ أن يدعو بعد الموت لكافر لقوله تعالى: (وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) 563 ، و الشفاعة لا تكون إلّا لمؤمن (وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) 564 .
و أجمع أهل النقل من الخاصّة و العامّة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قيل له:
ما ترجو لعمّك أبي طالب؟
قال: أرجو له كلّ خير من ربّي 565 .
و لمّا مات أبو طالب أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمير المؤمنين من بين أولاده الحاضرين بتغسيله و تكفينه و مواراته دون عقيل و طالب، و لم يكن من أولاده من آمن في تلك الحال إلّا أمير المؤمنين عليه السلام و جعفر، و كان جعفر ببلاد الحبشة، و لو كان كافرا لما أمر أمير المؤمنين بتغسيله و تولية أمره،
و لكان الكافر أحقّ به 566 .
و توفّي أبو طالب و خديجة في سنة ستّ 567 من الوحي، فسمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عام الحزن 568 .
و قالت فاطمة بنت أسد و عليّ صلوات اللّه عليه: أظهر إسلامك بسرّ محمد.
فقال لهما: آمنت به منذ أربعين سنة.
فقالا: جدّده.
فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، فاكتموا ذلك عليّ.
فقال أمير المؤمنين: لقد أظهرت دين عيسى و ملّة إبراهيم.
في كتاب دلائل النبوّة: قال العبّاس: لمّا حضرت أبي طالب الوفاة قال له نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا عمّ، قل كلمة واحدة أشفع لك بها يوم القيامة: «لا إله إلّا اللّه».
و كانت جميلة بنت حرب تقول: يا أبا طالب، مت على دين الأشياخ، فرأيته يحرّك شفتيه، و سمعته يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه 569 .
الخطيب في الأربعين: بالاسناد عن محمد بن كعب أنّ أبا طالب لمّا رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يتفل في فم علي، فقال: ما هذا، يا محمد؟
قال: إيمان و حكمة.
فقال أبو طالب لعليّ: يا بنيّ، انصر ابن عمّك و آزره 570 .
و إذا استقرأت و رمت معرفة من كان أشدّ متابعة، و أعظم حياطة للنبي صلّى اللّه عليه و آله، و أعظم محاماة عنه و عن دينه لم تجد في المهاجرين و الأنصار و غيرهم من المسلمين مثل أبي طالب رضي اللّه عنه و ولده، فإنّ أحدا لم يحام عن رسول اللّه كأبي طالب، فإنّه ذبّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مدّة حياته بمكّة، و كذلك لمّا حضر في الشعب، حتى انّ رسول اللّه لم يمكنه بعد موته الاقامة بمكّة، و هبط عليه جبرائيل و قال: يا محمد، إنّ اللّه يقرئك السلام، و يقول لك: اخرج قد مات ناصرك 571 .
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما نالت قريش منّي ما نالت و ما أكره حتى مات أبو طالب 572 .
ثمّ لم يستقرّ حتى خرج صلّى اللّه عليه و آله إلى الطائف.
و كذلك ولده جعفر رضي اللّه عنه لم يزل يذبّ في إعلاء كلمة الاسلام و نصر الرسول صلّى اللّه عليه و آله حتى قتل في دار غربة مقبلا غير مدبر، و سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «ذا الجناحين» لأنّ يديه قطعتا في الحرب، فأبدله
اللّه منهما جناحين يطير بهما في الجنّة، و وجد فيه بعد أن قتل بضع و تسعون رمية و طعنة، ليس منها شيء في دبره 573 .
و هذا أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين، لم يجاهد أحد جهاده، و لا يواسي الرسول صلّى اللّه عليه و آله مواساته، و هو صلوات اللّه عليه صاحب الوقائع المشهورة، و المقامات المذكورة، الّتي اتّفق المخالف و المؤالف على نقلها، و ضربت الأمثال بشجاعته فيها، كبدر و احد و الأحزاب و خيبر و حنين و أوطاس 574 و غيرها من الغزوات و السرايا، و فدى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمبيته على فراشه حتى أنزل اللّه فيه: (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ) 575 و ما زال صلوات اللّه عليه يذبّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يكدح في إعلاء كلمته في حياته و بعد موته حتى قتل في محرابه راكعا. 576
كذلك ولداه الحسن و الحسين صلّى اللّه عليهما، فإنّهما بالغا في النصيحة لجدّهما، و ثابرا على آثار دينه و قمع الملحدين فيه، لتكون كلمة اللّه العليا، و كلمة الّذين كفروا السفلى، حتى قتلا في سبيل اللّه و ذرّيّتهما و ولدهما، و سبيت نساؤهما و ذرّيّتهما.
و كذلك زيد بن علي بن الحسين صلوات اللّه عليه، و ولده يحيى بن زيد، و محمد بن زيد، و غيرهما من أولاده و أحفاده.
و كذلك بنو الحسن كعبد اللّه و محمد و إبراهيم و غيرهم كصاحب فخ و من تابعه، و كانوا أكثر من ثلاثمائة من ولد أبي طالب، حتى قال سيّدنا أبو الحسن الثالث علي بن محمد الهادي العسكري صلّى اللّه عليه: ما اصبنا بمصيبة بعد كربلاء كمصيبة صاحب فخّ 577 .
و من حفدته مسلم بن عقيل، و ولده الّذين شروا أنفسهم من اللّه بالثمن الأوفر، و قد صنّف فيهم كتاب مقاتل الطالبيّين 578 و تواريخهم و سيرتهم فلا نطوّل بذلك، و لو لا حسن اعتقادهم، و صفاء ودادهم، و شدّة جهادهم، و قوّة اجتهادهم لما جعلهم اللّه خلفاءه في أرضه، و الامناء على سنّته و فرضه.
بحار العلم، و معادن الحلم، و أئمّة الهدى، و مصابيح الدجى، أوّلهم عليّ، و آخرهم المهديّ، كلّما خوى لهم نجم بزغ نجم طالع، و كلّما اختفى منهم علم بدا علم لامع، و كفى فخرا كون المهديّ من ذرّيّته الّذي يملأ اللّه الأرض به قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
و كان أبو طالب رضي اللّه عنه ربّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صغيرا،
و حصنه كبيرا.
[في شفقة فاطمة بنت أسد رضي اللّه عنها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]
و كانت زوجته فاطمة بنت أسد رضي اللّه عنها شديدة الحنوّ و الشفقة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هي أحد الصالحات القانتات، و لمّا سمعت قول اللّه: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) 579 كانت أوّل امرأة بايعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هي.
و روي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّ فاطمة بنت أسد أوّل امرأة هاجرت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من مكّة إلى المدينة على قدمها، و كانت أبرّ الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: الناس يحشرون يوم القيامة عراة، فقالت: وا سوأتاه.
فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّي أسأل اللّه أن يبعثك كاسية.
و سمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه.
فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّي أسأل اللّه أن يكفيك ذلك 580 .
و في الخبر أنّها أسلمت بعد عشرين يوما من مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على يد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ولدها، و جاءت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باكية و استزادت، فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تقتفي آثار ابنها.