کتابخانه روایات شیعه
فقال: ما أحسب عليّا فيكم. فاخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك، فجاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و قال: أنا وحدي لهم سريّة، يا رسول اللّه، فعمّمه و درّعه و قلّده سيفه و أركبه فرسه.
فخرج أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فمكث ثلاثة أيّام لا يصل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منه خبر لا من السماء و لا من الأرض، فأقعدت فاطمة عليها السلام الحسن و الحسين عليهما السلام على وركيها، و هي تقول:
يوشك أن تؤتم هذين الغلامين.
فأسبل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عينيه يبكي، ثمّ قال: معاشر الناس، من يأتيني بخبر علي فابشّره بالجنّة.
فافترق الناس في طلبه، و أقبل عامر 1100 بن قتادة يبشّر بعليّ، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام و معه أسيران، و رأس، و ثلاثة أبعرة، و ثلاثة أفراس، و قال: لمّا صرت في الوادي رأيت هؤلاء ركبانا على الأباعر، فنادوني: من أنت؟
فقلت: أنا علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فشدّ عليّ هذا المقتول و دارت 1101 بيني و بينه ضربات، و هبّت ريح حمراء سمعت صوتك فيها- يا رسول اللّه- و أنت تقول: قطعت لك جربّان 1102 درعه، فضربته، فلم أحفه 1103 ، ثمّ هبّت ريح صفراء سمعت صوتك فيها و أنت تقول: قلبت لك
الدرع عن فخذه، فضربته و وكزته 1104 ، فقال الرجلان: صاحبنا هذا كان يعدّ بألف فارس فلا تعجل علينا، و قد بلغنا أنّ محمدا رفيق شفيق رحيم فاحملنا إليه.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أمّا الصوت الأوّل فصوت جبرئيل، و الآخر فصوت ميكائيل، فعرض النبيّ عليهما الإسلام فأبيا، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقتلهما، فقتل أحدهما بعد أن عرض عليه الاسلام و أبى، و قال [الآخر] 1105 : الحقني بصاحبي، فهمّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بقتل الآخر، فهبط جبرائيل و قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تقتله، فإنّه حسن الخلق، سخيّ في قومه.
فقال النبيّ: يا علي، أمسك، فإنّ هذا رسول اللّه جبرئيل يخبرني انّه سخيّ في قومه، حسن الخلق.
فقال الرجل: و اللّه ما ملكت مع أخ لي درهما قطّ، و لا قطبت 1106 وجهي في الحرب 1107 ، و أنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه 1108 .
و من قوّته و شدّته انّه قلع باب خيبر.
[أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دفع الراية إلى عليّ عليه السلام يوم خيبر]
روى أحمد بن حنبل، عن مشيخته، عن جابر بن عبد اللّه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دفع الراية إلى عليّ صلوات اللّه عليه يوم خيبر بعد أن دعا له،
فجعل يسرع السير و أصحابه يقولون له: ارفق، حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه و ألقاه على الأرض، ثمّ اجتمع منّا سبعون رجلا و كان جاهدهم أن أعادوا الباب 1109 .
أبو عبد اللّه الحافظ بإسناده إلى أبي رافع: لمّا دنا عليّ من القموص أقبلوا يرمونه بالنبل و الحجارة، فحمل حتى دنا من الباب فاقتلعه، ثمّ رمى به خلف ظهره أربعين ذراعا، و لقد تكلّف حمله أربعون رجلا فما أطاقوا 1110 .
و روى أبو القاسم محفوظ 1111 البستي في كتاب الدرجات أنّ أمير المؤمنين بعد أن قتل مرحب حمل على القوم فانهزموا إلى الحصن، فتقدّم إلى باب الحصن و ضبط حلقته- و كان وزنها أربعين منّا- و هزّ الباب، فارتعد الحصن بأجمعه حتى ظنّوا زلزلة، ثمّ هزّه اخرى فقلعه، و دحا به في الهوى أربعين ذراعا 1112 .
أبو سعيد الخدري: [و هزّ حصن خيبر حتى] 1113 قالت صفيّة: كنت جالسة على طاق كما تجلس العروس، فوقعت على وجهي، فظننت الزلزلة؛ فقيل: هذا عليّ قد هزّ الحصن يريد أن يقلع الباب 1114 .
و في كتاب رامشأفزاي 1115 قال: كان طول الباب ثمانية عشر ذراعا، و عرض الخندق عشرون، فوضع صلوات اللّه عليه طرف الباب على الخندق
و ضبط بيده الطرف الآخر، حتى عبر الجيش و كانوا ثمانية آلاف [و سبعمائة رجل، و فيهم من كان يتردّد و يخف عليه] 1116 1117 .
روض الجنان: قال بعض الصحابة: ما عجبنا يا رسول اللّه من قوّته في حمله و رميه، و إنّما عجبنا من إجساره و إحدى طرفيه على يده!
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله كلاما معناه: يا هذا، نظرت إلى يده فانظر إلى رجليه.
قال: فنظرت إلى رجليه فوجدتهما معلّقتين 1118 في الهواء، فقلت: هذا أعجب [رجلاه] 1119 على الهواء!
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: ليستا على الهواء و إنّما هما على جناحي 1120 جبرائيل 1121 .
[في توجّه أمير المؤمنين عليه السلام إلى اللّه و إقباله عليه، و إعراضه عن الدنيا]
و أمّا توجّهه إلى اللّه و إقباله بقلبه و كلّيته عليه، و إعراضه عن الدنيا فلا يختلف فيه أحد.
تفسير وكيع و عطاء و السدّي: انّه قال ابن عبّاس: اهدي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ناقتان سمينتان عظيمتان، فقال لأصحابه: هل فيكم أحد يصلّي ركعتين بقيامهما و ركوعهما و سجودهما و وضوئهما و خشوعهما لا يهتمّ فيهما من أمر الدنيا بشيء، و لا يحدّث قلبه بفكر الدنيا أهدي إليه إحدى
الناقتين؟
فقال لهم مرّة بعد مرّة، فلم يجبه أحد من الصحابة، فقام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، فقال: أنا- يا رسول اللّه- اصلّي ركعتين اكبّر التكبيرة الاولى و إلى أن اسلّم منهما، لا احدّث نفسي بشيء من أمر الدنيا.
فقال: يا عليّ، صلّ صلّى اللّه عليك، فكبّر أمير المؤمنين و دخل في الصلاة، فلمّا سلّم من الركعتين هبط جبرئيل، و قال: يا رسول اللّه، إنّ اللّه يقرئك السلام، و يقول: أعط عليّا إحدى الناقتين.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّي شارطته أن يصلّي ركعتين لا يحدّث [فيهما] 1122 نفسه بشيء من الدنيا، و إنّه جلس في التشهّد فتفكّر في نفسه أيّهما يأخذ.
فقال جبرائيل: إنّ اللّه يقرئك السلام، و يقول لك: إنّه تفكّر أيّهما يأخذ، أسمنهما و أعظمهما فينحرها و يتصدّق بها لوجه اللّه، فكان تفكّره للّه عزّ و جلّ لا لنفسه [و لا للدنيا] 1123 ، فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أعطاه كلتيهما، و أنزل اللّه فيه: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ) 1124 أي يستمع أمير المؤمنين باذنيه إلى ما تلاه بلسانه من كلام اللّه، لا يتفكّر 1125 بشيء من أمر الدنيا، بمعنى أنّه حاضر القلب في صلاته للّه 1126 .
و أمّا سبقه بالعلم، فروى مقاتل بن سليمان، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس في قوله 1127 تعالى: (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) 1128 قال: كان عليّ يخشى اللّه و يراقبه، و يعمل بفرائضه، و يجاهد في سبيله 1129 .
و روي من طريق الخاصّة و العامّة أنّهم قالوا في قوله تعالى: (قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) 1130 هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
و زعم بعض الناصبة أنّ هذه الآية نزلت في عبد اللّه بن سلام فيقال له: إنّ السورة مكّيّة، و عبد اللّه بن سلام لم يسلم إلّا بعد أن هاجر النبي المدينة.
و روي عن ابن عبّاس: لا و اللّه ما هو إلّا علي بن أبي طالب عليه السلام 1131 .
[في غزارة علم أمير المؤمنين عليه السلام، و ثناء الجاحظ على علمه رغم انحرافه عنه]
و قد ظهر علمه على سائر الصحابة بالأدلّة الساطعة و الحجج القاطعة.
قال الجاحظ: اجتمعت الامّة [على] 1132 أنّ الصحابة كانوا يأخذون العلم عن أربعة: عليّ، و ابن عبّاس، و ابن مسعود، و زيد بن ثابت، و قالت طائفة: و عمر بن الخطّاب، ثم أجمعوا [على] 1133 أنّ الأربعة كانوا أقرأ من
عمر لكتاب اللّه.
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: يؤمّ القوم أقرأهم لكتاب اللّه، فسقط عمر.
ثمّ أجمعوا على قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: الأئمّة من قريش، فسقط ابن مسعود و زيد، و بقي علي و ابن عبّاس إذ كانا عالمين فقيهين قرشيّين فأكبرهما سنّا و أقدمهما هجرة علي، فسقط ابن عبّاس و بقي عليّ أحقّ بالإمامة بالاجماع.
و كانوا يسألونه و لا يسأل هو أحدا. و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إذا اختلفتم في شيء فكونوا مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام 1134 .
قال صاحب كشف الغمّة رضي اللّه عنه كلاما معناه: انّ الجاحظ كان عثمانيّا شديد الانحراف عن أمير المؤمنين، و لكنّ اللّه ألقى على لسانه الحقّ، و الفضل ما شهدت به الأعداء، و لو كان مع هذا الاعتراف معتقدا فضل أمير المؤمنين باطنا ظاهرا تاركا لطريق التعصّب و الضلال، مستمسكا بدليل العقل و النقل لكان من أسعد الخلق، و هذا الكلام حجّة عليه فقد يهتدي به، و يحتجّ بصحّة استنباطه، و يستضيء بواضح أدلّته من ليس له قدرة على استنباط الأدلّة من مظانّها، فيكون ذلك سببا لتصحيح عقيدته، و إزاحة شكّه، فيكون من الفائزين المنتظمين في سلك أصحاب السعادة الدائمة، نعوذ باللّه من سلوك طريق الهوى، و التسايب عن سبيل الهدى.
احرم فيكم 1135 بما أقول و قد