کتابخانه روایات شیعه
الخدمة، و أجلسهم على أرائك التعظيم مجريا عليهم من الاكرام عادته و رسمه، (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَ لا يُنْزِفُونَ وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) 847 .
فابشروا- معاشر المؤمنين العارفين- بفضل هذا اليوم الشريف، و العيد المنيف، الّذي أقام اللّه فيه عليّا أمير المؤمنين علما للمسلمين، و أمركم باتّباع نيّر دليله في محكم تنزيله، فقال عزّ من قائل: (وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) 848 .
و اللّه لقد نظرتم حيث نظر اللّه، و واليتم من و الى اللّه، و عاديتم من عادى اللّه، أنتم الشعار و الدثار، و الأبرار الأطهار، طهرت ولادتكم، و خلصت طينتكم، فما المؤمنون إلّا أنتم، و لا المخلصون إلّا منكم، اختاركم اللّه لدينه، و اصطفاكم على غيبه، فما خلقت الجنّة إلّا لكم، و لا برّزت الجحيم إلّا لعدوّكم.
أنتم في النار تطلبون فلا توجدون، و من الكوثر تردون و لا تصدّون، فلا يحزنكم إقبال الدنيا على غيركم، و اجتماع أهلها على إهانتكم و تأخيركم، فإنّما هم ذئاب ضارية، بل كلاب عاوية، فلا تمدّوا أعينكم إلى ما متّعوا به من زينتها، و فتنوا فيه من زهرتها، من الثياب الموشّاة، و المراكب المغشّاة، و الخيل المسوّمة، و النعم المطهّمة، و الحلل المزرّرة، و العمائم المقوّرة، و الرقاب الغليظة، و الأقفاء العريضة، و العثانين 849 المصفّفة، و اللحى المغلّفة، و الدور المزخرفة، و القصور المشرفة، و الأموال المكنوزة، و الأمتعة المحروزة، و المنازل العامرة،
و الجنان الغامرة، فإنّ ذلك متاع قليل، و جناب و بيل، مرجعه إلى زوال، و تملّكه إلى انتقال.
و عن قليل يسفر الصباح، و يحيعل الداعي إلى الفلاح، و يحمد المؤمن التقيّ غبّ السّرى 850 ، و ينجلي عن المنافق الشقيّ غيابات الكرى 851 ، و يرى أنّ ما كان فيه من النعيم الزائد، و الزبرج الجائد، إلّا 852 كسراب بقيعة 853 ، أو حلم يقتضيها سويعة، و يتجلّى الجليل لحسابه، و تتهيّأ ملائكة العذاب لأخذه و عقابه، و يرى سيّده عتيق الأوّل، و ابن صهاك الزنيم الأرذل، في الدرك الأسفل، و العذاب الأطول، مصفّدين مقرّنين، يستغيثان فلا يغاثان، و يناديان فلا يجابان، كلّما سدّت عليهما سبل المسالك استغاثا بخازن النار: يا مالك يا مالك، نضجت منّا الجلود، يا مالك أثقلتنا القيود.
إذا أراد اللّه أن يحلّ بأهل النار أليم عذابه، و وخيم عقابه، أمر ملائكة العذاب بفتح كوّة من سجنهما، فيتأذّى أهل النار من ريحهما و نتنهما، شرابهما حميم، و عذابهما مقيم، و أشياعهما من حولهما في السلاسل يسحبون، و بالمقامع يضربون، و في النار يسجرون، و في العذاب محضرون، يقولون: (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) 854 ، فيجابون: (اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَ كُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ)
(الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) 855 .
يطلع اللّه عليهما فيلعن، و الملائكة تؤمّن، و النبيّ يعنّف، و الوصيّ يؤفّف، و الزهراء تتظلّم، و الجحيم تتضرّم، و الزبانية تقمع، و النار تسفع 856 ، هذا جزاء من وسم غير إبله، و خالف اللّه و رسوله بقوله و عمله، و منع الزهراء تراثها 857 من والدها سيّد المرسلين، و آذى اللّه و رسوله و آذى إمام المسلمين و سيّد الوصيّين.
كلّ ذلك و أنتم على الأرائك تنظرون، و من الكفّار تضحكون، و من زيارة سادتكم لا تحجبون، (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ وَ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) 858 إذا نظرتم إلى نبيّكم و وليّكم على الحوض للمؤمن يوردون، و للمنافق يطردون قلتم:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ) فيجابون: (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) 859 .
فاحمدوا ربّكم على هذه النعمة التي أهّلكم لها، و جعلكم من أهلها، و اقتدوا في هذا اليوم بسنّة وليّكم و وسيلتكم إلى أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين، فقد روي أنّه صلوات اللّه عليه خطب في هذا اليوم الكريم، و العيد العظيم، فقال- بعد أن حمد اللّه و أثنى عليه، و ذكر النبي و صلّى عليه-: أيّها الناس، هذا يوم
عظيم الشأن، فيه وقع الفرج، و علت 860 الدرج، و وضحت الحجج، و هو يوم الايضاح، و يوم الافصاح، و يوم الكشف عن المقام الصراح، و يوم كمال الدين، و يوم العهد المعهود، و يوم الشاهد و المشهود، و يوم بيان 861 العقود عن النفاق و الجحود، و يوم البيان عن حقائق الايمان، و يوم البرهان، و يوم دحر الشيطان.
هذا يوم الفصل الّذي كنتم توعدون 862 ، و يوم الملأ الأعلى إذ يختصمون، و يوم النبأ العظيم الّذي أنتم عنه معرضون 863 ، و يوم الارشاد، و يوم محنة العباد، و يوم الدليل على الروّاد 864 ، و يوم إبداء خفايا الصدور، و مضمرات الامور، هذا يوم النصوص على أهل الخصوص، هذا يوم شبيث، هذا يوم إدريس، هذا يوم هود، هذا يوم يوشع، هذا يوم شمعون [هذا يوم الأمن المأمون] 865 ، هذا يوم إبراز المصون من المكنون، هذا يوم إبلاء السرائر.
فلم يزل صلوات اللّه عليه يقول: هذا يوم، هذا يوم، ثمّ قال: فراقبوا اللّه عزّ و جلّ و اتّقوه، و اسمعوا له و أطيعوه، و احذروا المكر و لا تخادعوه، و فتّشوا ضمائركم و لا تواربوه، و تقرّبوا إلى اللّه بتوحيده و طاعة من أمركم أن تطيعوه، و لا تمسّكوا بعصم الكوافر، و لا يجنح 866 بكم الغيّ فتضلّوا عن سواء السبيل باتّباع اولئك الّذين ضلّوا و أضلّوا، قال اللّه سبحانه عن طائفة ذكرهم بالذمّ في كتابه فقال سبحانه: (وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا)
كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ 867 .
و قال سبحانه: (رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) 868 .
أ تدرون ما الاستكبار؟ هو ترك الطاعة لمن امروا بطاعته، و الترفّع عمّن ندبوا إلى متابعته، و القرآن ينطق من هذا عن كثير إن تدبّره متدبّر وعظه و زجره.
و اعلموا- عباد اللّه- أنّ اللّه سبحانه يقول في محكم كتابه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) 869 أ تدرون ما سبيل اللّه؟
و من سبيل اللّه؟ و ما صراط اللّه؟ و من صراط اللّه؟
أنا صراط اللّه الّذي نصبني 870 للاتّباع بعد نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، و أنا سبيل اللّه الّذي من لم يسلكه بطاعة اللّه [فيه] 871 هوي به إلى النار، و أنا حجّة اللّه على الأبرار و الفجّار، [و نور الأنوار] 872 ، و أنا قسيم الجنّة و النار، فتيقّضوا من رقدة الغافلين 873 ، [و بادروا بالعمل قبل حلول الأجل، و سابقوا إلى مغفرة من ربّكم] 874 قبل أن يضرب بالسور بباطن الرحمة و ظاهر العذاب، فتدعون فلا يسمع دعاؤكم، و تصيحون فلا يحفل بصيحتكم، و أن 875 تستغيثوا
فلا 876 تغاثوا، بادروا بالطاعات قبل فوات الأوقات، فكأن قد جاءكم هادم اللذّات، و لات حين مناص 877 ، و لا محيص تخليص.
عودوا رحمكم اللّه بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، و البرّ بإخوانكم، و الشكر للّه عزّ و جلّ على ما منحكم، و اجتمعوا يجمع اللّه شملكم، و تبارّوا يصل اللّه الفتكم، و تهانوا نعمة اللّه كما هنّأكم بالثواب 878 على أضعاف الأعياد قبله و بعده إلّا في مثله، و البرّ فيه يثمر المال، و يزيد في العمر، و التعطّف فيه يقتضي رحمة اللّه و عطفه.
فافرحوا و فرّحوا إخوانكم باللباس الحسن، و المأكل الهنيء، و الرائحة الطيّبة، و هنّؤا إخوانكم و عيالاتكم بالفضل من برّكم، و ما 879 تناله القدرة من استطاعتكم، و أظهروا البشر و الحبور فيما بينكم، و السرور في ملاقاتكم، و الحمد للّه على ما منحكم، و عودوا بالمزيد من الخير على أهل التأميل لكم، وصلوا بكم ضعفاءكم بالفضل من أقواتكم 880 ، و ما تناله القدرة من استطاعتكم، و على حسب طاقتكم، فالدرهم فيه بمائة ألف درهم، و المزيد من اللّه عزّ و جلّ ما لا درك له، وصوم هذا اليوم ممّا ندب اللّه تعالى إليه، و جعل الثواب الجزيل كفالة عنه، حتى لو أنّ عبدا من العبيد تعبّد به بالتشبيه من ابتداء الدنيا إلى انتهائها، صائما نهارها، قائما ليلها، إذا أخلص المخلص في صيامه لتقاصرت إليه أيّام الدنيا [عن كفاية، و من أسعف أخاه مبتدأ و برّه راغبا فله كأجر من صام هذا اليوم
و قام ليلته] 881 ، و من فطّر مؤمنا في ليلته كان كمن فطّر فئاما و فئاما.
فلم يزل صلوات اللّه عليه يعدّ بيده الشريفة حتى عدّ عشرا.
فنهض ناهض و قال: يا أمير المؤمنين، و ما الفئام؟
قال: مائة ألف نبيّ و صدّيق و شهيد، فما ظنّكم بمن تكفّل عددا من المؤمنين؟ فأنا الضامن له على اللّه تعالى الأمان من الكفر و الفقر، و إن مات في يومه أو في ليلته أو فيما بعده إلى مثله [من غير ارتكاب كبيرة] 882 فأجره على اللّه تعالى، و من استدان لإخوانه فأسعفهم فأنا الضامن له على اللّه، إن بقّاه أدّاه، و إن مات قبل تأديته تحمّله عنه، و إذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم، [و تهانوا النعمة في هذا اليوم] 883 ، و ليعلم بذلك الشاهد الغائب و الحاضر البائن، و ليعد القويّ على الضعيف، و الغني على الفقير، بذلك أمرني رسول اللّه عن اللّه 884 .