کتابخانه روایات شیعه
كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ 867 .
و قال سبحانه: (رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) 868 .
أ تدرون ما الاستكبار؟ هو ترك الطاعة لمن امروا بطاعته، و الترفّع عمّن ندبوا إلى متابعته، و القرآن ينطق من هذا عن كثير إن تدبّره متدبّر وعظه و زجره.
و اعلموا- عباد اللّه- أنّ اللّه سبحانه يقول في محكم كتابه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) 869 أ تدرون ما سبيل اللّه؟
و من سبيل اللّه؟ و ما صراط اللّه؟ و من صراط اللّه؟
أنا صراط اللّه الّذي نصبني 870 للاتّباع بعد نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، و أنا سبيل اللّه الّذي من لم يسلكه بطاعة اللّه [فيه] 871 هوي به إلى النار، و أنا حجّة اللّه على الأبرار و الفجّار، [و نور الأنوار] 872 ، و أنا قسيم الجنّة و النار، فتيقّضوا من رقدة الغافلين 873 ، [و بادروا بالعمل قبل حلول الأجل، و سابقوا إلى مغفرة من ربّكم] 874 قبل أن يضرب بالسور بباطن الرحمة و ظاهر العذاب، فتدعون فلا يسمع دعاؤكم، و تصيحون فلا يحفل بصيحتكم، و أن 875 تستغيثوا
فلا 876 تغاثوا، بادروا بالطاعات قبل فوات الأوقات، فكأن قد جاءكم هادم اللذّات، و لات حين مناص 877 ، و لا محيص تخليص.
عودوا رحمكم اللّه بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، و البرّ بإخوانكم، و الشكر للّه عزّ و جلّ على ما منحكم، و اجتمعوا يجمع اللّه شملكم، و تبارّوا يصل اللّه الفتكم، و تهانوا نعمة اللّه كما هنّأكم بالثواب 878 على أضعاف الأعياد قبله و بعده إلّا في مثله، و البرّ فيه يثمر المال، و يزيد في العمر، و التعطّف فيه يقتضي رحمة اللّه و عطفه.
فافرحوا و فرّحوا إخوانكم باللباس الحسن، و المأكل الهنيء، و الرائحة الطيّبة، و هنّؤا إخوانكم و عيالاتكم بالفضل من برّكم، و ما 879 تناله القدرة من استطاعتكم، و أظهروا البشر و الحبور فيما بينكم، و السرور في ملاقاتكم، و الحمد للّه على ما منحكم، و عودوا بالمزيد من الخير على أهل التأميل لكم، وصلوا بكم ضعفاءكم بالفضل من أقواتكم 880 ، و ما تناله القدرة من استطاعتكم، و على حسب طاقتكم، فالدرهم فيه بمائة ألف درهم، و المزيد من اللّه عزّ و جلّ ما لا درك له، وصوم هذا اليوم ممّا ندب اللّه تعالى إليه، و جعل الثواب الجزيل كفالة عنه، حتى لو أنّ عبدا من العبيد تعبّد به بالتشبيه من ابتداء الدنيا إلى انتهائها، صائما نهارها، قائما ليلها، إذا أخلص المخلص في صيامه لتقاصرت إليه أيّام الدنيا [عن كفاية، و من أسعف أخاه مبتدأ و برّه راغبا فله كأجر من صام هذا اليوم
و قام ليلته] 881 ، و من فطّر مؤمنا في ليلته كان كمن فطّر فئاما و فئاما.
فلم يزل صلوات اللّه عليه يعدّ بيده الشريفة حتى عدّ عشرا.
فنهض ناهض و قال: يا أمير المؤمنين، و ما الفئام؟
قال: مائة ألف نبيّ و صدّيق و شهيد، فما ظنّكم بمن تكفّل عددا من المؤمنين؟ فأنا الضامن له على اللّه تعالى الأمان من الكفر و الفقر، و إن مات في يومه أو في ليلته أو فيما بعده إلى مثله [من غير ارتكاب كبيرة] 882 فأجره على اللّه تعالى، و من استدان لإخوانه فأسعفهم فأنا الضامن له على اللّه، إن بقّاه أدّاه، و إن مات قبل تأديته تحمّله عنه، و إذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم، [و تهانوا النعمة في هذا اليوم] 883 ، و ليعلم بذلك الشاهد الغائب و الحاضر البائن، و ليعد القويّ على الضعيف، و الغني على الفقير، بذلك أمرني رسول اللّه عن اللّه 884 .
و في الحديث انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يخبر عن وفاته بمدّة و يقول: قد حان منّي خفوق من بين أظهركم، و كان المنافقون يقولون: لئن مات محمد ليخرب دينه، فلمّا كان موقف الغدير قالوا: بطل كيدنا، فنزلت: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) 885 886 .
و كان الجمع الكبير و الجمّ الغفير في الغدير حين أخذ البشير النذير بيد صنوه نور اللّه المبين، و سببه المتين، و إمام المتّقين، و أمير المؤمنين، أكثرهم ممّن الإلحاد دينه، و النفاق قرينه، قد استحوذ الشيطان على قلبه، و استولى على لبّه، فأعطى بلسانه ما ليس في فؤاده، و ظهر على صفحات وجهه ما أضمر من إلحاده، و أسرّ غدرا، و أخفى مكرا، و نصب لنبيّه الغوائل، و جادل في أمر الغدير بالباطل، و أرصد بابه لتنفر ناقته، و عاقد على إنزال المنون بساحته، و استئصال شأفته.
و أطلع اللّه نبيّه على ما دبّروا، و وقاه سيّئات ما مكروا، و لمّا أشرقت دار الهجرة بنور مقدمه، و شرفت أرجاؤها بموطئ قدمه، و قد أكمل صلّى اللّه عليه و آله الدين بنصب وصيّه علما لامّته، و عمّم النعمة بجعله حافظا لشريعته، و نشر أعلام الإيمان بنشر مناقبه، و أعلى كلمة الاسلام بإعلاء مراتبه، و جلا أحكام الشريعة النبويّة في مدامس الاشتهار، و حلّى جيد الملّة الحنيفيّة بنفائس الافتخار 887 ، و دارت رحى العدل على قطبها، و أشرقت الأرض بنور ربّها، دعاه
اللّه إلى جواره مختارا، و ناداه بلسان قضائه جهارا: يا من أطلعته على سرّي المصون، و غيبي المكنون، (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) 888 .
و لمّا انقضى أجله الجليل، و ألمّت به الأسقام مؤذنة بوشك الرحيل، انصدعت لتوجّعه قلوب المؤمنين، و همعت لتألّمه عيون المسلمين.
[بدء مرض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله]
و كان بدء مرضه صلّى اللّه عليه و آله يوم السبت أو يوم الأحد من صفر.
و لمّا اشتدّ مرضه قام صلّى اللّه عليه و آله آخذا بيد عليّ عليه السلام، و تبعه جماعة من أصحابه، و توجّه إلى البقيع، فقال: السلام عليكم أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه ممّا فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع
آخرها أوّلها، إنّ جبرئيل كان يعرض عليّ القرآن كلّ سنة مرّة، و هذه السنة عرضه عليّ مرّتين، و لا أراه إلّا لحضور أجلي.
[النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوصي قبل وفاته]
فقام إليه عمّار بن ياسر و قال: بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه، إذا كان ذلك من يغسّلك منّا؟
قال: ذاك عليّ بن أبي طالب، إنّه لا يهمّ بعضو من أعضائي إلّا أعانته الملائكة على ذلك.
قال: فمن يصلّي عليك منّا إذا كان ذلك؟
قال: مه رحمك اللّه، ثمّ قال لأمير المؤمنين عليه السلام: يا عليّ، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني و انق غسلي، و كفّنّي في طمريّ اللّذين اصلّي فيهما أو في بياض مصر و برد يمانيّ، و لا تغال في كفني، و احملوني حتى تضعوني على شفير قبري، فأوّل من يصلّي عليّ الجليل جلّ جلاله من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلّا اللّه عزّ و جلّ، ثم الحافّون بالعرش، ثمّ أهل سماء فسماء، ثمّ جلّ أهل بيتي و نسائي الأقربون فالأقربون، يؤمون إيماء، و يسلّمون تسليما، لا تؤذوني بصوت نادب و لا برنّة.
ثمّ قال لعمّه العبّاس: يا عبّاس، يا عمّ رسول اللّه، تقبل وصيّتي، و تنجز عدتي، و تقضي ديني.
فقال العبّاس: يا رسول اللّه، عمّك شيخ كبير، ذو عيال كثير، و أنت تباري الريح سمحا و كرما، و عليك وعد لا ينهض به عمّك.
فأقبل على عليّ عليه السلام، فقال: تقبل وصيّتي، و تنجز عدتي، و تقضي ديني؟
فقال: نعم، يا رسول اللّه.
فقال: ادن منّي، فدنا منه، فضمّه إليه و نزع خاتمه من يده، فقال: خذ هذا فضعه في يدك، و دعا بسيفه و درعه و جميع لامته، فدفع ذلك إليه، و التمس عصابة كان يشدّها على بطنه إذا لبس الدرع، و روي أنّ جبرئيل أتاه بها من السماء، فجيء بها إليه، فدفعها إلى عليّ و قال: اقبض هذا في حياتي، و دفع إليه بغلته، و قال: امض على اسم اللّه إلى منزلك.
ثمّ اغمي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و حضر وقت الصلاة، و أذّن بلال، و نادى: الصلاة يا رسول اللّه.
ففتح صلّى اللّه عليه و آله عينيه و قال: ادعوا لي حبيبي، فجعل يعرض عليه رجل فرجل و هو يعرض عنه، إلى أن حضر أمير المؤمنين فتهلّل وجهه، ثمّ قال: يا بلال، هلمّ عليّ بالناس، فأجمع الناس.
[الصلاة الأخيرة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالناس]
فخرج صلّى اللّه عليه و آله متوكّئا على أمير المؤمنين بيده اليمنى، و على الفضل بن العبّاس باليد الاخرى، متعصّبا بعمامته، متوكّئا على قوسه، فصلّى بالناس جالسا، و قد كانت عائشة قد أرسلت إلى أبيها أن يصلّي بالناس، فنحّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صلّى.