کتابخانه روایات شیعه
المصطفى، و قاضي دينه، و منجز عداته، و قاضي دينه، طال بقوادم الشرف لمّا على بقدمه على الكتف.
ناداه البيت الحرام بلسان الحال، و ناجاه الركن و المقام بمعاني المقال: يا صاحب النفس القدسيّة، و يا منبع الأسرار الخفيّة، و يا مطلع الأنوار الإلهيّة، و يا دفتر العلوم الربّانيّة، أ ما ترى ما حلّ بي من الأرجاس؟ أ ما تنظر ما اكتنفني من الأدناس؟ الأنصاب حولي منصوبة، و الأزلام في عراصي مضروبة، و الأصنام مرفوعة على عرشي، و الأوثان محدّقة بفرشي، تنضح بالدماء جدراني، و تستلم الأشقياء أركاني، و يعبد الشيطان في ساحتي، و يسجد لغير الرحمن حول بنيّتي.
فالغوث الغوث يا صاحب الشدّة و القوّة، و العون العون يا ربّ النجدة و الفتوة، خذ بمجامع الشرف بخلاصي و استنقاذي، و فز بالمعلّى من سهامه فيك معاذي و ملاذي.
و لمّا شاهد ربّ الرسالة العامّة تضرّعها بوصيّه، و عاين صاحب الدعوة التامّة تشفّعها بوليّه، ناداه بلسان الاخلاص في طاعة معبوده، و أنهضه بيد القوّة القاهرة لاستيفاء حدوده، و فتح له إلى سبيل طاعة ربّه منهاجا، و جعل كتفه الشريفة بأمر ذي المعارج لأخمصه 687 معراجا، و أمره بتسنّم 688 ذروة بيت ربّه، و تنزيهه عن الرجس من الأوثان بقالبه و قلبه، و تكسير صحيح جمعها بيد سطوته، و إلقاء هبلها عن ظهره بشدّة عزمته.
[فتح مكّة]
روي بحذف الاسناد عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: دخلنا مكّة
يوم الفتح مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و في البيت و حوله ثلاثمائة و ستّون صنما، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فالقيت جميعها على وجوهها، و أمر بإخراجها، و كان على البيت صنم- لقريش- طويل يقال له «هبل»، و كان من نحاس على صورة رجل موتّد بأوتاد من حديد إلى الأرض في حائط الكعبة.
قال أمير المؤمنين: فقال لي رسول اللّه: اجلس، فجلست إلى جانب الكعبة، ثمّ صعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على منكبي، ثمّ قال لي: انهض بي، فنهضت به، فلمّا رأى ضعفي عنه، قال: اجلس، فجلست و أنزلته عنّي، فقال:
قم- يا علي- على عاتقي حتى أرفعك، فأعطيته ثوبي، فوضعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على عاتقه، ثمّ رفعني حتى وضعني على ظهر الكعبة، و كان طول الكعبة أربعين ذراعا، فو الّذي فلق الحبّة، و برأ النسمة، لو أردت أن أمسك السماء بيدي لمسكتها.
و روي أنّه صلوات اللّه عليه لمّا عالج قلعه اهتزّت الكعبة من شدّة معالجته، فكسره و ألقاه من فوق الكعبة إلى الأرض، ثمّ نادى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: انزل، فوثب من أعلى الكعبة كأنّ له جناحين 689 .
و قيل: إنّه صلوات اللّه عليه تعلّق بالميزاب، ثمّ أرسل نفسه إلى الأرض، فلمّا سقط صلوات اللّه عليه ضحك، فقال النبيّ: ما يضحكك يا علي، أضحك اللّه سنّك؟
قال: ضحكت- يا رسول اللّه- متعجّبا من انّي رميت بنفسي من فوق البيت إلى الأرض فما تألّمت، و لا أصابني وجع!
فقال: كيف تتألّم يا أبا الحسن أو يصيبك وجع؟! إنّما رفعك محمد، و أنزلك جبرئيل 690 .
و روي أنّ عمر تمنّى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يكسره، فقال صلّى اللّه عليه و آله: إنّ الّذي عبده لا يكسره.
و لمّا صعد أبو بكر المنبر في بدء أمره نزل عن مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرقاة، فلمّا صعد عمر نزل عن مقام أبي بكر مرقاة، فلمّا صعد عثمان نزل عن مقام عمر مرقاة، فلمّا تولّى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه صعد إلى مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فسمع من الناس ضوضاء، فقال: ما هذا الّذي أسمع؟
قالوا: لصعودك إلى مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي لم يصعد إليه من تقدّمك.
فقال عليه السلام: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من قام مقامي و لم يعمل بعملي أكبّه اللّه في النار، و أنا و اللّه العامل بعمله، الممتثل قوله، الحاكم بحكمه، فلذلك قمت هنا.
ثمّ ذكر في خطبته، فقال: معاشر الناس، قمت مقام أخي و ابن عمّي لأنّه أعلمني بسرّي و ما يكون منّي، فكأنّه صلوات اللّه عليه قال: أنا الّذي وضعت قدمي على خاتم النبوّة، فما هذه الأعواد؟ أنا من محمد و محمد منّي.
و قال صلوات اللّه عليه في خطبته 691 : أنا كسرت الأصنام، أنا رفعت
الأعلام، أنا ثبّت الاسلام.
[قال ابن نباتة: حتّى شدّ به أطناب الاسلام، و هدّ به أحزاب الأصنام، فأصبح الايمان فاشيا بأقياله، و البهتان متلاشيا بصياله] 692 ، و لمقام إبراهيم شرف على كلّ حجر لكونه مقاما لقدم إبراهيم، فيجب أن يكون قدم عليّ أشرف من رءوس أعدائه لأن مقامه كتف النبوّة، و الغالية و المشبّهة من المجبّرة يقولون أكثر من هذا 693 .
حتى روت المجبّرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: لمّا بلغت سدرة المنتهى ليلة المعراج وضع الجليل سبحانه يده على كتفي فأحسست ببردها على كبدي 694 .
و قيل في ذلك شعرا:
قيل لي قل في عليّ المرتضى
مدحا يطفئ 695 نارا موقده
قلت لا يبلغ مدحي 696 رجلا
حار ذو الجهل إلى أن عبده
و عليّ واضع أقدامه
في مقام 697 وضع اللّه يده 698
و قيل أيضا:
قالوا مدحت عليّ الطهر قلت لهم
كلّ امتداح جميع الأرض معناه
ما ذا أقول بمن حطّت له قدم
في موضع وضع الرحمن يمناه 699
فيا من يتصدّى سواه للامامة، و يدوك 700 للزعامة، و يضاعف سباله، و يرجل قذله، و ينتقص كمال الكامل، و ينكر فضل الفاضل، و يكاثر بكثرة الأتباع، و يفاخر بالهمج الرعاع، يحسبه الظمان ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، و يظنّه الجاهل إماما و قد ضرب الحمق على هامته من الجهل، ظلّا و فيئا، يدير لسانه في لهواته إذا سئل، و يجمد ريقه في بلعومه إذا جودل، يظنّ أنّه الفاضل الأعلم، و هو أجهل من البازل الأعلم، و يعذر انّه علم السنّة، و هو أضلّ الحقّ و السنة.
تنحّ عن رتبة وليّ الحقّ في الخلق، و ميزان القسط و الصدق، لفظه جلاء القلوب، و وعظه شفاء الكروب، و معلّمه ربّ العالمين، و مؤدّبه سيّد المرسلين، ينصب له كلّ يوم علما من علمه، و يفتح له بابا من حكمه و حكمه، يتّبعه اتّباع الفصيل أثر امّه، و يلازمه ملازمة شعاره 701 لجسمه.
ويك اربع على ضلعك، و تفكّر في أصلك و فرعك، و طالع مراءة عقلك بعين الانصاف، و احذر ارتكاب طريقة الوقاحة و الاعتساف، أ ليست امّك صهاك؟ أ ليس الخطّاب أباك؟ أ لست جاحد النصوص على أهل الخصوص؟
أ لست منكّس الراية يوم القموص؟ أما في حنين و أوطاس كنت أوّل المدبرين
من الناس؟ أ أنت قاتل عمرو و مفرّق جموعه؟ أ أنت المتصدّق بخاتمه في ركوعه؟ أرضيك الرسول دون الخلق صهرا؟ أم أوردك في الغدير من غدير الشرف وردا و صدرا؟
ويحك قف عند حدّك، و لا تفاخر بأبيك و جدّك، و لا تجار فرسان المجد فتضلّ في الحلبة طريحا، و لا تساجل 702 أبطال الفخر فتصبح بسيوف الفضيحة طليحا.
يا مغرور غرّتك دار الغرور، يا مثبور 703 و فتنتك ببطشها المشهور، و زيّنت لك سوء عملك فرأيته حسنا، فغادرتك بموبقات سيّئاتك مرتهنا، و عن قليل يسفر الصباح، و يرى المبدع في دين اللّه ما حضر و أباح، و يكشف الجليل لك عن وجه غفلتك حجابا، و يقوم الروح و الملائكة صفّا لا يتكلّمون إلّا من أذن له الرحمن و قال صوابا 704 ، و يقف سيّد المرسلين، و وصيّه سيّد الوصيّين، و ابنته سيّدة نساء العالمين، ثمّ يؤتى بك موثوقا بأغلالك، مرتهنا بأعمالك، يتبرّأ منك أتباعك، و يلعنك أشياعك، و ملائكة العذاب تدعك إلى النار دعّا، و الزبانية تسفعك بعذبات العذاب سفعا.
فعندها يجثو سيّد المرسلين للخصومة، و يقف وصيّه المظلوم و ابنته و ينادى عليك باسمك، و يظهر للناس بعض حدّك و رسمك، و ينظر في ديوان حسابك، و تتهيّأ ملائكة العذاب لأخذك و عذابك، و يقال لك على رءوس الأشهاد و مجمع العباد: يا قاطعا رحم نبيّه، يا جاحدا فضل وليّه، يا منكرا نصّ الغدير، يا ظالما أهل آية التطهير، أ لست القائل: إنّ نبيّكم ليهجر، و قد قال اللّه في
شأنه: (وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) 705 ؟ أ لست الزاعم أنّه غوى في حبّ وصيّه، و اللّه يقول: (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى) 706 ؟ أ لست المسند إلى رسول «ما تركناه صدقة» 707 ؟
فلعن اللّه الحديث و متخرّصه و مصدّقه، أ ما كان جزاء من أكلت الدنيا بسلطانه ترك فدك لذرّيّته؟ أ ما كان في شرع المروّة التغافل عن بقعة من الأرض ذات الطول و العرض لعترته؟ هنالك تصحو من خمار خمرتك، و تفيق من غمار غمرتك، و يحقّ الحقّ، و يأتي النداء من قبل الحقّ: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) 708 فتجرّ مصفّدا، و تسحب مقيّدا، و تلقى في الجحيم مركوسا، و تقذف في الحميم منكوسا، في شرّ سجن قعرها هاوية، و سجنتها زبانية، و ما أدراك ما هيه نار حامية 709 .
[خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام يشكو فيها قريش]