کتابخانه روایات شیعه
و تسديدك، حتى إذا وردت من عين اليقين وردا و صدرا، و كشف بها الحقّ المبين عن غوامض أسراره حجابا و سترا، و صار المحبّ حبيبا، و الطالب مطلوبا.
جعلتهم معادن علمك، و مواضع حكمك، و تراجمة وحيك، و سفرة أمرك، و عصمتهم من كلّ عيب، و نزّهتهم من كلّ ريب، و توّجتهم بتاج عنايتك، و أفرغت عليهم خلع كرامتك، و أسريت بهاديهم إلى الصفيح الأعلى، و سموت بساميهم إلى المقام الأدنى، و أطلعته على أسرار ملكوتك، و شرّفته بخطاب حضرة جبروتك، و وسمته بخاتم النبيّين، و سمّيته بأحمد و محمد و طه و ياسين، و جعلته أفضل أهل السماوات و أهل الأرضين، و أيّدته بوليّك سيّد الوصيّين، و فرضت ولاءها و ولاء أهل بيتهما على عبادك أجمعين، فقلت: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) 947 .
فمن سلك سبيلهم، و اقتفى دليلهم، فهو ممّن ألحقته جناح رحمتك، و أورثته نعيم جنّتك، و رقمت اسمه في جرائد المنتجبين من خواصّك، و أثبتّ و سمه في صحائف الموسومين بإخلاصك.
و من تولّى عن أمرهم، و أنكر عنهم برّهم، و توالى من جرت عليه نعمتهم، و عظمت لديه مننهم، و استطال على الناس برفيع مجدهم، و اشتهر بالباس بغرار حسدهم، و تاه في ظلمة ضلالته، و غرق في لجّة جهالته، فهو ممّن قلت فيه:
(آمَنُوا سَبِيلًا أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) 948 (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) 949 (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً) 950 .
اللّهمّ إنّا لا نعلم نبيّا من أنبيائك، و لا نعتقد وليّا من أوليائك، و لا ملكا من حملة عرشك، و لا هابطا بوحيك و أمرك، و لا أمينا على غيبك و سرّك، أفضل لديك من نبيّك المصطفى، و أمينك المجتبى، الّذي انتجبته لرسالتك، و اصطفيته بكلمتك، و ختمت به أنبياءك، و وصيّه الّذي اخترته لخلافتك، و قرنت طاعته بطاعتك، و ضربته مثلا في محكم تنزيلك، و شددت به عضد نبيّك و رسولك، و أيّدته بالفضل و الحكم، و آتيته بسطة في العلم و الجسم، و هزمت بجدّه الأحزاب، و قصمت بسيفه الأصلاب، و جعلت حبّه فارقا بين الكفر و الإيمان، و حبّه وسيلة إلى الفوز بنعيم الجنان.
لا نعتقد ذنبا بعد الإلحاد في آياتك، و الجحود لصفاتك، و ادّعاء إلها سواك، و التكبّر على جلالك و علاك، أعظم و لا أكبر، و لا أوثق و لا أشقّ، من ذنب من وضع من قدره، و اجترى عليه بكفره، و قدّم عليه من لا يعادل عند اللّه شسع نعله، و أخّره عمّن ليس له فضل كفضله، و لا أصل كأصله، و جحد نصّ رسولك،
و حرّف آيات تنزيلك، و شهد أنّ طاعتك مقرونة بطاعته، و ولايتك مشروطة بولايته، إذ هو «اولوا الأمر» الّذي أمرت باقتفاء أثره، و نوّهت في كتابك بذكره، و أمرت نبيّك أن يأخذ ميثاق خلافته على كلّ مقرّ بوحدانيّتك، معتقد لربوبيّتك، فمن ردّ مقال رسولك، و سلك غير سبيلك، فهو ممّن قلّدته لعنتك، و وعدته نقمتك، و أعددت له أليم عذابك، و وخيم عقابك.
و نشهد أنّه سبيلك القويم، و صراطك المستقيم، و نشهد أنّ من ابتزّه سلطانه غاصبا، و تسمّى باسمه كاذبا، و أنكر ما أوصيت من فرض ولايته، و أخفى ما أظهرت من حقّ خلافته، فقد بعد من الصواب، و حقّت عليه كلمة العذاب، فلا عذاب أعظم من عذابه، و لا عقاب أنكى من عقابه، إذ الثواب و العقاب على مقدار الفعل المكتسب في دار البلاء، و محلّه الابتلاء، و من جحد الوصيّ منزلته، و ردّ على الرسول مقالته، و أوّل نصّ الكتاب بالتأويل الواهي، و الخيال الساهي، و قدّم من يستحقّ التأخير لنقصه، و أخّر من قدّم اللّه و رسوله منصبه، و نصب العداوة لأهل بيت نبيّه، و جحد الولاية بضلاله و غيّه، و عدل بميراث الرسول عن أهله، و وضعه في غير محلّه، فهو ممّن أنكر اصول الإيمان، و انتظم في مسلك عبدة الأوثان، و أعداء الرحمن، و مقرّه في الدرك الأسفل، و جزاؤه العذاب الأطول، يتعوّذ فرعون و هامان من عذابه، و ينفر عبدة الأوثان من أليم عقابه.
كما ذكرت هنا في فقرات نثري، و أوردت قديما في خطبي و شعري، مخاطبا من تجرّأ على اللّه و الرسول، و غصب حقّ الوصي و البتول:
غرّتك دنياك فصرت حاكما
و للوصيّ و البتول ظالما
و للنبيّ المصطفى مخاصما
فسوف تصلى بعد ذا سعيرا
عقوبة الذنب من اللّه على
مقدار ذنب العبد في دار البلا
و ظلم من يؤذي النبي المرسلا
هل فوقه ظلم فكن بصيرا
اللّهمّ فكما جعلتنا من المستمسكين بحبل نبيّك و عترته، و المستظلّين بظلال وليّك و ذرّيّته، المعتصمين بمعاقل محبّيهم، الموسومين بخاصّة شيعتهم، الواثقين بعروة عصمتهم، السالكين واضح طريقتهم فصلّ على محمد و آله، و أمتنا على الحقّ الّذي هديتنا إليه من عرفان حقّهم، وا بعثنا على النهج الّذي نحن عليه من الاقرار بصدقهم، و متّعنا بالنظر إلى جلال جمالهم في حشرنا، و اجعلهم شفعاءنا إليك يوم نشرنا، و ارزقنا منازل السعداء، و اسقنا من حوضهم شربة لا نظمأ بعدها أبدا، إنّك على كلّ شيء قدير، و بالاجابة جدير، و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على سيّدنا محمد و آله الطاهرين.
[المجالس الثالث في ذكر شيء من فضائل أمير المؤمنين، و ذكر أدلّة شريفة على فرض إمامته، و الاستدلال على كفر من أنكر نصّ خلافته، و ذكر طرف من ظلامة سيّدة النساء صلوات اللّه عليها، و ذكر وفاتها، و وفاة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و على أبنائه الطاهرين]
[الخطبة]
الحمد للّه الّذي أسبغ علينا فضله العميم، و أسدى إلينا برّه الجسيم، و هدانا صراطه المستقيم، و سلك بنا سبيله القويم، و جعلنا من أمّة رسوله الكريم، و شيعة وليّه الأوّاه الحليم، أعني سيّد الوصيّين، و إمام المتّقين، و حبل اللّه المتين، و نوره المبين، عليّ أمير المؤمنين، المغصوب أمره، المجهول قدره، المشهور فضله، المنشور عدله، المظلوم حقّه المكذوب صدقه، المقتول في محرابه، المهدوم ركن الاسلام بمصابه، أفضل من ارتدى بالخلافة و اتّزر، و أشرف من تسمّى بالإمامة و اشتهر، صنو الرسول و مواريه في رمسه، و صارمه المسلول
و مواسيه بنفسه.
كم ركن للشرك هدم، و كم صلب للكفر قصم، و كم أدحض للجهل حجّة، و كم أمعن للبغي مهجة، و كم أخفى للنفاق محجّة، و كم أفاء اللّه على المسلمين بسيفه أموالا و ديارا و حدائق ذات بهجة.
كتب اللّه بيد عظمته منشور ولايته، و ختم بطابع عنايته توقيع خلافته، و أوجب فرض ولايته على كافّة بريّته، و جعل الرئاسة العامّة إلى يوم القيامة فيه و في ذرّيّته، (إِنَّما وَلِيُّكُمُ) 951 تاج سلطانه، و (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ) 952 خلعة عظيم شأنه، و آية النجوى في حلية الفخر جواد سباقه، و سورة هل أتى في عرصة المجد ميدان انطلاقه.
قرن الشمس مقعد أصله، و هامة السماك مركب فضله، عدله عميم، و فضله عظيم، و نوره تامّ، وجوده عامّ، و علمه بحر زاخر، و كفّه جود هامر، و لفظه لؤلؤ منثور، و عزمه سيف مشهور، و حبّه شرف و فخر، و بغضه نفاق و كفر.
يعشق جماله قلبي، و يعتقد كماله لبّي، و يهوى ذكره لساني، و يعتاد شكره جناني، و يحلو تكرّر لفظه في لهواتي، و يحلو فصيح وعظه كرباتي، كلامه شفاء غمومي، و خطبه مجلية همومي، و نهج بلاغته سبيل بلاغتي، و غرر درره حلية فصاحتي، ينشي مدحه نشوات السرور في فؤادي، و يستعذب وصفه دقيق فكري في إصداري و إيرادي.