کتابخانه روایات شیعه
الدنيا و الآخرة في قبضة حكمك، و علوم الأوّلين و الآخرين كالقطرة في بحر علمك، لم أخلق خلقا أكرم منك عليّ، و لم أنشئ نشأ أدنى منك إليّ، السبع الطباق ميدان سباقك، و سدرة المنتهى غاية براقك، شجرتك في دوحة المجد نسقت، و نبعتك في ربوة العزّ سمقت، قلبك خزانة علمي، و شرعك مناط حكمي، و يمنك موضع سرّي، و أمرك قرين أمري.
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) 971 عنوان صحيفتك، (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) 972 توقيع رسالتك، يا بدر دجى أسريت به ليلا إلى حضرة قدسي، و يا شمس ضحى أبديت سناها من مقام انسي، خذ ما أتيتك بقوّة.
فإذا لسان حاله، صلّى اللّه عليه و آله: يا من شرّفني- بلذيذ مناجاته بي 973 - إلى الصفيح الأعلى من سماواته، و أطلعني على أسرار ملكوته، و أسمعني نغمة خطاب جبروته، ربّي و حقّ ما أزلفتني به من قربك، و أتحفتني من خالص حبّك، و ما ضمّت عليه جوانحي و أحشائي من صحّة يقيني و ولائي، و ما سكن من بهجتك في سواد ناظري و سويداء ما في قلبي إلّا جلال جمالك، و لا في نفسي إلّا بهاء كمالك، صرفت كلّي نحو طاعتك، و وجّهت وجهي إلى كعبة محبّتك، و وقفت سمعي على خطاب حضرتك، حلية لساني شريف ذكرك، و راحة جناني دوام شكرك.
يا معبودي و مقصودي، و من له خضوعي و سجودي، نوّر بمصابيح التوفيق سبيل سلوكي إليك، و احملني على مطايا التحقيق موضحا أدلّة الحقّ عليك، إنّك الهادي إلى طريق الرشاد، و الموضح سبيل السداد، هذا الّذي جليت
رين القلوب بذكر مفاخره، و جلوت على النفوس غروس مآثره، و نقلت درّه من طور مراتبه، و صببت قطرة من بحر مناقبه.
[إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله باستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام]
روي عنه بالروايات القاطعة، و الآثار الساطعة، متّصلة إليه صلّى اللّه عليه و آله أنّه صعد المنبر فخطب بعد أن اجتمع الناس إليه، فقال:
يا معشر المؤمنين، إنّ اللّه سبحانه أوحى إليّ أنّي مقبوض، و انّ ابن عمّي عليا مقتول، و إنّي- أيّها الناس- اخبركم بخبر إن عملتم به سلمتم، و إن تركتموه هلكتم، إنّ ابن عمّي عليا هو أخي و وزيري، و هو خليفتي، و هو المبلّغ عنّي، و هو إمام المتّقين، و قائد الغرّ المحجّلين، إن استرشدتموه أرشدكم، و إن تبعتموه نجوتم، و إن خالفتموه ضللتم، و إن أطعتموه فاللّه أطعتم، و إن عصيتموه فاللّه عصيتم، و إن بايعتموه فاللّه بايعتم، و إن نكثتم بيعته فبيعة اللّه نكثتم، و إنّ اللّه سبحانه أنزل عليّ القرآن، و هو الّذي من خالفه ضلّ، و من ابتغى علمه عند غير علي هلك.
أيّها الناس، اسمعوا قولي، و اعرفوا حقّ نصيحتي، و لا تخلفوني في أهل بيتي إلّا بالّذي امرتم به من حقّهم 974 ، فإنّهم حامتي و قرابتي و إخوتي و أولادي، و إنّكم مجموعون و مساءلون عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، إنّهم أهل بيتي، فمن آذاهم آذاني، و من ظلمهم ظلمني، و من أذلّهم أذلّني، و من أعزّهم أعزّني، و من أكرمهم أكرمني [و من نصرهم نصرني، و من خذلهم خذلني، و من طلب الهدى في غيرهم فقد كذّبني] 975 ..
أيّها الناس، اتّقوا اللّه و انظروا ما أنتم قائلون إذا لقيتموه، فإنّي خصيم لمن
آذاهم، و من كنت خصمه خصمه اللّه 976 ، أقول قولي [هذا] 977 و أستغفر اللّه لي و لكم 978 .
أقول: في موجب هذه الخطبة الّتي ذكر الرسول صلّى اللّه عليه و آله فيها شرف أمير المؤمنين، و أبان عن فضله الّذي لا يوازيه فضل أحد من العالمين، إذ اختصّه بخلافته و إخوته، و سجّل انّه الأولى بتدبير امّته، و أوضح عن شرف رتبته، و أفصح برفعة منزلته بقوله: هذا أخي و وزيري و خليفتي و المبلّغ عنّي، ثمّ زاده شرفا بقوله: هو إمام المتّقين، و قائد الغرّ المحجّلين، و إنّما خصّ المتّقين بالذكر لكونهم هم الفائزون بإخلاص الطاعة له في سرّهم و علانيتهم، و هم المتّبعون بأداء أمره و نواهيه في ظواهرهم و بواطنهم، و هم الّذين اهتدوا فزادهم اللّه هدى و آتاهم تقواهم 979 ، و هم الّذين اعتصموا بحبل اللّه فعصموا من الردى في دنياهم و اخراهم 980 ، و ان كان صلوات اللّه عليه إماما لجميع الخلق من الثقلين، و سيّدا لمن أقرّ بتوحيد ربّ المشرقين و ربّ المغربين.
ثمّ عرّفنا صلّى اللّه عليه و آله إن استرشدناه استرشدنا، و إن تبعناه نجونا، و إن خالفناه ضللنا، و إن أطعناه فاللّه أطعنا، و إن عصيناه فاللّه عصينا، و إن
بايعناه فاللّه بايعنا، و إن نكثنا بيعته فبيعة اللّه نكثنا.
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه أنزل عليّ القرآن الّذي من خالفه ضلّ، و من ابتغى علمه عند غير عليّ هلك.
و ما كان صلّى اللّه عليه و آله ليثبت له هذه الخصائص تشهّيا، و لا ليوجب له هذه الفضائل اقتراحا، بل بوحي يوحى، لكونه صلّى اللّه عليه و آله لا ينطق عن الهوى 981 .
و لم يكن سبحانه ليوجب علينا متابعته، و يفرض علينا ولايته، و لا يحثّنا على الاستمساك بعروته، و يأمرنا بسلوك طريقته، إلّا لأنّه سبحانه علم تشدّده في حبّه، و إخلاصه بقالبه و قلبه.
قد طهّره سبحانه بالعصمة، و أيّده بالحكمة، لا تأخذه فيه لومة لائم، و لا يثني عزيمته عن التوجّه إليه عقائد العزائم، قلبه منبع الأسرار الإلهيّة، و نفسه معدن العلوم الربّانيّة و الفضائل النفسانيّة، إلى كعبة علومه تشدّ الرحال، و ببيت معارفه يطوف الرجال، و على قواعد استنباطه تبنى الأحكام، و هو الّذي وضع قوانين العلوم بأسرها، و تفرّد دون الخلق بضبطها و حصرها، فالعلوم الإلهيّة من عين يقينه نبعت، الأحكام الشرعيّة من تحقيقه و تبيينه تفرّعت، و موازين الفصاحة بلسانه استقام لسانها، و قعر البلاغة بنهج بلاغته قامت سوقها و استقامت أوزانها، و القواعد الرياضيّة بحدّة فطنته أوضح غامض إشكالها، و أقام البرهان على وحدة الصانع و وجوب وجوده بترتيب قضاياها و أشكالها.
كلّ علم لا يعزى إليه فهو باطل، و كلّ نثر لا يحلّى بجواهر كلامه فهو
عاطل، و كلّ عالم لا يعتمد عليه فهو جاهل، و كلّ منطبق لا يقفو أثره فهو باقل 982 ، و كلّ فاضل لا يحذو حذوه فهو خامل.
ما من علم إلّا و هو أصله و فرعه، و ما من أدب إلّا و هو بصره و سمعه، إليه يرجع المتألّهون في سلوكهم، و بنور كشفه تكشف ظلمة الحيرة من سلوكهم، أقدم الناس سلما، و أغزرهم علما، و أعرفهم بكتاب اللّه، و أذبّهم عن وجه رسول اللّه.
سيفه القاطع، و نوره الساطع، و صدّيقه الصادق، و لسانه الناطق، و أنيس وحشته، و جليس وحدته، و وليّ عهده، و أبو ولده، و أفضل الخلق من بعده، لم يسبقه الأوّلون بعلم و جهاد، و لم يلحقه الآخرون بجدّ و اجتهاد، نصر الرسول إذ خذلوا، و آزره إذ فشلوا، و آثره بنفسه إذ بخلوا، و استقام على طريقته، إذ غيّروا و بدّلوا.
مجده شامخ، و علمه راسخ، كم حجّة لمارق أدحض، و كم شبهة لزاهق قوّض، و كم علم للشرك نكّس، و كم جدّ للظلم أتعس، و كم جمع للنفاق أركس، و كم منطبق من اولي الشقاق أبلس، أوّل من صام و صلّى و تصدّق، و أقام الإسلام في بدر و حنين و احد و الخندق، كم قصم فقار مشرك بذي الفقار، كالوليد و عمرو و ذي الخمار 983 ، ردّت له الشمس و قد دنت للطفل، حتى أدّى فرضه و عن طاعة ربّه ما اشتغل.
أوّل في الدين ذو قدم
و له عزّ إذا انتسبا
خصّه ربّي فصيّره
لبني بنت النبيّ أبا
فهو سيّد الوصيّين، و زوج سيّدة نساء العالمين، و ابناه سيّدا شباب أهل الجنّة، و عمّه حمزة سيّد الشهداء، و أخوه جعفر يسمّى ملكا، سيّد الطيور في الجنّة يطير مع الملائكة، و أبوه سيّد العرب حامي رسول اللّه، و جدّه رئيس مكّة، و جدّ جدّه عبد مناف سيّد العرب، و حماته أمّ المؤمنين أوّل امرأة أسلمت و صلّت و أنفقت، و منها نسل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و امّه فاطمة بنت أسد أوّل هاشميّة ولدت من هاشميّين.
[قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام: «لك أشياء ليس لي مثلها»]
و روى الثقات عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: يا عليّ، لك أشياء ليس لي مثلها؛ إنّ لك زوجة مثل فاطمة و ليس لي مثلها، و لك ولدين من صلبك و ليس لي مثلهما من صلبي، و لك مثل خديجة أمّ أهلك و ليس لي مثلها، و لك حمو 984 مثلي و ليس لي حمو مثلي، و لك أخ في النسب مثل جعفر و ليس لي مثله في النسب، و لك أمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشميّة المهاجرة و ليس لي أمّ مثلها.
سلمان و أبو ذرّ و المقداد: انّ رجلا فاخر عليّا عليه السلام فقال [النبيّ صلّى اللّه عليه و آله] 985 : إن فاخرت العرب فأنت أكرمهم ابن عمّ، و أكرمهم نفسا، و أكرمهم زوجة، و أكرمهم ولدا، و أكرمهم أخا، و أكرمهم عمّا، و أعظمهم حلما، و أكثرهم علما، و أقدمهم سلما، [و في خبر:] 986 و أشجعهم قلبا، و أسخاهم كفّا.
و في خبر آخر: أنت أفضل أمّتي فضلا 987 .
و روى شيخ السنّة القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد في خبر طويل أنّ
فاطمة بنت أسد رأت النبي صلّى اللّه عليه و آله يأكل تمرا له رائحة تزداد على كلّ الأطائب من المسك و العنبر، من نخلة لا شماريخ لها، فقالت: ناولني- يا رسول اللّه- أنل منها.
قال صلّى اللّه عليه و آله: لا تصالح إلّا أن تشهدي معي [أن] 988 لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه، فشهدت الشهادتين، فناولها فأكلت، فازدادت رغبتها، و طلبت اخرى لأبي طالب، فأوعز إليها صلّى اللّه عليه و آله ألّا تعطيه إلّا بعد الشهادتين.
فلمّا جنّ عليها الليل اشتمّ أبو طالب نسيما ما اشتمّ مثله قطّ فأظهرت ما معها فالتمسه منها، فأبت عليه 989 إلّا أن يشهد الشهادتين، فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين غير أنّه سألها أن تكتم عليه لئلّا تعيّره قريش، فعاهدته على ذلك، و أعطته ما معها و دنا إليها، فعلقت بعليّ صلوات اللّه عليه في تلك الليلة، و لمّا علقت بعليّ عليه السلام ازداد حسنها، و كان يتكلّم في بطنها، و كانت يوما في الكعبة فتكلّم عليّ عليه السلام مع جعفر فغشي عليه، فالتفتت فإذا الأصنام خرّت على وجوهها، فمسحت على بطنها و قالت: يا قرّة العين، تخدمك 990 الأصنام فيّ داخلا، فكيف شأنك خارجا؟! و ذكرت لأبي طالب ذلك، فقال: هو الّذي قال لي عنه أسد في طريق الطائف 991 .
[ميلاد أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في الكعبة]