کتابخانه روایات شیعه
عجّه و ثجّه 839 ، ناداه اللّه بلسان التشريف مبيّنا فضله من لدنه و مكانته: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) 840 .
فأراد صلّى اللّه عليه و آله تأخير بلاغها إلى دار هجرته، و مستقرّ دعوته، ظنّا منه أنّها فريضة موسعة، و أنّ الأمر فيه مندوحة وسعة، و فرقا من فرق الضالّين المضلّين، الزالّين المزلّين، أن يكذّبوا بالكتاب و حججه و بيّناته، و أن يتّهموا الرسول فيما انزل عليه في وصيّه بمحاباته.
فعاتبه سبحانه على ترك الاولى مهدّدا، و وعده العصمة على من لجّ في الباطل و اعتدى، و شرّف اللّه غدير خمّ بما أنزل فيه من الرحمة، و أتمّ من النعمة.
فقام صلّى اللّه عليه و آله فيه خاطبا على منبر الكرامة، موضحا فضل درجة الامامة، هذا و الجليل سبحانه يسدّده، و روح القدس عن يمينه يمجّده، و ميكائيل عن يساره يعضده، و جبرئيل معظم شأنه و خطبه، و حملة العرش مادّة أعناقها لاستماع الخطبة، و الروحانيّون وقوف على قدم الخدمة، و الكروبيّون صفوف لتلقّي نفحات الرحمة، و الحور العين من القصور على الأرائك ينظرون، و الولدان المخلّدون لنثار السرور منتظرون، آخذا بعضد من كان في المباهلة معاضده و مساعده، و في المصاولة عضده و ساعده.
سيفه القاطع، و نوره الساطع، و صدّيقه الصادق، و لسانه الناطق، أخوه و ابن عمّه، و الخصّيص به كابن امّه، ليث الشرى 841 ، غيث الورى، أسد اللّه
المحراب 842 ، حليف المسجد و المحراب، قاصم العداة، و قاسم العدات، في المعركة ليث، و في المخمصة 843 غيث، طريقه أبلج، و نهجه أوضح منهج، بابه عند سدّ الأبواب مفتوح، و صدره لتلقّي نفحات الرحمن مشروح.
كم عنيد بصارمه شدخ؟ و كم صنديد ببطشه دوّخ؟ و كم ريح للشرك أركد؟ و كم نار للظلم أخمد؟ و كم صنم جعله جذاذا؟ و كم وثن تركه أفلاذا؟
قسيم الجنّة و النار، و سيّد المهاجرين و الأنصار، و حياة المجدبين لدى الاغوار، و نكال الظالمين يوم البوار، جعله اللّه للمصطفى ختنا و نفسا، و له الزهراء سكنا و عرسا، و رفع له فوق عرش المجد عرشا، و خلقه أشدّ خلقة قوّة و إيمانا و بطشا.
كم أسد بثعلب رمحه قنص؟ و كم صنديد حذرا من حسامه كعّ و قعص؟
أعلم من على وجه الأرض، بالكتاب و السنّة و الفرض، الإيمان بحبّه منوط، و الكفر ببغضه مسوط 844 ، أفصح من لفظ، و أنصح من وعظ، و أتقى من سجد للّه و ركع، و أخشى من خشي الرحمن بالغيب و خضع، حلل الإمامة ربّنا على هامة مجده أفرغ فرغ، و لبوس الزعامة نبيّنا على قدّ قامته فصّل و أسبغ، و له بالرئاسة العامّة فضّل و شرّف، و لأسماع أوليائه بذكر مناقبه لذّذ و شنّف، شهد اللّه له بالاخلاص و صدق، لما انّه بخاتمه في ركوعه تصدّق.
الزاهد السالك، العابد الناسك، العالم العامل، الوليّ الكامل، صراط اللّه المستقيم، و نهجه القويم، و أمينه المأمون، و خازن سرّه المخزون، النجم في منزله هوى، و الرسول في نصبه علما للمسلمين ما ضلّ و ما غوى و لا ينطق عن
الهوى 845 ، المرجع في علم التوحيد إليه، و المعوّل في معرفة الكتاب و السنّة عليه، أجلّ العالمين جلالا، و أفصحهم مقالا.
الامام الزكيّ القدسيّ الربّانيّ الإلهيّ، أمير المؤمنين أبو الحسن عليّ الجليل العليّ، حامدا للّه حمدا يليق بجلال عظمته، شاكرا لأنعمه شكرا يحسن بتمام نعمته، موضحا دين الحقّ في خطبته، شارحا قول الصدق في كلمته، قائلا:
معاشر الناس، أ لست أولى منكم بأنفسكم؟
قالوا: بلى، يا رسول اللّه.
قال: فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، و من كنت نبيّه فعليّ إمامه و وليّه.
أيّها الناس، إنّ اللّه آخى بيني و بين عليّ، و زوّجه ابنتي من فوق عرشه، و أشهد على ذلك مقرّبي ملائكته، فعليّ منّي و أنا من علي، محبّه محبّي، و مبغضه مبغضي، و هو وليّ الخلق من بعدي.
معاشر الناس، إنّ هذا اليوم و هو يوم غدير خمّ من أفضل أعياد أمّتي، و هو اليوم الّذي أمرني اللّه فيه بنصب عليّ أخي علما لامّتي، يبيّن لهم ما اختلفوا فيه من سنّتي، و هو أمير المؤمنين، و يعسوب المتّقين، و قائد الغرّ المحجّلين.
أيّها الناس، من أحبّ عليّا أحببته، و من أبغض عليّا أبغضته، و من وصل عليّا وصلته، و من قطع عليّا قطعته، و من و الى عليّا واليته، و من عادى عليّا عاديته.
أيّها الناس، أنا مدينة الحكمة و عليّ بابها، لا تؤتى المدينة إلّا من قبل الباب، و كذب من يزعم أنّه يحبّني و يبغض عليّا.
أيّها الناس، و الّذي بعثني بالرسالة، و انتجبني للنبوّة، ما أقمت عليّا علما في الأرض حتى نوّه اللّه بذكره في السماء، و فرض ولايته على سائر ملائكته.
[ثمّ قلت عقيبها:]
يا لها من خطبة نشر فيها صلّى اللّه عليه و آله لواء الايمان، و ظهر منها رواء الإحسان، و خفق علم الحقّ في الملكوت الأعلى، و برق بارق العدل في أقطار الدنيا، فالملائكة المقرّبون مشغولون بتكرارها لاستظهارها، و الولدان المخلّدون مأمورون بإظهارها و إشهارها، يحيي موات القلوب مزن سحابها، و ينشي نشوات السرور في النفوس رحيق شرابها، و تنعش قلب المؤمن التقيّ بلذّة خطابها، و تتعس جدّ المنافق الشقيّ بشدّة عتابها.
يا لها من خطبة الحقّ منبرها، و الصدق مخبرها، و النبوّة أصلها، و الإمامة نسلها، و النبيّ موردها و مصدرها، و الوصيّ موردها و مصدرها، العهود فيها مؤكّدة، و العقود مشدّدة، و الإيمان بامتثال نواهيها و أوامرها منوط، و الكفر بمخالفة بواطنها و ظواهرها مسوط، بلبل دوح فصاحتها يطرب أسماع القلوب بشهيّ نغمته، و سربال جمال بلاغتها يروق أبصار البصائر بوشيّ صنعته.
دقّت لها كئوس الحبور في الملكوت الأعلى، و اديرت كئوس السرور في جنّة المأوى، و تلقّت الملائكة المقرّبون بالبشرى أهل التحقيق على مراكب التوفيق، و طافت الولدان المخلّدون على أهل التصديق من الرحيق المختوم بأكواب و أباريق، و فتح رضوان باب الرضوان بأمر المهيمن السلام، و قال لأهل الولاية من المؤمنين: (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) 846 ، و مشى بين أيديهم قائما بشرائط
الخدمة، و أجلسهم على أرائك التعظيم مجريا عليهم من الاكرام عادته و رسمه، (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَ لا يُنْزِفُونَ وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) 847 .
فابشروا- معاشر المؤمنين العارفين- بفضل هذا اليوم الشريف، و العيد المنيف، الّذي أقام اللّه فيه عليّا أمير المؤمنين علما للمسلمين، و أمركم باتّباع نيّر دليله في محكم تنزيله، فقال عزّ من قائل: (وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) 848 .
و اللّه لقد نظرتم حيث نظر اللّه، و واليتم من و الى اللّه، و عاديتم من عادى اللّه، أنتم الشعار و الدثار، و الأبرار الأطهار، طهرت ولادتكم، و خلصت طينتكم، فما المؤمنون إلّا أنتم، و لا المخلصون إلّا منكم، اختاركم اللّه لدينه، و اصطفاكم على غيبه، فما خلقت الجنّة إلّا لكم، و لا برّزت الجحيم إلّا لعدوّكم.
أنتم في النار تطلبون فلا توجدون، و من الكوثر تردون و لا تصدّون، فلا يحزنكم إقبال الدنيا على غيركم، و اجتماع أهلها على إهانتكم و تأخيركم، فإنّما هم ذئاب ضارية، بل كلاب عاوية، فلا تمدّوا أعينكم إلى ما متّعوا به من زينتها، و فتنوا فيه من زهرتها، من الثياب الموشّاة، و المراكب المغشّاة، و الخيل المسوّمة، و النعم المطهّمة، و الحلل المزرّرة، و العمائم المقوّرة، و الرقاب الغليظة، و الأقفاء العريضة، و العثانين 849 المصفّفة، و اللحى المغلّفة، و الدور المزخرفة، و القصور المشرفة، و الأموال المكنوزة، و الأمتعة المحروزة، و المنازل العامرة،
و الجنان الغامرة، فإنّ ذلك متاع قليل، و جناب و بيل، مرجعه إلى زوال، و تملّكه إلى انتقال.
و عن قليل يسفر الصباح، و يحيعل الداعي إلى الفلاح، و يحمد المؤمن التقيّ غبّ السّرى 850 ، و ينجلي عن المنافق الشقيّ غيابات الكرى 851 ، و يرى أنّ ما كان فيه من النعيم الزائد، و الزبرج الجائد، إلّا 852 كسراب بقيعة 853 ، أو حلم يقتضيها سويعة، و يتجلّى الجليل لحسابه، و تتهيّأ ملائكة العذاب لأخذه و عقابه، و يرى سيّده عتيق الأوّل، و ابن صهاك الزنيم الأرذل، في الدرك الأسفل، و العذاب الأطول، مصفّدين مقرّنين، يستغيثان فلا يغاثان، و يناديان فلا يجابان، كلّما سدّت عليهما سبل المسالك استغاثا بخازن النار: يا مالك يا مالك، نضجت منّا الجلود، يا مالك أثقلتنا القيود.
إذا أراد اللّه أن يحلّ بأهل النار أليم عذابه، و وخيم عقابه، أمر ملائكة العذاب بفتح كوّة من سجنهما، فيتأذّى أهل النار من ريحهما و نتنهما، شرابهما حميم، و عذابهما مقيم، و أشياعهما من حولهما في السلاسل يسحبون، و بالمقامع يضربون، و في النار يسجرون، و في العذاب محضرون، يقولون: (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) 854 ، فيجابون: (اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَ كُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ)
(الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) 855 .
يطلع اللّه عليهما فيلعن، و الملائكة تؤمّن، و النبيّ يعنّف، و الوصيّ يؤفّف، و الزهراء تتظلّم، و الجحيم تتضرّم، و الزبانية تقمع، و النار تسفع 856 ، هذا جزاء من وسم غير إبله، و خالف اللّه و رسوله بقوله و عمله، و منع الزهراء تراثها 857 من والدها سيّد المرسلين، و آذى اللّه و رسوله و آذى إمام المسلمين و سيّد الوصيّين.
كلّ ذلك و أنتم على الأرائك تنظرون، و من الكفّار تضحكون، و من زيارة سادتكم لا تحجبون، (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ وَ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) 858 إذا نظرتم إلى نبيّكم و وليّكم على الحوض للمؤمن يوردون، و للمنافق يطردون قلتم:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ) فيجابون: (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) 859 .