کتابخانه روایات شیعه
تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)
و حرّف آيات تنزيلك، و شهد أنّ طاعتك مقرونة بطاعته، و ولايتك مشروطة بولايته، إذ هو «اولوا الأمر» الّذي أمرت باقتفاء أثره، و نوّهت في كتابك بذكره، و أمرت نبيّك أن يأخذ ميثاق خلافته على كلّ مقرّ بوحدانيّتك، معتقد لربوبيّتك، فمن ردّ مقال رسولك، و سلك غير سبيلك، فهو ممّن قلّدته لعنتك، و وعدته نقمتك، و أعددت له أليم عذابك، و وخيم عقابك.
و نشهد أنّه سبيلك القويم، و صراطك المستقيم، و نشهد أنّ من ابتزّه سلطانه غاصبا، و تسمّى باسمه كاذبا، و أنكر ما أوصيت من فرض ولايته، و أخفى ما أظهرت من حقّ خلافته، فقد بعد من الصواب، و حقّت عليه كلمة العذاب، فلا عذاب أعظم من عذابه، و لا عقاب أنكى من عقابه، إذ الثواب و العقاب على مقدار الفعل المكتسب في دار البلاء، و محلّه الابتلاء، و من جحد الوصيّ منزلته، و ردّ على الرسول مقالته، و أوّل نصّ الكتاب بالتأويل الواهي، و الخيال الساهي، و قدّم من يستحقّ التأخير لنقصه، و أخّر من قدّم اللّه و رسوله منصبه، و نصب العداوة لأهل بيت نبيّه، و جحد الولاية بضلاله و غيّه، و عدل بميراث الرسول عن أهله، و وضعه في غير محلّه، فهو ممّن أنكر اصول الإيمان، و انتظم في مسلك عبدة الأوثان، و أعداء الرحمن، و مقرّه في الدرك الأسفل، و جزاؤه العذاب الأطول، يتعوّذ فرعون و هامان من عذابه، و ينفر عبدة الأوثان من أليم عقابه.
كما ذكرت هنا في فقرات نثري، و أوردت قديما في خطبي و شعري، مخاطبا من تجرّأ على اللّه و الرسول، و غصب حقّ الوصي و البتول:
غرّتك دنياك فصرت حاكما
و للوصيّ و البتول ظالما
و للنبيّ المصطفى مخاصما
فسوف تصلى بعد ذا سعيرا
عقوبة الذنب من اللّه على
مقدار ذنب العبد في دار البلا
و ظلم من يؤذي النبي المرسلا
هل فوقه ظلم فكن بصيرا
اللّهمّ فكما جعلتنا من المستمسكين بحبل نبيّك و عترته، و المستظلّين بظلال وليّك و ذرّيّته، المعتصمين بمعاقل محبّيهم، الموسومين بخاصّة شيعتهم، الواثقين بعروة عصمتهم، السالكين واضح طريقتهم فصلّ على محمد و آله، و أمتنا على الحقّ الّذي هديتنا إليه من عرفان حقّهم، وا بعثنا على النهج الّذي نحن عليه من الاقرار بصدقهم، و متّعنا بالنظر إلى جلال جمالهم في حشرنا، و اجعلهم شفعاءنا إليك يوم نشرنا، و ارزقنا منازل السعداء، و اسقنا من حوضهم شربة لا نظمأ بعدها أبدا، إنّك على كلّ شيء قدير، و بالاجابة جدير، و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على سيّدنا محمد و آله الطاهرين.
[المجالس الثالث في ذكر شيء من فضائل أمير المؤمنين، و ذكر أدلّة شريفة على فرض إمامته، و الاستدلال على كفر من أنكر نصّ خلافته، و ذكر طرف من ظلامة سيّدة النساء صلوات اللّه عليها، و ذكر وفاتها، و وفاة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و على أبنائه الطاهرين]
[الخطبة]
الحمد للّه الّذي أسبغ علينا فضله العميم، و أسدى إلينا برّه الجسيم، و هدانا صراطه المستقيم، و سلك بنا سبيله القويم، و جعلنا من أمّة رسوله الكريم، و شيعة وليّه الأوّاه الحليم، أعني سيّد الوصيّين، و إمام المتّقين، و حبل اللّه المتين، و نوره المبين، عليّ أمير المؤمنين، المغصوب أمره، المجهول قدره، المشهور فضله، المنشور عدله، المظلوم حقّه المكذوب صدقه، المقتول في محرابه، المهدوم ركن الاسلام بمصابه، أفضل من ارتدى بالخلافة و اتّزر، و أشرف من تسمّى بالإمامة و اشتهر، صنو الرسول و مواريه في رمسه، و صارمه المسلول
و مواسيه بنفسه.
كم ركن للشرك هدم، و كم صلب للكفر قصم، و كم أدحض للجهل حجّة، و كم أمعن للبغي مهجة، و كم أخفى للنفاق محجّة، و كم أفاء اللّه على المسلمين بسيفه أموالا و ديارا و حدائق ذات بهجة.
كتب اللّه بيد عظمته منشور ولايته، و ختم بطابع عنايته توقيع خلافته، و أوجب فرض ولايته على كافّة بريّته، و جعل الرئاسة العامّة إلى يوم القيامة فيه و في ذرّيّته، (إِنَّما وَلِيُّكُمُ) 951 تاج سلطانه، و (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ) 952 خلعة عظيم شأنه، و آية النجوى في حلية الفخر جواد سباقه، و سورة هل أتى في عرصة المجد ميدان انطلاقه.
قرن الشمس مقعد أصله، و هامة السماك مركب فضله، عدله عميم، و فضله عظيم، و نوره تامّ، وجوده عامّ، و علمه بحر زاخر، و كفّه جود هامر، و لفظه لؤلؤ منثور، و عزمه سيف مشهور، و حبّه شرف و فخر، و بغضه نفاق و كفر.
يعشق جماله قلبي، و يعتقد كماله لبّي، و يهوى ذكره لساني، و يعتاد شكره جناني، و يحلو تكرّر لفظه في لهواتي، و يحلو فصيح وعظه كرباتي، كلامه شفاء غمومي، و خطبه مجلية همومي، و نهج بلاغته سبيل بلاغتي، و غرر درره حلية فصاحتي، ينشي مدحه نشوات السرور في فؤادي، و يستعذب وصفه دقيق فكري في إصداري و إيرادي.
إن نابني من عدوّي ناب و ظفر، فزعت إلى الدعاء باسمه في الجهر
و السرّ، ليجعل اللّه معاندي بصواعق توسّلاتي مقهورا، و بسهام دعواتي محسورا، و يطرق لعيني مذءوما مدحورا، و أن يردّ الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا 953 .
اللهمّ اجعل كيده في تضليل، و أرسل عليه حجارة من سجّيل 954 ، و شهبا ثاقبة يضاعف عن تحمّل سعيرها الطوق، و سحائب هلكه برد بارودها بمطر من تحت إلى فوق.
اللهمّ أرسل عليه شواظا من نار و نحاس 955 ، و بنادق من رصاص تتركه كهشيم المحتظر 956 ، و لا توفقه للتوبة، و لا ترشده للأوبة، و صمّ سمعه عن سماع نصيحتي، و لا تنفعه بتبياني و تذكرتي، حتى تخرجه من دار الفناء و أنت عليه غضبان، و تصليه جهنّم و قلبه غير مطمئنّ بالإيمان.
ربّنا أفرغ فرغ علينا صبرا على ظلمه، و أعظم لنا من لدنك أجرا على هظمه، و اجعل لنا اسوة بنبيّك و أهل بيته الأطهار، و ارفع لنا عندك درجة في منازل الأبرار، إنّك ذو الفضل الجزيل، و الصنع الجميل.
روي عن شمس فلك النبوّة، و روح جسد الفتوّة، و من أعلى اللّه على كلّ علوّ علوّه، و أسمى على كلّ سموّ سموّه، بلبل دوح (اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ) 957 ، قارىء لوح (وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) 958 ، صدر مجلس (أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ)
(صَدْرَكَ) 959 ، بدر مشرق (وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) 960 ، تاج نبوّته (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ) 961 ، و منهاج ملّته (وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) 962 ، و قسم رسالته (يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) 963 ، و صحيفة أدبه (خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) 964 ، و معراج رفعته (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) 965 ، و كمال معرفته (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) 966 .
رسخت قدمه في صعيد المجد الأطول، و شمخت شجرته في روضة الشرف الأعبل، طار بقوادم التقديم لمّا اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، و فاز بدرجة التعظيم لمّا وطىء بأخمصه بساط العزّة و الكبرياء، نودي في ذلك المقام: دس البساط بنعليك، و خوطب بلسان الحال: