کتابخانه روایات شیعه
الخطيب في الأربعين: بالاسناد عن محمد بن كعب أنّ أبا طالب لمّا رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يتفل في فم علي، فقال: ما هذا، يا محمد؟
قال: إيمان و حكمة.
فقال أبو طالب لعليّ: يا بنيّ، انصر ابن عمّك و آزره 570 .
و إذا استقرأت و رمت معرفة من كان أشدّ متابعة، و أعظم حياطة للنبي صلّى اللّه عليه و آله، و أعظم محاماة عنه و عن دينه لم تجد في المهاجرين و الأنصار و غيرهم من المسلمين مثل أبي طالب رضي اللّه عنه و ولده، فإنّ أحدا لم يحام عن رسول اللّه كأبي طالب، فإنّه ذبّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مدّة حياته بمكّة، و كذلك لمّا حضر في الشعب، حتى انّ رسول اللّه لم يمكنه بعد موته الاقامة بمكّة، و هبط عليه جبرائيل و قال: يا محمد، إنّ اللّه يقرئك السلام، و يقول لك: اخرج قد مات ناصرك 571 .
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما نالت قريش منّي ما نالت و ما أكره حتى مات أبو طالب 572 .
ثمّ لم يستقرّ حتى خرج صلّى اللّه عليه و آله إلى الطائف.
و كذلك ولده جعفر رضي اللّه عنه لم يزل يذبّ في إعلاء كلمة الاسلام و نصر الرسول صلّى اللّه عليه و آله حتى قتل في دار غربة مقبلا غير مدبر، و سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «ذا الجناحين» لأنّ يديه قطعتا في الحرب، فأبدله
اللّه منهما جناحين يطير بهما في الجنّة، و وجد فيه بعد أن قتل بضع و تسعون رمية و طعنة، ليس منها شيء في دبره 573 .
و هذا أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين، لم يجاهد أحد جهاده، و لا يواسي الرسول صلّى اللّه عليه و آله مواساته، و هو صلوات اللّه عليه صاحب الوقائع المشهورة، و المقامات المذكورة، الّتي اتّفق المخالف و المؤالف على نقلها، و ضربت الأمثال بشجاعته فيها، كبدر و احد و الأحزاب و خيبر و حنين و أوطاس 574 و غيرها من الغزوات و السرايا، و فدى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمبيته على فراشه حتى أنزل اللّه فيه: (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ) 575 و ما زال صلوات اللّه عليه يذبّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يكدح في إعلاء كلمته في حياته و بعد موته حتى قتل في محرابه راكعا. 576
كذلك ولداه الحسن و الحسين صلّى اللّه عليهما، فإنّهما بالغا في النصيحة لجدّهما، و ثابرا على آثار دينه و قمع الملحدين فيه، لتكون كلمة اللّه العليا، و كلمة الّذين كفروا السفلى، حتى قتلا في سبيل اللّه و ذرّيّتهما و ولدهما، و سبيت نساؤهما و ذرّيّتهما.
و كذلك زيد بن علي بن الحسين صلوات اللّه عليه، و ولده يحيى بن زيد، و محمد بن زيد، و غيرهما من أولاده و أحفاده.
و كذلك بنو الحسن كعبد اللّه و محمد و إبراهيم و غيرهم كصاحب فخ و من تابعه، و كانوا أكثر من ثلاثمائة من ولد أبي طالب، حتى قال سيّدنا أبو الحسن الثالث علي بن محمد الهادي العسكري صلّى اللّه عليه: ما اصبنا بمصيبة بعد كربلاء كمصيبة صاحب فخّ 577 .
و من حفدته مسلم بن عقيل، و ولده الّذين شروا أنفسهم من اللّه بالثمن الأوفر، و قد صنّف فيهم كتاب مقاتل الطالبيّين 578 و تواريخهم و سيرتهم فلا نطوّل بذلك، و لو لا حسن اعتقادهم، و صفاء ودادهم، و شدّة جهادهم، و قوّة اجتهادهم لما جعلهم اللّه خلفاءه في أرضه، و الامناء على سنّته و فرضه.
بحار العلم، و معادن الحلم، و أئمّة الهدى، و مصابيح الدجى، أوّلهم عليّ، و آخرهم المهديّ، كلّما خوى لهم نجم بزغ نجم طالع، و كلّما اختفى منهم علم بدا علم لامع، و كفى فخرا كون المهديّ من ذرّيّته الّذي يملأ اللّه الأرض به قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
و كان أبو طالب رضي اللّه عنه ربّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صغيرا،
و حصنه كبيرا.
[في شفقة فاطمة بنت أسد رضي اللّه عنها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]
و كانت زوجته فاطمة بنت أسد رضي اللّه عنها شديدة الحنوّ و الشفقة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هي أحد الصالحات القانتات، و لمّا سمعت قول اللّه: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) 579 كانت أوّل امرأة بايعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هي.
و روي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّ فاطمة بنت أسد أوّل امرأة هاجرت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من مكّة إلى المدينة على قدمها، و كانت أبرّ الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: الناس يحشرون يوم القيامة عراة، فقالت: وا سوأتاه.
فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّي أسأل اللّه أن يبعثك كاسية.
و سمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه.
فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّي أسأل اللّه أن يكفيك ذلك 580 .
و في الخبر أنّها أسلمت بعد عشرين يوما من مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على يد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ولدها، و جاءت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باكية و استزادت، فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تقتفي آثار ابنها.
و روي أنّها لمّا ماتت دخل عليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجلس عند رأسها، و قال: يرحمك اللّه يا امّي، كنت امّي بعد امّي، تجوعين و تشبعيني،
و تعرين و تكسيني، و تمنعين نفسك من طيب الطعام و تطعميني، تريدين بذلك وجه اللّه و الدار الآخرة، ثمّ أمر صلّى اللّه عليه و آله أن تغسل ثلاثا، فلمّا بلغ الماء الّذي فيه الكافور سكبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيده، ثمّ خلع قميصه فألبسها إيّاه و لفّها فوقه، ثمّ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اسامة و أبا أيّوب و غلاما أسود يحفرون قبرها، فلمّا بلغوا اللحد حفره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أخرج ترابه بيده، فلمّا فرغ دخل فاضطجع فيه، ثمّ قال: الحمد للّه الّذي يحيي و يميت و هو حيّ لا يموت، [اللّهمّ] 581 اغفر لامّي فاطمة بنت أسد، و لقّنها حجّتها، و وسّع عليها مدخلها، بحقّ نبيّك و الأنبياء الّذين من قبلي، فإنّك أرحم الراحمين.
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله بعد وضعها في اللحد: يا فاطمة، أنا محمّد سيّد ولد آدم و لا فخر، فإذا أتاك منكر و نكير فسألاك: من ربّك؟ فقولي: اللّه ربّي، و محمد نبيّي، و الاسلام ديني، و القرآن كتابي، و ابني عليّ إمامي و وليّي.
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله: اللّهمّ ثبّت فاطمة بالقول الثابت، ثمّ ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما، ثمّ قال: و الّذي نفس محمّد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي.
و روي أنّه صلّى اللّه عليه و آله كبّر عليها أربعين تكبيرة، فسأله عمّار عن ذلك، فقال: يا عمّار، التفتّ عن يميني فنظرت أربعين صفّا من الملائكة، فكبّرت لكلّ صفّ تكبيرة.
و في خبر آخر: يا عمّار، إنّ الملائكة قد ملأت الفضاء، و فتح لها باب من الجنّة، و مهّد لها مهاد من مهاد الجنّة، و بعث إليها بريحان من ريحان الجنّة، فهي
في روح و ريحان و جنّة نعيم، و قبرها روضة من رياض الجنّة 582 .
و كفاها رضي اللّه عنها فضلا و فخرا في الدنيا و الآخرة انّ ولدها ذرّيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نسله، و هم أحد الحبلين اللذين لم ينقطعا حتى يردا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الحوض، و لو لا خوف الإطالة لأوردت من شعر أبي طالب رضي اللّه عنه الّذي يحثّ فيه بنيه على نصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اتّباع هديه جملة مفيدة تنبئ عن حسن عقيدته، و إخلاص سريرته، لكن اقتصرت على هذا القدر و اللّه الموفّق، و هو حسبنا و نعم الوكيل، و إنّما قالت الناصبة ما قالت فيه عداوة لولده أمير المؤمنين و حطّا من قدره، و يأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره و لو كره المشركون 583 .
[فيما لاقاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الأذى في الطائف من عتبة و شيبة]
و لمّا توفّي أبو طالب رضي اللّه عنه اشتدّ البلاء على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فعمد لثقيف في الطائف، فوجد ثلاثة، هم سادة، و هم إخوة:
عبد ياليل، و مسعود، و حبيب، بنو عمرو، فعرض صلّى اللّه عليه و آله عليهم نفسه.
فقال أحدهم: أنا أسرق باب 584 الكعبة إن كان اللّه بعثك بشيء قطّ، و قال الآخر: أعجز اللّه أن يرسل غيرك؟ و قال الآخر: و اللّه لا اكلّمك بعد مجلسك هذا أبدا، فإن كنت نبيّا كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن يزد عليك الكلام، و إن كنت تكذب على اللّه فلا ينبغي لي أن اكلّمك، و تهزّءوا به و أفشوا في قومه ما
راجعوه 585 ، ثمّ أغروا به سفهاءهم، فقعدوا له صفّين على طريقه.
فلمّا مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين صفّيهم جعلوا لا يرفع قدما و لا يضعها إلّا رضخوها بالحجارة حتى أدموا رجليه، فخلص منهم و هما تسيلان بالدماء، فعمد إلى حائط من حوائطهم، و استظلّ بظلّ حبلة- و هي الكرمة- و هو مكروب موجع تسيل رجلاه دما، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، و شيبة بن ربيعة، و هما من بني عبد شمس، و هما من أكابر قريش، و كان لهم أموال بالطائف، فلمّا رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما للّه و لرسوله.
و كلاهما قتلا يوم بدر و قتل معهما الوليد بن عتبة، قتل عتبة أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، ضربه على هامته بالسيف فقطعها، و ضرب هو عبيدة بن الحارث على ساقه فأطنّها 586 فسقطا جميعا، و حمل شيبة- أخوه- على حمزة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما، و حمل أمير المؤمنين عليه السلام على الوليد فضربه على حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه.