کتابخانه روایات شیعه
فقال صلّى اللّه عليه و آله: أمّا ما للّه عليكم فتعبدوه، و لا تشركوا به شيئا، و أمّا ما لي عليكم فتنصرونني مثل نسائكم و أبنائكم، و أن تصبروا على عضّ السيوف، و أن يقتل خياركم.
قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا على اللّه؟
قال: أمّا في الدنيا فالظهور على من عاداكم، و في الآخرة رضوان اللّه و الجنّة، فأخذ البراء بن معرور بيده، و قال: و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا لنمنعنّك بما نمنع به ازرنا 595 ، فبايعنا يا رسول اللّه، فنحن أهل الحرب و أهل الحلقة ورثناها كبار عن كبار.
فقال أبو الهيثم: إنّ بيننا و بين الرجال حبالا، و إنّا إن قطعناها أو قطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك، ثمّ أظهرك اللّه أن ترجع إلى قومك و تدعنا؟
فتبسّم رسول اللّه، ثمّ قال: بل الدم الدم و الهدم الهدم، احارب من حاربتم، و اسالم من سالمتم، ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله: أخرجوا لكم 596 اثنى عشر نقيبا، فاختاروا، فقال: ابايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريّين كفلاء على قومهم بما فيهم، و على أن تمنعوني بما 597 تمنعون منه نساءكم و أبناءكم، فبايعوه على ذلك، فصرخ الشيطان في العقبة: يا أهل الجباجب 598 ، هل لكم في محمّد
و الصباة معه؟ اجتمعوا على حربكم، ثمّ نفر الناس من منى و فشى الخبر، فخرجوا في الطلب، فأدركوا سعد بن عبّادة و المنذر بن عمرو، فأمّا المنذر فأعجز القوم، و أمّا سعد فأخذوه، و ربطوه بنسع رحله، و أدخلوه مكّة يضربونه، فبلغ خبره جبير بن مطعم و الحارث بن حرب بن اميّة فأتياه و خلّصاه.
[في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصحابه بالهجرة من مكّة إلى المدينة و اجتماع دار الندوة]
و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في ذلك الوقت لم يؤمر إلّا بالدعاء و الصبر على الأذى، و الصفح عن الجاهل، فطالت قريش على المسلمين، فلمّا كثر عتوّهم أمر صلّى اللّه عليه و آله بالهجرة، فقال صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه المؤمنين: إنّ اللّه قد جعل لكم دارا و إخوانا تأمنون بها، فخرجوا أرسالا 599 يتسلّلون تحت الليل، حتى لم يبق مع النبي إلّا عليّ عليه السلام، مع جماعة يسيرة من أصحابه، فحذرت قريش خروجه، و علموا أنّه قد أجمع على حربهم، فاجتمعوا في دار الندوة و هي دار قصيّ بن كلاب يتشاورون في أمره، فتمثّل لهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد، فقال: أنا ذو رأي حضرت لموازرتكم.
فقال عروة بن هشام: نتربّص به ريب المنون، و قال أبو البختريّ:
أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه.
و قال العاص بن وائل و اميّة و ابيّ ابنا خلف: نبني له علما 600 نستودعه فيه، فلا يخلص إليه 601 من الصباة أحد.
و قال عتبة و شيبة و أبو سفيان: نرحل بعيرا صعبا و نوثق محمّدا عليه كتافا و شدّا، ثمّ نقصع 602 البعير بأطراف الرماح فيوشك أن يقطعه بين الدكادك 603 إربا إربا.
فقال أبو جهل: أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كلّ قبيلة رجلا نجدا 604 ، و تأتونه بياتا، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعها، فلا يستطيع بنو هاشم و بنو المطّلب مناهضة قريش فيه فيرضون بالعقل.
فقال أبو مرّة: أحسنت يا أبا الحكم، هذا الرأي فلا نعدلنّ له رأيا، فأنزل اللّه سبحانه: (يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) 605 الآية،
[مبيت عليّ عليه السلام في فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]
فهبط جبرئيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الّذي كنت تبيت عليه، فدعا عليّا عليه السلام، فقال: إنّ اللّه سبحانه أوحى إليّ أن أهجر دار قومي، و أن أنطلق إلى غار ثور أطحل 606 ليلتي هذه، و أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي، و أن ألقي عليك شبهي.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أو تسلم بمبيتي هناك؟
قال صلّى اللّه عليه و آله: نعم.
فتبسّم أمير المؤمنين ضاحكا، و أهوى إلى الأرض ساجدا، فكان أوّل من سجد للّه شكرا، و أوّل من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته، فلمّا رفع رأسه
قال: امض بما امرت به، فداك سمعي و بصري و سويداء قلبي.
قال: فارقد على فراشي، و اشتمل بردي الحضرمي، ثمّ إنّي اخبرك يا علي انّ اللّه تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم و منازلهم من دينهم 607 ، فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثال فالأمثل 608 ، و قد امتحنك اللّه يا ابن أمّ بي، و امتحنني فيك بمثل ما امتحن خليله إبراهيم و الذبيح إسماعيل، فصبرا صبرا (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) 609 ثمّ ضمّه إلى صدره، و استتبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبو بكر و هند بن أبي هالة و عبيد اللّه 610 بن فهيرة، و دليلهم اريقط 611 الليثي فأمرهم رسول اللّه بمكان ذكره لهم، و لبث 612 صلّى اللّه عليه و آله مع عليّ يوصيه، ثمّ خرج في فحمة العشاء 613 و الرصد من قريش فقد أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل ليهجموا عليه، و كان صلّى اللّه عليه و آله يقول: (وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) 614 الآية، و كان بيده قبضة تراب، فرمى بها في رءوسهم، و مضى حتى انتهى إلى أصحابه الّذين واعدهم، فنهضوا 615 معه
حتى وصلوا إلى الغار، و انصرف هند و عبيد اللّه بن فهيرة راجعين إلى مكّة 616 .
و كان قد اجتمع حول دار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أربعمائة رجل مكبّلين بالسلاح.
قال ابن عبّاس: فكان من بني عبد شمس عتبة و شيبة ابنا ربيعة بن هشام و أبو سفيان، و من بني نوفل طعمة 617 بن عديّ و جبير بن مطعم و الحارث بن عامر، و من بني عبد الدار النضر بن الحارث، و من بني أسد أبو البختري و زمعة 618 ابن الأسود و حكيم بن حزام 619 ، و من بني مخزوم أبو جهل، و من بني سهم نبيه و منبّه ابنا الحجّاج، و من بني جمح اميّة بن خلف، هؤلاء الرؤساء و غيرهم ممّن 620 لا يعدّ من قريش 621 .
و أحاطوا بالدار إلى أن مضى من الليل شطره هجموا على أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه شاهرين سيوفهم، ففطن بهم فاخترط سيفه و شدّ عليهم فانحازوا عنه، و قالوا: أين صاحبك؟
قال: لا أدري، أو رقيب كنت عليه، ألجأتموه إلى الخروج، فخرج.
و كان أمير المؤمنين في تلك الحال ابن عشرين سنة، فأقام صلوات اللّه عليه بمكّة حتى أدّى أمانات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أدّى إلى كلّ [ذي] 622 حقّ حقّه، ثمّ عزم صلوات اللّه عليه على الهجرة.
فكان ذلك دلالة على خلافته و إمامته و شجاعته، و حمل نساء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعد ثلاثة أيّام، و فيهنّ عائشة، فله المنّة على أبي بكر بحفظ ولده، و لعليّ عليه السلام المنّة عليه في هجرته، و عليّ ذو الهجرتين و الشجاع هو الثابت 623 بين أربعمائة سيف، و إنّما أباته النبي على فراشه ثقة بنجدته، فكانوا محدقين به إلى طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا، فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم بأنّ قاتليه من جميع القبائل 624 .
و قد ذكرنا رؤساءهم الّذين اجتمعوا لقتله قبل ذلك.
[في هجرة عليّ عليه السلام من مكّة إلى المدينة]
و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا عزم على الهجرة قال له العبّاس:
إنّ محمدا ما خرج إلّا خفية، و قد طلبته قريش أشدّ طلب، و أنت تخرج جهارا في أثاث و هوادج و مال و نساء و رجال تقطع بهم السباسب 625 و الشعاب من بين قبائل قريش، ما أرى لك أن تمضي إلّا في خفارة 626 خزاعة.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
إنّ المنيّة شربة مورودة
لا تجزعنّ 627 و شدّ للترحيل
إنّ ابن آمنة النبيّ محمدا
رجل صدوق قال عن جبريل
أرخ الزمام و لا تخف من عائق
فاللّه يرديهم عن التنكيل
إنّي بربّي واثق و بأحمد
و سبيله متلاحق بسبيل
قالوا: و كمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل، فلمّا رآه 628 أمير المؤمنين عليه السلام اخترط 629 سيفه و نهض إليه، فصاح أمير المؤمنين عليه السلام فيه صيحة خرّ على وجهه، و جلده 630 بسيفه، ثمّ مضى صلوات اللّه عليه ليلا 631 .
و كان مبيت أمير المؤمنين عليه السلام أوّل ليلة.