کتابخانه روایات شیعه
في روح و ريحان و جنّة نعيم، و قبرها روضة من رياض الجنّة 582 .
و كفاها رضي اللّه عنها فضلا و فخرا في الدنيا و الآخرة انّ ولدها ذرّيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نسله، و هم أحد الحبلين اللذين لم ينقطعا حتى يردا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الحوض، و لو لا خوف الإطالة لأوردت من شعر أبي طالب رضي اللّه عنه الّذي يحثّ فيه بنيه على نصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اتّباع هديه جملة مفيدة تنبئ عن حسن عقيدته، و إخلاص سريرته، لكن اقتصرت على هذا القدر و اللّه الموفّق، و هو حسبنا و نعم الوكيل، و إنّما قالت الناصبة ما قالت فيه عداوة لولده أمير المؤمنين و حطّا من قدره، و يأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره و لو كره المشركون 583 .
[فيما لاقاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الأذى في الطائف من عتبة و شيبة]
و لمّا توفّي أبو طالب رضي اللّه عنه اشتدّ البلاء على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فعمد لثقيف في الطائف، فوجد ثلاثة، هم سادة، و هم إخوة:
عبد ياليل، و مسعود، و حبيب، بنو عمرو، فعرض صلّى اللّه عليه و آله عليهم نفسه.
فقال أحدهم: أنا أسرق باب 584 الكعبة إن كان اللّه بعثك بشيء قطّ، و قال الآخر: أعجز اللّه أن يرسل غيرك؟ و قال الآخر: و اللّه لا اكلّمك بعد مجلسك هذا أبدا، فإن كنت نبيّا كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن يزد عليك الكلام، و إن كنت تكذب على اللّه فلا ينبغي لي أن اكلّمك، و تهزّءوا به و أفشوا في قومه ما
راجعوه 585 ، ثمّ أغروا به سفهاءهم، فقعدوا له صفّين على طريقه.
فلمّا مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين صفّيهم جعلوا لا يرفع قدما و لا يضعها إلّا رضخوها بالحجارة حتى أدموا رجليه، فخلص منهم و هما تسيلان بالدماء، فعمد إلى حائط من حوائطهم، و استظلّ بظلّ حبلة- و هي الكرمة- و هو مكروب موجع تسيل رجلاه دما، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، و شيبة بن ربيعة، و هما من بني عبد شمس، و هما من أكابر قريش، و كان لهم أموال بالطائف، فلمّا رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما للّه و لرسوله.
و كلاهما قتلا يوم بدر و قتل معهما الوليد بن عتبة، قتل عتبة أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، ضربه على هامته بالسيف فقطعها، و ضرب هو عبيدة بن الحارث على ساقه فأطنّها 586 فسقطا جميعا، و حمل شيبة- أخوه- على حمزة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما، و حمل أمير المؤمنين عليه السلام على الوليد فضربه على حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه.
قال عليّ صلوات اللّه عليه: لقد أخذ الوليد يمينه بشماله فضرب بها هامتي، فظننت أنّ السماء سقطت على الأرض، ثمّ اعتنق حمزة و شيبة، فقال المسلمون: يا عليّ، أ ما ترى الكلب فقد أنهر 587 عمّك؟ فحمل عليه علي عليه السلام، ثمّ قال لحمزة: يا عمّ، طأطئ رأسك- و كان حمزة أطول من شيبة- فأدخل حمزة رأسه في صدره، فضربه عليّ صلوات اللّه عليه فطرح نصف
رأسه، ثمّ أتى إلى عتبة و به رمق فأجهز عليه.
و احتمل عبيدة رضي اللّه عنه و به رمق، و حملاه عليّ و حمزة و أتيا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مخّ ساقه يسيل، فاستعبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال عبيدة: أ لست أوّل شهيد من أهل بيتك؟ قال: بلى، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي 588 .
رجعنا إلى تمام القصّة:
فلمّا رأيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أرسلا غلاما لهما يدعى عدّاس معه عنب- و هو نصرانيّ من أهل نينوى-، فلمّا جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال له رسول اللّه: من أيّ أرض أنت؟
قال: من أهل نينوى.
قال صلّى اللّه عليه و آله: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متّى؟
فقال عدّاس: و ما أعلمك بيونس؟
قال صلّى اللّه عليه و آله: أنا رسول اللّه، و اللّه تعالى أخبرني بخبره، فلمّا أخبره بما أخبره اللّه به من شأن يونس خرّ عدّاس ساجدا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 589 ، و جعل يقبّل قدميه و هما تسيلان دما، فلمّا نظر عتبة و شيبة ما يصنع غلامهما سكتا، فلمّا أتاهما قالا: ما شأنك سجدت لمحمّد، و قبّلت قدميه، و لم نرك فعلت بأحد منّا ذلك؟
قال: هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه اللّه إلينا يدعى يونس بن متّى.
فضحكا و قالا: لا يفتننّك عن نصرانيّتك فإنّه رجل خدّاع 590 .
و روي أنّ المشركين لمّا مضوا إلى بدر لقتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان عدّاس مع سيّديه عتبة و شيبة، فسأل منهما: من هذا الّذي عزمتم على حربه و الوقيعة به؟
فقالا له: يا عدّاس، أ رأيت الّذي أرسلناك إليه بالعنب في الطائف؟ قد اتّبعه قوم من الصّباة، و قد قصدنا حربهم، و تفريق كلمتهم، و أن نأتي بهم إلى مكّة اسارى، و نعرّفهم ضلالهم.
فقال عدّاس: باللّه يا سيّديّ، ارجعوا من فوركم هذا إلى مكّة، و اللّه لئن لقيتموه لا تفرحوا بالحياة بعدها، و اللّه إنّه نبيّ حقّ، و قوله صدق، فزجراه و لم يعبأ بكلامه 591 .
[رجوع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الطائف إلى مكّة، و عرضه نفسه على قبائل العرب]
ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجع إلى مكّة من الطائف و اشتدّ البلاء، و أقبل المشركون يردّون المسلمين و يفتنونهم عن دينهم، ثمّ انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله استجار بالأخنس بن شريق، و سهيل بن عمرو فتعلّلا، ثمّ استجار بالمطعم بن عديّ حتى دبّر في أمر الهجرة 592 .
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعرض نفسه على قبائل العرب في
الموسم، فلقي رهطا من الخزرج، فقال: أ لا تجلسون احدّثكم؟
قالوا: بلى، فجلسوا إليه، فدعاهم إلى اللّه، و تلا عليهم القرآن.
فقال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون و اللّه انّه النبيّ الّذي كانوا يوعدوكم به اليهود 593 ، فلا يسبقنّكم إليه أحد، فأجابوه، و قالوا له: إنّا تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و السوء مثل ما بينهم، و عسى اللّه أن يجمع بينهم بك، فستقدم عليهم و تدعوهم إلى أمرك، و كانوا ستّة نفر.
[بيعة العقبة]
فلمّا قدموا المدينة أخبروا قومهم بالخبر، فما دار حول إلّا و فيها حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا، فلقوا النبي صلّى اللّه عليه و آله، فبايعوه على بيعة النساء ألّا يشركوا باللّه شيئا، و لا يسرقوا، إلى آخرها، ثمّ انصرفوا و بعث معهم مصعب بن عمير يصلّي بهم، و كان يسمّى بينهم في المدينة «المقرئ» 594 ، فلم تبق دار في المدينة إلّا و فيها رجال و نساء مسلمون إلّا دار اميّة و حطيمة و وائل و هم من الأوس.
ثمّ عاد مصعب إلى مكّة، و خرج من خرج من الأنصار إلى الموسم، فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة و سبعون رجلا و امرأتان في أيّام التشريق بالليل عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال صلّى اللّه عليه و آله: ابايعكم على الاسلام.
فقال بعضهم: يا رسول اللّه، نريد أن تعرّفنا ما للّه علينا، و ما لك علينا، و ما لنا على اللّه.
فقال صلّى اللّه عليه و آله: أمّا ما للّه عليكم فتعبدوه، و لا تشركوا به شيئا، و أمّا ما لي عليكم فتنصرونني مثل نسائكم و أبنائكم، و أن تصبروا على عضّ السيوف، و أن يقتل خياركم.
قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا على اللّه؟
قال: أمّا في الدنيا فالظهور على من عاداكم، و في الآخرة رضوان اللّه و الجنّة، فأخذ البراء بن معرور بيده، و قال: و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا لنمنعنّك بما نمنع به ازرنا 595 ، فبايعنا يا رسول اللّه، فنحن أهل الحرب و أهل الحلقة ورثناها كبار عن كبار.
فقال أبو الهيثم: إنّ بيننا و بين الرجال حبالا، و إنّا إن قطعناها أو قطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك، ثمّ أظهرك اللّه أن ترجع إلى قومك و تدعنا؟
فتبسّم رسول اللّه، ثمّ قال: بل الدم الدم و الهدم الهدم، احارب من حاربتم، و اسالم من سالمتم، ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله: أخرجوا لكم 596 اثنى عشر نقيبا، فاختاروا، فقال: ابايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريّين كفلاء على قومهم بما فيهم، و على أن تمنعوني بما 597 تمنعون منه نساءكم و أبناءكم، فبايعوه على ذلك، فصرخ الشيطان في العقبة: يا أهل الجباجب 598 ، هل لكم في محمّد
و الصباة معه؟ اجتمعوا على حربكم، ثمّ نفر الناس من منى و فشى الخبر، فخرجوا في الطلب، فأدركوا سعد بن عبّادة و المنذر بن عمرو، فأمّا المنذر فأعجز القوم، و أمّا سعد فأخذوه، و ربطوه بنسع رحله، و أدخلوه مكّة يضربونه، فبلغ خبره جبير بن مطعم و الحارث بن حرب بن اميّة فأتياه و خلّصاه.
[في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصحابه بالهجرة من مكّة إلى المدينة و اجتماع دار الندوة]
و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في ذلك الوقت لم يؤمر إلّا بالدعاء و الصبر على الأذى، و الصفح عن الجاهل، فطالت قريش على المسلمين، فلمّا كثر عتوّهم أمر صلّى اللّه عليه و آله بالهجرة، فقال صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه المؤمنين: إنّ اللّه قد جعل لكم دارا و إخوانا تأمنون بها، فخرجوا أرسالا 599 يتسلّلون تحت الليل، حتى لم يبق مع النبي إلّا عليّ عليه السلام، مع جماعة يسيرة من أصحابه، فحذرت قريش خروجه، و علموا أنّه قد أجمع على حربهم، فاجتمعوا في دار الندوة و هي دار قصيّ بن كلاب يتشاورون في أمره، فتمثّل لهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد، فقال: أنا ذو رأي حضرت لموازرتكم.
فقال عروة بن هشام: نتربّص به ريب المنون، و قال أبو البختريّ:
أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه.