کتابخانه روایات شیعه
شأنه: (وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) 705 ؟ أ لست الزاعم أنّه غوى في حبّ وصيّه، و اللّه يقول: (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى) 706 ؟ أ لست المسند إلى رسول «ما تركناه صدقة» 707 ؟
فلعن اللّه الحديث و متخرّصه و مصدّقه، أ ما كان جزاء من أكلت الدنيا بسلطانه ترك فدك لذرّيّته؟ أ ما كان في شرع المروّة التغافل عن بقعة من الأرض ذات الطول و العرض لعترته؟ هنالك تصحو من خمار خمرتك، و تفيق من غمار غمرتك، و يحقّ الحقّ، و يأتي النداء من قبل الحقّ: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) 708 فتجرّ مصفّدا، و تسحب مقيّدا، و تلقى في الجحيم مركوسا، و تقذف في الحميم منكوسا، في شرّ سجن قعرها هاوية، و سجنتها زبانية، و ما أدراك ما هيه نار حامية 709 .
[خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام يشكو فيها قريش]
روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب فقال: ما لنا و قريش، و ما تنكر منّا قريش غير أنّا أهل بيت شيّد اللّه فوق بنيانهم بنياننا، و أعلى فوق رءوسهم رءوسنا، و اختارنا اللّه عليهم، فنقموا عليه أن اختارنا عليهم،
[و سخطوا ما رضي اللّه، و أحبّوا ما كره اللّه، فلمّا اختارنا عليهم] 710 شركناهم في حريمنا، و عرّفناهم الكتاب و السنّة، و علّمناهم الفرائض و السنن، و حفظناهم الصدق و الدين 711 ، فوثبوا علينا، و جحدوا فضلنا، و منعونا حقّنا، و التوونا أسباب أعمالنا.
اللّهمّ فإنّي أستعديك على قريش، فخذ لي بحقّي منها، و لا تدع مظلمتي لها، و طالبهم- يا ربّ- بحقّي فإنّك الحكيم 712 العدل، فإنّ قريشا صغّرت قدري، و استحلّت المحارم منّي، و استخفّت بعرضي و عشيرتي، و قهرتني على ميراثي من ابن عمّي، و أغروا بي أعدائي، و وتروا بيني و بين العرب 713 ، و سلبوني ما مهّدت لنفسي من لدن صباي بجاهدي و كدّي، و منعوني ما خلّفه أخي و حميمي و شقيقي 714 ، و قالوا إنّك لحريص متّهم.
أ ليس بنا اهتدوا من متاه الكفر، و من عمى الضلالة، و غيّ الظلماء؟ أ ليس أنقذتهم من الفتنة الصمّاء العمياء 715 ؟ ويلهم أ لم اخلّصهم من نيران الطغاة 716 ، و سيوف البغاة، و وطأة الاسد، و مقارعة الطماطمة 717 ، و مجادلة القماقمة الّذين
كانوا عجم العرب، و غنم الحرب 718 ، و قطب الأقدام، و حبال 719 القتال، و سهام الخطوب، و سلّ السيوف؟ أ ليس بي تسنّموا 720 الشرف، و نالوا الحقّ و النصف؟
أ لست آية نبوّة محمد صلّى اللّه عليه و آله، و دليل رسالته، و علامة رضاه، و سخطه الّذي يقطع بي الدرع الدلاص، و يصطلم 721 الرجال الحراص، و بي كان يبري جماجم البهم 722 و هام الأبطال إلى أن فزعت تيم إلى الفرار، و عديّ إلى الانتكاص 723 .
ألا و إنّي لو أسلمت قريشا للمنايا و الحتوف و تركتها لحصدتها سيوف الغواة، و وطأتها الأعاجم، و كرّات الأعادي، و حملات الأعالي، و طحنتهم سنابك الصافنات 724 ، و حوافر الصاهلات، في مواقف الأزل و الهزل 725 ، في طلاب الأعنّة، و بريق الأسنّة، ما بقوا لهضمي، و لا عاشوا لظلمي، و لما قالوا: إنّك لحريص [متّهم] 726 .
ثمّ قال بعد كلام:
ألا و إنّي فتحت الاسلام، و نصرت الدين، و عزّزت الرسول، و ثبّت 727 أعلامه، و أعليت مناره، و أعلنت أسراره، و أظهرت أثره و حاله، و صفيت الدولة، و وطأت الماشي 728 و الراكب، ثمّ قدتها صافية على أنّي بها مستأثر.
[ثمّ قال بعد كلام:] 729
سبقني إليها التيمي و العدوي كسباق الفرس احتيالا و اغتيالا و خدعة و غيلة.
ثمّ قال بعد كلامه:
يا معشر المهاجرين و الأنصار، أين كانت سبقة تيم و عديّ إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة [أ لا كانت] 730 يوم الأبواء، إذ تكانفت الصفوف، و تكانفت الحتوف 731 ، و تقارعت السيوف؟ أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ودّ إذ شمخ بأنفه، و طمح ببصره؟
و لم [لم] 732 يشفقا على الدين و أهله يوم بواط إذ اسودّ الافق، و اعوجّ عظم العنق 733 ؟
و لم لم يشفقا يوم رضوى إذ السهام تطير، و المنايا تسير، و الاسد تزأر؟
و هلا بادرا يوم العشيرة إذ الأسنان [تصطكّ، و الآذان] 734 تستك، و الدروع تهتك؟
و هلا كانت مبادرتهما يوم بدر إذ الأرواح في الصعداء ترتقي، و الجياد بالصناديد ترتدي، و الأرض من دماء الأبطال ترتوي؟
و لم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية، و الدعاس ترعب، و الأوداج تشخب، و الصدور تخضب؟
و هلا بادرا يوم ذات الليوث 735 و قد أمجّ التولب 736 ، و اصطلم الشوقب، و ادلهمّ 737 الكوكب.
[و لم لا كانت شفقتهما على الاسلام يوم الأكدر] 738 ، و العين تدمع، و المنيّة تلمع، و الصفائح تنزع.
ثم عدّد وقائع النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ قال: فإنّهما كانا في النظارة.
ثمّ قال: فما هذه الدهماء و الدهياء الّتي وردت علينا 739 من قريش؟ أنا صاحب هذه المشاهد، و أبو هذه المواقف، و ابن هذه الأفعال الحميدة- إلى آخر الخطبة-.
و من جملة قصيدة للناشئ رحمة اللّه عليه:
فلم لم يثوروا 740 ببدر و قد
تبلت من القوم إذ بارزوكا؟
و لم عرّدوا إذ شجيت العدى
بمهراس احد و قد 741 نازلوكا؟
و لم أجمحوا يوم سلع 742 و قد
ثبتّ لعمرو و لم أسلموكا؟
و لم يوم خيبر لم يثبتوا
براية 743 أحمد و استركبوكا؟
فلاقيت مرحبا و العنكبوت
و اسدا يحامون إذ واجهوكا
فدكدكت حصنهم قاهرا
و طوّحت بالباب إذ حاجزوكا
و لم يحضروا بحنين و قد
صككت بنفسك جيشا صكوكا
فأنت المقدّم في كلّ ذلك
فللّه درّك لم أخّروكا؟
و من نهج البلاغة:
اللّهم إنّي أستعديك على قريش، فإنّهم [قد] 744 قطعوا رحمي، و كفروا آياتي 745 ، و أجمعوا على منازعتي حقّا كنت أولى به من غيري، و قالوا: ألا [إنّ] 746 في الحقّ أن تأخذه، و في الحقّ [أن] 747 تمنعه، فاصبر مغموما، أو مت متأسّفا، فنظرت فإذا ليس لي رافد، و لا ذابّ 748 و لا مساعد، إلّا أهل بيتي، فضننت 749 بهم عن المنيّة، فأغضيت على القذى 750 ، و جرعت ريقي على الشّجا 751 ، و صبرت على الأذى، و وطّنت 752 نفسي على كظم الغيظ، و ما هو أمرّ
من العلقم، و آلم من حزّ الشفار.
و كذلك قوله صلوات اللّه عليه في خطبته الشقشقيّة: أما و اللّه لقد تقمّصها 753 ابن أبي قحافة- إلى آخرها- 754 .
إذا تقرّر هذا فاعلم- أيّها المؤمن- [أنّ] 755 الدنيا لم تزل مصائبها مولعة بالأنبياء و المرسلين، و مطالبها عسرة على الأولياء الصالحين، و أبناءها لم تزل ترمي بسهام حسدها من شيّد اللّه بالتقوى بنيانه، و شدّ بالاخلاص أركانه، و أعلى بالطاعة مجده، و أسعد بالجدّ جدّه، يحسد دنيّهم شريفهم، و يظلم قويّهم ضعيفهم، فتفكّروا في رأس أبنائها، و أساس زعمائها، أوّل كلّ حاسد، و أصل كلّ مارد، أعني الشيطان المغوي، و الفتّان المردي، كيف افتخر بعنصره النورانيّ، و أصله النيرانيّ، و رمى صفيّ اللّه المجتبى عن قوس غروره، و أصمى منه المعابل بنبال فجوره، و أخرجه و روحه من الجنّة ينزع عنهما لباسهما، و يبدي لهما سوآتهما، فلعنه اللّه بما أبدى من حسده، و أبان عن سوء معتقده، و أخرجه من نعيم جنّته، و قلّدته بشقوته طوق لعنته، فطلب النظرة منه سبحانه إلى يوم الدين، فقال:
(أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) 756 فقال سبحانه: (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) 757 فقال:
(فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) 758 .