کتابخانه روایات شیعه
آذاهم، و من كنت خصمه خصمه اللّه 976 ، أقول قولي [هذا] 977 و أستغفر اللّه لي و لكم 978 .
أقول: في موجب هذه الخطبة الّتي ذكر الرسول صلّى اللّه عليه و آله فيها شرف أمير المؤمنين، و أبان عن فضله الّذي لا يوازيه فضل أحد من العالمين، إذ اختصّه بخلافته و إخوته، و سجّل انّه الأولى بتدبير امّته، و أوضح عن شرف رتبته، و أفصح برفعة منزلته بقوله: هذا أخي و وزيري و خليفتي و المبلّغ عنّي، ثمّ زاده شرفا بقوله: هو إمام المتّقين، و قائد الغرّ المحجّلين، و إنّما خصّ المتّقين بالذكر لكونهم هم الفائزون بإخلاص الطاعة له في سرّهم و علانيتهم، و هم المتّبعون بأداء أمره و نواهيه في ظواهرهم و بواطنهم، و هم الّذين اهتدوا فزادهم اللّه هدى و آتاهم تقواهم 979 ، و هم الّذين اعتصموا بحبل اللّه فعصموا من الردى في دنياهم و اخراهم 980 ، و ان كان صلوات اللّه عليه إماما لجميع الخلق من الثقلين، و سيّدا لمن أقرّ بتوحيد ربّ المشرقين و ربّ المغربين.
ثمّ عرّفنا صلّى اللّه عليه و آله إن استرشدناه استرشدنا، و إن تبعناه نجونا، و إن خالفناه ضللنا، و إن أطعناه فاللّه أطعنا، و إن عصيناه فاللّه عصينا، و إن
بايعناه فاللّه بايعنا، و إن نكثنا بيعته فبيعة اللّه نكثنا.
ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه أنزل عليّ القرآن الّذي من خالفه ضلّ، و من ابتغى علمه عند غير عليّ هلك.
و ما كان صلّى اللّه عليه و آله ليثبت له هذه الخصائص تشهّيا، و لا ليوجب له هذه الفضائل اقتراحا، بل بوحي يوحى، لكونه صلّى اللّه عليه و آله لا ينطق عن الهوى 981 .
و لم يكن سبحانه ليوجب علينا متابعته، و يفرض علينا ولايته، و لا يحثّنا على الاستمساك بعروته، و يأمرنا بسلوك طريقته، إلّا لأنّه سبحانه علم تشدّده في حبّه، و إخلاصه بقالبه و قلبه.
قد طهّره سبحانه بالعصمة، و أيّده بالحكمة، لا تأخذه فيه لومة لائم، و لا يثني عزيمته عن التوجّه إليه عقائد العزائم، قلبه منبع الأسرار الإلهيّة، و نفسه معدن العلوم الربّانيّة و الفضائل النفسانيّة، إلى كعبة علومه تشدّ الرحال، و ببيت معارفه يطوف الرجال، و على قواعد استنباطه تبنى الأحكام، و هو الّذي وضع قوانين العلوم بأسرها، و تفرّد دون الخلق بضبطها و حصرها، فالعلوم الإلهيّة من عين يقينه نبعت، الأحكام الشرعيّة من تحقيقه و تبيينه تفرّعت، و موازين الفصاحة بلسانه استقام لسانها، و قعر البلاغة بنهج بلاغته قامت سوقها و استقامت أوزانها، و القواعد الرياضيّة بحدّة فطنته أوضح غامض إشكالها، و أقام البرهان على وحدة الصانع و وجوب وجوده بترتيب قضاياها و أشكالها.
كلّ علم لا يعزى إليه فهو باطل، و كلّ نثر لا يحلّى بجواهر كلامه فهو
عاطل، و كلّ عالم لا يعتمد عليه فهو جاهل، و كلّ منطبق لا يقفو أثره فهو باقل 982 ، و كلّ فاضل لا يحذو حذوه فهو خامل.
ما من علم إلّا و هو أصله و فرعه، و ما من أدب إلّا و هو بصره و سمعه، إليه يرجع المتألّهون في سلوكهم، و بنور كشفه تكشف ظلمة الحيرة من سلوكهم، أقدم الناس سلما، و أغزرهم علما، و أعرفهم بكتاب اللّه، و أذبّهم عن وجه رسول اللّه.
سيفه القاطع، و نوره الساطع، و صدّيقه الصادق، و لسانه الناطق، و أنيس وحشته، و جليس وحدته، و وليّ عهده، و أبو ولده، و أفضل الخلق من بعده، لم يسبقه الأوّلون بعلم و جهاد، و لم يلحقه الآخرون بجدّ و اجتهاد، نصر الرسول إذ خذلوا، و آزره إذ فشلوا، و آثره بنفسه إذ بخلوا، و استقام على طريقته، إذ غيّروا و بدّلوا.
مجده شامخ، و علمه راسخ، كم حجّة لمارق أدحض، و كم شبهة لزاهق قوّض، و كم علم للشرك نكّس، و كم جدّ للظلم أتعس، و كم جمع للنفاق أركس، و كم منطبق من اولي الشقاق أبلس، أوّل من صام و صلّى و تصدّق، و أقام الإسلام في بدر و حنين و احد و الخندق، كم قصم فقار مشرك بذي الفقار، كالوليد و عمرو و ذي الخمار 983 ، ردّت له الشمس و قد دنت للطفل، حتى أدّى فرضه و عن طاعة ربّه ما اشتغل.
أوّل في الدين ذو قدم
و له عزّ إذا انتسبا
خصّه ربّي فصيّره
لبني بنت النبيّ أبا
فهو سيّد الوصيّين، و زوج سيّدة نساء العالمين، و ابناه سيّدا شباب أهل الجنّة، و عمّه حمزة سيّد الشهداء، و أخوه جعفر يسمّى ملكا، سيّد الطيور في الجنّة يطير مع الملائكة، و أبوه سيّد العرب حامي رسول اللّه، و جدّه رئيس مكّة، و جدّ جدّه عبد مناف سيّد العرب، و حماته أمّ المؤمنين أوّل امرأة أسلمت و صلّت و أنفقت، و منها نسل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و امّه فاطمة بنت أسد أوّل هاشميّة ولدت من هاشميّين.
[قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام: «لك أشياء ليس لي مثلها»]
و روى الثقات عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: يا عليّ، لك أشياء ليس لي مثلها؛ إنّ لك زوجة مثل فاطمة و ليس لي مثلها، و لك ولدين من صلبك و ليس لي مثلهما من صلبي، و لك مثل خديجة أمّ أهلك و ليس لي مثلها، و لك حمو 984 مثلي و ليس لي حمو مثلي، و لك أخ في النسب مثل جعفر و ليس لي مثله في النسب، و لك أمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشميّة المهاجرة و ليس لي أمّ مثلها.
سلمان و أبو ذرّ و المقداد: انّ رجلا فاخر عليّا عليه السلام فقال [النبيّ صلّى اللّه عليه و آله] 985 : إن فاخرت العرب فأنت أكرمهم ابن عمّ، و أكرمهم نفسا، و أكرمهم زوجة، و أكرمهم ولدا، و أكرمهم أخا، و أكرمهم عمّا، و أعظمهم حلما، و أكثرهم علما، و أقدمهم سلما، [و في خبر:] 986 و أشجعهم قلبا، و أسخاهم كفّا.
و في خبر آخر: أنت أفضل أمّتي فضلا 987 .
و روى شيخ السنّة القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد في خبر طويل أنّ
فاطمة بنت أسد رأت النبي صلّى اللّه عليه و آله يأكل تمرا له رائحة تزداد على كلّ الأطائب من المسك و العنبر، من نخلة لا شماريخ لها، فقالت: ناولني- يا رسول اللّه- أنل منها.
قال صلّى اللّه عليه و آله: لا تصالح إلّا أن تشهدي معي [أن] 988 لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه، فشهدت الشهادتين، فناولها فأكلت، فازدادت رغبتها، و طلبت اخرى لأبي طالب، فأوعز إليها صلّى اللّه عليه و آله ألّا تعطيه إلّا بعد الشهادتين.
فلمّا جنّ عليها الليل اشتمّ أبو طالب نسيما ما اشتمّ مثله قطّ فأظهرت ما معها فالتمسه منها، فأبت عليه 989 إلّا أن يشهد الشهادتين، فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين غير أنّه سألها أن تكتم عليه لئلّا تعيّره قريش، فعاهدته على ذلك، و أعطته ما معها و دنا إليها، فعلقت بعليّ صلوات اللّه عليه في تلك الليلة، و لمّا علقت بعليّ عليه السلام ازداد حسنها، و كان يتكلّم في بطنها، و كانت يوما في الكعبة فتكلّم عليّ عليه السلام مع جعفر فغشي عليه، فالتفتت فإذا الأصنام خرّت على وجوهها، فمسحت على بطنها و قالت: يا قرّة العين، تخدمك 990 الأصنام فيّ داخلا، فكيف شأنك خارجا؟! و ذكرت لأبي طالب ذلك، فقال: هو الّذي قال لي عنه أسد في طريق الطائف 991 .
[ميلاد أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في الكعبة]
و روى الحسن بن محبوب، عن الصادق عليه السلام أنّه لمّا أخذ فاطمة
بنت أسد الطلق أتت الكعبة فانفتح البيت من ظهره و دخلت فاطمة فيه، ثمّ عادت الفتحة و التصقت و بقيت فيه ثلاثة أيّام تأكل من ثمار الجنّة و أرزاقها حتى ولدت أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الكعبة.
و قيل؛ إنّه لمّا أخذها المخاض أتت الكعبة و قالت: ربّ إنّي مؤمنة بك و بما جاء من عندك من كتب و رسل، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم، فبحقّ الّذي بنى هذا البيت، و بحقّ المولود الّذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي.
فانفتح البيت و دخلت فيه و إذا بحوّاء و مريم و آسية و أمّ موسى، و صنعن به كما صنعن برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند ولادته، فلمّا ولدته سجد على الأرض يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، [و أشهد أنّ عليّا وصيّ محمد رسول اللّه] 992 ، بمحمد تختم النبوّة، و بي تتمّ الوصيّة، و أنا أمير المؤمنين، ثمّ سلّم على النساء، و أشرقت الأرض 993 بضيائها، فخرج أبو طالب و هو يقول: أبشروا، فقد خرج وليّ اللّه.
و في رواية اخرى: انّه لمّا خرجت به امّه من البيت قال لأبي طالب:
السلام عليك يا أبة و رحمة اللّه و بركاته، ثمّ تنحنح و قرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) 994 الآيات، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قد أفلحوا بك، أنت و اللّه أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون، و أنت و اللّه دليلهم و بك يهتدون.
و وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لسانه في فيه فانفجر اثنتا عشرة
عينا- الحديث- فحنّكه رسول اللّه بريقه، و أذّن في اذنه اليمنى، و أقام في اليسرى، فعرف الشهادتين و ولد على الفطرة 995 .
و روي أنّه لمّا ولد [عليّ عليه السلام] 996 أخذ أبو طالب بيد فاطمة- و عليّ على صدره- و خرج ليلا إلى الأبطح و نادى:
يا ربّ هذا الغسق الدجيّ
و القمر المبتلج المضيّ
بيّن لنا من حكمك المقضيّ
[ ما ذا ترى في اسم ذا الصبيّ؟ ] 997
قال: فجاء شيء كالسحاب يدبّ على وجه الأرض حتى حصل في صدر أبي طالب فضمّه مع عليّ إلى صدره، فلمّا أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب:
خصصتما بالولد الزكيّ
و الطاهر المنتجب الرضيّ
فاسمه من شامخ عليّ
عليّ اشتقّ من العليّ 998