کتابخانه روایات شیعه
و السرّ، ليجعل اللّه معاندي بصواعق توسّلاتي مقهورا، و بسهام دعواتي محسورا، و يطرق لعيني مذءوما مدحورا، و أن يردّ الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا 953 .
اللهمّ اجعل كيده في تضليل، و أرسل عليه حجارة من سجّيل 954 ، و شهبا ثاقبة يضاعف عن تحمّل سعيرها الطوق، و سحائب هلكه برد بارودها بمطر من تحت إلى فوق.
اللهمّ أرسل عليه شواظا من نار و نحاس 955 ، و بنادق من رصاص تتركه كهشيم المحتظر 956 ، و لا توفقه للتوبة، و لا ترشده للأوبة، و صمّ سمعه عن سماع نصيحتي، و لا تنفعه بتبياني و تذكرتي، حتى تخرجه من دار الفناء و أنت عليه غضبان، و تصليه جهنّم و قلبه غير مطمئنّ بالإيمان.
ربّنا أفرغ فرغ علينا صبرا على ظلمه، و أعظم لنا من لدنك أجرا على هظمه، و اجعل لنا اسوة بنبيّك و أهل بيته الأطهار، و ارفع لنا عندك درجة في منازل الأبرار، إنّك ذو الفضل الجزيل، و الصنع الجميل.
روي عن شمس فلك النبوّة، و روح جسد الفتوّة، و من أعلى اللّه على كلّ علوّ علوّه، و أسمى على كلّ سموّ سموّه، بلبل دوح (اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ) 957 ، قارىء لوح (وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) 958 ، صدر مجلس (أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ)
(صَدْرَكَ) 959 ، بدر مشرق (وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) 960 ، تاج نبوّته (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ) 961 ، و منهاج ملّته (وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) 962 ، و قسم رسالته (يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) 963 ، و صحيفة أدبه (خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) 964 ، و معراج رفعته (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) 965 ، و كمال معرفته (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) 966 .
رسخت قدمه في صعيد المجد الأطول، و شمخت شجرته في روضة الشرف الأعبل، طار بقوادم التقديم لمّا اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، و فاز بدرجة التعظيم لمّا وطىء بأخمصه بساط العزّة و الكبرياء، نودي في ذلك المقام: دس البساط بنعليك، و خوطب بلسان الحال:
(إِنَّا أَوْحَيْنا) 967 النبيّون طلائع جنودك، و الكروبيّون مقدّمة عديدك، و (إِنَّا فَتَحْنا) 968 علم نصرتك و تأييدك، (وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) 969 علامة رفعتك و تمجيدك. 970
الدنيا و الآخرة في قبضة حكمك، و علوم الأوّلين و الآخرين كالقطرة في بحر علمك، لم أخلق خلقا أكرم منك عليّ، و لم أنشئ نشأ أدنى منك إليّ، السبع الطباق ميدان سباقك، و سدرة المنتهى غاية براقك، شجرتك في دوحة المجد نسقت، و نبعتك في ربوة العزّ سمقت، قلبك خزانة علمي، و شرعك مناط حكمي، و يمنك موضع سرّي، و أمرك قرين أمري.
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) 971 عنوان صحيفتك، (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) 972 توقيع رسالتك، يا بدر دجى أسريت به ليلا إلى حضرة قدسي، و يا شمس ضحى أبديت سناها من مقام انسي، خذ ما أتيتك بقوّة.
فإذا لسان حاله، صلّى اللّه عليه و آله: يا من شرّفني- بلذيذ مناجاته بي 973 - إلى الصفيح الأعلى من سماواته، و أطلعني على أسرار ملكوته، و أسمعني نغمة خطاب جبروته، ربّي و حقّ ما أزلفتني به من قربك، و أتحفتني من خالص حبّك، و ما ضمّت عليه جوانحي و أحشائي من صحّة يقيني و ولائي، و ما سكن من بهجتك في سواد ناظري و سويداء ما في قلبي إلّا جلال جمالك، و لا في نفسي إلّا بهاء كمالك، صرفت كلّي نحو طاعتك، و وجّهت وجهي إلى كعبة محبّتك، و وقفت سمعي على خطاب حضرتك، حلية لساني شريف ذكرك، و راحة جناني دوام شكرك.
يا معبودي و مقصودي، و من له خضوعي و سجودي، نوّر بمصابيح التوفيق سبيل سلوكي إليك، و احملني على مطايا التحقيق موضحا أدلّة الحقّ عليك، إنّك الهادي إلى طريق الرشاد، و الموضح سبيل السداد، هذا الّذي جليت
رين القلوب بذكر مفاخره، و جلوت على النفوس غروس مآثره، و نقلت درّه من طور مراتبه، و صببت قطرة من بحر مناقبه.
[إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله باستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام]
روي عنه بالروايات القاطعة، و الآثار الساطعة، متّصلة إليه صلّى اللّه عليه و آله أنّه صعد المنبر فخطب بعد أن اجتمع الناس إليه، فقال:
يا معشر المؤمنين، إنّ اللّه سبحانه أوحى إليّ أنّي مقبوض، و انّ ابن عمّي عليا مقتول، و إنّي- أيّها الناس- اخبركم بخبر إن عملتم به سلمتم، و إن تركتموه هلكتم، إنّ ابن عمّي عليا هو أخي و وزيري، و هو خليفتي، و هو المبلّغ عنّي، و هو إمام المتّقين، و قائد الغرّ المحجّلين، إن استرشدتموه أرشدكم، و إن تبعتموه نجوتم، و إن خالفتموه ضللتم، و إن أطعتموه فاللّه أطعتم، و إن عصيتموه فاللّه عصيتم، و إن بايعتموه فاللّه بايعتم، و إن نكثتم بيعته فبيعة اللّه نكثتم، و إنّ اللّه سبحانه أنزل عليّ القرآن، و هو الّذي من خالفه ضلّ، و من ابتغى علمه عند غير علي هلك.
أيّها الناس، اسمعوا قولي، و اعرفوا حقّ نصيحتي، و لا تخلفوني في أهل بيتي إلّا بالّذي امرتم به من حقّهم 974 ، فإنّهم حامتي و قرابتي و إخوتي و أولادي، و إنّكم مجموعون و مساءلون عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، إنّهم أهل بيتي، فمن آذاهم آذاني، و من ظلمهم ظلمني، و من أذلّهم أذلّني، و من أعزّهم أعزّني، و من أكرمهم أكرمني [و من نصرهم نصرني، و من خذلهم خذلني، و من طلب الهدى في غيرهم فقد كذّبني] 975 ..
أيّها الناس، اتّقوا اللّه و انظروا ما أنتم قائلون إذا لقيتموه، فإنّي خصيم لمن
آذاهم، و من كنت خصمه خصمه اللّه 976 ، أقول قولي [هذا] 977 و أستغفر اللّه لي و لكم 978 .
أقول: في موجب هذه الخطبة الّتي ذكر الرسول صلّى اللّه عليه و آله فيها شرف أمير المؤمنين، و أبان عن فضله الّذي لا يوازيه فضل أحد من العالمين، إذ اختصّه بخلافته و إخوته، و سجّل انّه الأولى بتدبير امّته، و أوضح عن شرف رتبته، و أفصح برفعة منزلته بقوله: هذا أخي و وزيري و خليفتي و المبلّغ عنّي، ثمّ زاده شرفا بقوله: هو إمام المتّقين، و قائد الغرّ المحجّلين، و إنّما خصّ المتّقين بالذكر لكونهم هم الفائزون بإخلاص الطاعة له في سرّهم و علانيتهم، و هم المتّبعون بأداء أمره و نواهيه في ظواهرهم و بواطنهم، و هم الّذين اهتدوا فزادهم اللّه هدى و آتاهم تقواهم 979 ، و هم الّذين اعتصموا بحبل اللّه فعصموا من الردى في دنياهم و اخراهم 980 ، و ان كان صلوات اللّه عليه إماما لجميع الخلق من الثقلين، و سيّدا لمن أقرّ بتوحيد ربّ المشرقين و ربّ المغربين.
ثمّ عرّفنا صلّى اللّه عليه و آله إن استرشدناه استرشدنا، و إن تبعناه نجونا، و إن خالفناه ضللنا، و إن أطعناه فاللّه أطعنا، و إن عصيناه فاللّه عصينا، و إن
بايعناه فاللّه بايعنا، و إن نكثنا بيعته فبيعة اللّه نكثنا.
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه أنزل عليّ القرآن الّذي من خالفه ضلّ، و من ابتغى علمه عند غير عليّ هلك.
و ما كان صلّى اللّه عليه و آله ليثبت له هذه الخصائص تشهّيا، و لا ليوجب له هذه الفضائل اقتراحا، بل بوحي يوحى، لكونه صلّى اللّه عليه و آله لا ينطق عن الهوى 981 .
و لم يكن سبحانه ليوجب علينا متابعته، و يفرض علينا ولايته، و لا يحثّنا على الاستمساك بعروته، و يأمرنا بسلوك طريقته، إلّا لأنّه سبحانه علم تشدّده في حبّه، و إخلاصه بقالبه و قلبه.
قد طهّره سبحانه بالعصمة، و أيّده بالحكمة، لا تأخذه فيه لومة لائم، و لا يثني عزيمته عن التوجّه إليه عقائد العزائم، قلبه منبع الأسرار الإلهيّة، و نفسه معدن العلوم الربّانيّة و الفضائل النفسانيّة، إلى كعبة علومه تشدّ الرحال، و ببيت معارفه يطوف الرجال، و على قواعد استنباطه تبنى الأحكام، و هو الّذي وضع قوانين العلوم بأسرها، و تفرّد دون الخلق بضبطها و حصرها، فالعلوم الإلهيّة من عين يقينه نبعت، الأحكام الشرعيّة من تحقيقه و تبيينه تفرّعت، و موازين الفصاحة بلسانه استقام لسانها، و قعر البلاغة بنهج بلاغته قامت سوقها و استقامت أوزانها، و القواعد الرياضيّة بحدّة فطنته أوضح غامض إشكالها، و أقام البرهان على وحدة الصانع و وجوب وجوده بترتيب قضاياها و أشكالها.
كلّ علم لا يعزى إليه فهو باطل، و كلّ نثر لا يحلّى بجواهر كلامه فهو
عاطل، و كلّ عالم لا يعتمد عليه فهو جاهل، و كلّ منطبق لا يقفو أثره فهو باقل 982 ، و كلّ فاضل لا يحذو حذوه فهو خامل.
ما من علم إلّا و هو أصله و فرعه، و ما من أدب إلّا و هو بصره و سمعه، إليه يرجع المتألّهون في سلوكهم، و بنور كشفه تكشف ظلمة الحيرة من سلوكهم، أقدم الناس سلما، و أغزرهم علما، و أعرفهم بكتاب اللّه، و أذبّهم عن وجه رسول اللّه.
سيفه القاطع، و نوره الساطع، و صدّيقه الصادق، و لسانه الناطق، و أنيس وحشته، و جليس وحدته، و وليّ عهده، و أبو ولده، و أفضل الخلق من بعده، لم يسبقه الأوّلون بعلم و جهاد، و لم يلحقه الآخرون بجدّ و اجتهاد، نصر الرسول إذ خذلوا، و آزره إذ فشلوا، و آثره بنفسه إذ بخلوا، و استقام على طريقته، إذ غيّروا و بدّلوا.
مجده شامخ، و علمه راسخ، كم حجّة لمارق أدحض، و كم شبهة لزاهق قوّض، و كم علم للشرك نكّس، و كم جدّ للظلم أتعس، و كم جمع للنفاق أركس، و كم منطبق من اولي الشقاق أبلس، أوّل من صام و صلّى و تصدّق، و أقام الإسلام في بدر و حنين و احد و الخندق، كم قصم فقار مشرك بذي الفقار، كالوليد و عمرو و ذي الخمار 983 ، ردّت له الشمس و قد دنت للطفل، حتى أدّى فرضه و عن طاعة ربّه ما اشتغل.
أوّل في الدين ذو قدم
و له عزّ إذا انتسبا
خصّه ربّي فصيّره