کتابخانه روایات شیعه
و قعودا و على جنوبهم حتى طلع الفجر، فصلّى بهم صلاة الفجر، ثمّ سار بهم حتى وصل المدينة، و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم، و هو قوله تعالى:
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ - إلى قوله- أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى - فالذكر عليّ و الانثى فاطمة- بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ - عليّ من الفواطم و هنّ من عليّ، إلى قوله- عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) 639 .
و تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ) 640 الآية، ثمّ قال: يا عليّ، أنت أوّل هذه الامّة إيمانا باللّه و برسوله، و أوّلهم هجرة إلى اللّه و رسوله، و آخرهم عهدا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و الّذي نفسي بيده لا يحبّك إلّا مؤمن قد امتحن اللّه قلبه للايمان، و لا يبغضك إلّا منافق أو كافر.
و كان قيام علي بعد النبي بمكّة ثلاث ليال، ثمّ لحق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 641 .
روى السدّي، عن ابن عبّاس، قال: نزل قوله تعالى: (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ) 642 في عليّ بن أبي طالب حين هرب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن المشركين إلى الغار، و نام عليّ عليه السلام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نزلت الآية بين مكّة و المدينة.
و روي أنّه لمّا نام أمير المؤمنين عليه السلام قام جبرئيل عند 643 رأسه، و ميكائيل عند رجليه، و جبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي اللّه به الملائكة؟ 644
و روي أنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى جبرئيل و ميكائيل أنّي قد جعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالزيادة؟ فلم يجيبا.
فأوحى اللّه إليهما: هذا عليّ بن أبي طالب قد آثر محمدا بعمره، و وقاه بنفسه، فاهبطا إليه و احفظانه، فهبط جبرئيل و ميكائيل، الحديث 645 .
و أمّا المشركون فركبوا الصعب و الذلول في طلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 646 .
[في دخول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صاحبه الغار]
قال الزهري: و لمّا دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر الغار أرسل اللّه زوجا من حمام، حتى باضا في أسفل الثقب، و العنكبوت حتى تنسج بيتا، فلمّا جاء سراقة بن مالك في طلبهما فرأى بيض الحمام و نسج 647 العنكبوت، قال: لو دخله أحد لانكسر البيض و تفسّخ [بيت] 648 العنكبوت، فانصرف.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اللّهمّ أعم أبصارهم عنّا، فعميت أبصارهم عن دخوله، و جعلوا ينظرون 649 يمينا و شمالا حول الغار.
و قال أبو بكر: لو نظروا إلى أقدامهم لرأونا.
و روى علي بن إبراهيم في تفسيره: كان رجل من خزاعة، يقال له أبو كرز، فما زال يقفو أثر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى وقف بهم على الحجر 650 ، فقال: [هذه] 651 قدم محمد، هي و اللّه اخت القدم الّتي في المقام، و قال: هذه قدم أبي قحافة و اللّه، و قال: ما جاوزا هذا المكان، إمّا أن يكونا صعدا في السماء أو نزلا في الأرض.
و جاء فارس من الملائكة في صورة الإنس، فوقف على باب الغار، و هو يقول: اطلبوه في هذه الشعاب فليس هاهنا.
و نزل رجل من قريش فاستقبل باب الغار و بال، فقال أبو بكر: قد أبصرونا يا رسول اللّه.
فقال صلّى اللّه عليه و آله: لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم 652 .
(فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) 653 أي على رسوله صلّى اللّه عليه و آله، أي:
ألقى في قلبه ما سكن به، و علم أنّهم غير واصلين إليه.
و في تخصيص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالسكينة، و عدم إدخال أبي
بكر فيها، أقوى دليل على عدم إيمانه، و قوّة يقينه صلّى اللّه عليه و آله، و رباط جأشه، و قد أشرك اللّه المؤمنين مع رسوله في السكينة في هذه السورة و غيرها بقوله: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ) على رسوله و على المؤمنين، و أنزل جنودا لم تروها، و في سورة إنّا فتحنا: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) 654 الآية 655 .
و قد ردّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هند و عبد اللّه بن فهيرة حين أوصلاه إلى الغار، و حبس أبي بكر لعلمه برباط جأشهما، و شدّة يقينهما، و قوّة إيمانهما، و انّهما لو قتلا ما أخبرا بمكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و حبس أبا بكر عنده خوفا على نفسه منه، لأنّه كان قد علم أوّلا بعزم الرسول، و خاف إن أذن له كما أذن لهما أن تعلم قريشا بمكانه فيخبرهم به إمّا رهبة أو نفاقا.
و قد روى أبو المفضّل الشيباني بإسناده عن مجاهد، قال: فخرت عائشة بأبيها و مكانه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الغار، فقال لها عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد: فأين أنت من علي بن أبي طالب حيث نام [في] 656 مكانه و هو يرى أنّه يقتل؟ فسكتت و لم تجد جوابا.
و شتّان بين قوله تعالى: (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ) 657 و بين قوله: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا) 658 و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يقوّي قلبه، و لم يكن مع عليّ أحد يقوّي قلبه، و هو لم يصبه وجع، و عليّ كان
يرمى بالحجارة و هو على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أبو بكر مختف بالغار، و عليّ ظاهر للكفّار.
و استخلفه الرسول لردّ الودائع لأنّه كان أمينا، فلمّا أدّاها قام صلوات اللّه عليه على سطح الكعبة، فنادى بأعلى صوته: يا أيّها الناس، هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وصيّة؟ هل من صاحب عدة له قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ فلمّا لم يأت أحد لحق بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله 659 .
[أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله أسّس مسجده بقبا]
فنزل معه على كلثوم 660 ، و كان أبو بكر في بيت خبيب 661 بن إساف، فأقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقبا يوم الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس، و أسّس مسجده، و صلّى يوم الجمعة في المسجد الّذي ببطن الوادي- وادي رانوقا 662 - فكانت أوّل صلاة صلّاها بالمدينة، ثمّ أتاه غسّان بن مالك و عبّاس بن عبادة في رجال من بني سالم، فقالوا: يا رسول اللّه، أقم عندنا في العدّة و العدد و المنعة.
فقال صلّى اللّه عليه و آله: خلّوا سبيلها، فإنّها مأمورة- يعني ناقته-، ثمّ
تلقّاه زياد بن لبيد و فروة بن عمرو في رجال من بني بياضة، فقال كذلك، ثمّ اعترضاه سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة، ثمّ اعترضاه سعد بن الربيع و خارجة بن زيد و عبد اللّه بن رواحة في رجال من بني الحارث، فانطلقت حتى إذا وازت دار بني مالك بن النجّار بركت على باب مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هو يومئذ مربد 663 لغلامين يتيمين من بني النجّار، فلمّا بركت و رسول اللّه لم ينزل و ثبت و سارت غير بعيد و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله واضع لها زمامها لا يثنيها به
[نزول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بيت أبي أيّوب]
ثم التفّت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أوّل مرّة فبركت، ثمّ تجلجلت 664 و رزمت و وضعت جرانها، فنزل صلّى اللّه عليه و آله عنها، و احتمل أبو أيّوب رحله و وضعه في بيته، و نزل رسول اللّه في بيت أبي أيّوب و سأل عن المربد فاخبر انّه لسهل و سهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء، فأرضاهما معاذ، و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله ببناء المسجد، و عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بنفسه، و عمل فيه المهاجرون و الأنصار، و أخذ المسلمون يرتجزون و هم يعملون، فقال بعضهم:
لئن قعدنا و النبيّ يعمل
لذاك منّا العمل المضلّل
و النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول:
لا عيش إلّا عيش الآخرة
ربّ 665 ارحم الأنصار و المهاجرة
و علي أمير المؤمنين يقول:
لا يستوي من يعمل 666 المساجدا
يدأب فيها قائما و قاعدا
و من يرى عن الغبار 667 حائدا
ثمّ انتقل من بيت أبي أيّوب إلى مساكنه الّتي بنيت له؛ و قيل: كانت مدّة مقامه بالمدينة إلى أن بنى المسجد و بيوته من شهر ربيع الأوّل إلى صفر من السنة القابلة 668 .
[غزوات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]
و لمّا كان بعد سبعة أشهر من الهجرة نزل جبرئيل عليه صلّى اللّه عليه و آله بقول: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) 669 الآية، و قلّد في عنق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سيفا. و في رواية: لم يكن له غمد، و قال: حارب بهذا قومك حتى يقولوا لا إله إلّا اللّه.