کتابخانه روایات شیعه
و قد صنّف الشافعي كتابا مفردا في الدلالة على اتّباع أهل المدينة لعلي عليه السلام و عبد اللّه.
و قال محمد بن الحسن الفقيه: لو لا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ما علمنا حكم أهل البغي.
و لمحمد بن الحسن كتاب يشتمل على ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناء على فعله عليه السلام 1203 .
مسند أبي حنيفة: هشام بن الحكم قال: قال الصادق عليه السلام لأبي حنيفة: من أين أخذت القياس؟
قال: من قول عليّ بن أبي طالب عليه السلام و زيد بن ثابت حين سألهما 1204 عمر في الجدّ مع الإخوة، فقال له علي عليه السلام: لو أنّ شجرة انشعب منها غصن، و انشعب 1205 من الغصن غصنان أيّما أقرب إلى أحد الغصنين، أ صاحبه الّذي يخرج معه أم الشجرة؟
فقال زيد: لو أنّ جدولا انبعث فيه 1206 ساقية، و انبعث من الساقية ساقيتان، أيّما أقرب، أحد الساقيتين إلى صاحبتهما أم الجدول؟ 1207
[أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أعلم أهل المدينة بالفرائض]
و منهم الفرضيّون و هو أمهرهم 1208 . فضائل أحمد 1209 : قال عبد اللّه: قال عبد اللّه: إنّ أعلم
أهل المدينة بالفرائض عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
قال الشعبي: ما رأيت أفرض فرض من عليّ بن أبي طالب، و لا أحسب منه، و قد سئل- و هو على المنبر يخطب-: رجل مات و ترك امرأة و أبوين و ابنتين، كم نصيب الامرأة؟
قال عليه السلام: صار ثمنها تسعا، فلقّبت بالمسألة المنبريّة.
شرح ذلك: للأبوين السدسان، و للبنتين الثلثان، و للمرأة الثمن، عالت الفريضة فكان لها ثلاث من أربعة و عشرين ثمنها، فلمّا صارت إلى سبعة و عشرين صار ثمنها تسعا، فإنّ ثلاثة من سبعة و عشرين تسعها، و يبقى أربعة و عشرون، للبنتين ستّة عشر و للأبوين ثمانية.
و هذا القول صدر منه صلوات اللّه عليه إمّا على سبيل الاستفهام، أو على قولهم صار ثمنها تسعا 1210 ، أو بيّن كيف [يجيء] 1211 الحكم على مذهب من يقول بالعول، أو على سبيل الانكار فبيّن الحساب و الجواب، و القسمة و النسبة بأوجز لفظ 1212 .
و منه أنّه سئل عليه السلام عن عدد تخرج منه الآحاد صحاحا لا كسر فيها، فقال من غير تروّ: اضرب أيّام سنتك في أيّام اسبوعك، و الآحاد هي النصف و الثلث و الربع و الخمس، هكذا إلى العشرة.
[أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أكثر الصحابة رواية]
و منهم الرواة و هم نيّف و عشرون رجلا، منهم: ابن عبّاس، و ابن مسعود،
[و جابر الأنصاري، و أبو أيّوب، و أبو هريرة، و أنس،] 1213 و أبو سعيد الخدري، و أبو رافع، و غيرهم، و هو صلوات اللّه عليه أكثرهم رواية، و أثبتهم 1214 حجّة، و مأمون الباطن، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ.
قال الترمذي 1215 و البلاذري 1216 : قيل لعليّ صلوات اللّه عليه: ما لك 1217 أكثر أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حديثا؟
قال: كنت إذا سألته أنبأني، و إذا سكتّ ابتدأني 1218 .
[المؤمنين عليّ عليه السلام وضع اصول الكلام]
و منهم المتكلّمون و هو الأصل في الكلام. قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
عليّ ربّانيّ هذه الامّة 1219 .
قال صلوات اللّه عليه: أوّل معرفة اللّه توحيده، و أصل توحيده نفي الصفات عنه، إلى آخر الخبر.
و هو الّذي وضع اصول الكلام و فرّع المتكلّمون على ذلك، فالإماميّة يرجعون إلى الصادق عليه السلام، و هو إلى آبائه، و المعتزلة و الزيديّة يرجعون إلى رواية القاضي عبد الجبّار [بن] 1220 أحمد، عن أبي عبد اللّه الحسين البصري، و أبو إسحاق عبّاس، عن أبي هاشم الجبّائيّ، عن أبيه أبي علي، عن أبي يعقوب الشحّام، عن أبي الهذيل العلّاف، عن أبي عثمان الطويل، عن واصل بن
عطاء، عن أبي هاشم عبد اللّه بن محمد بن علي، عن أبيه محمد بن الحنفيّة، عن أبيه صلوات اللّه عليه 1221 .
[أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام هو أفصح الخلق]
و منهم الخطباء و الفصحاء، و هو أفصح الخلق، أ لا ترى إلى خطبه مثل:
خطبة التوحيد، [و الشقشقيّة] 1222 ، و الهداية، و الملاحم، و اللؤلؤة، و الغرّاء، و القاصعة، و الافتخار، و خطبة الأشباح، و الدرّة اليتيمة، و الأقاليم، و الوسيلة 1223 ، و الطالوتيّة، و القصبيّة، و النخيليّة، و السلمانيّة، و الناطقة، و الدامغة، و الفاضحة؟ 1224
بل تفكّر في نهج البلاغة فإنّ فيه عجبا لمن كان له حظّ من الذوق السليم، و الفهم القويم، و أكثر الخطباء و البلغاء من مواعظه أخذوا، و من شواظه اقتبسوا، و على مثاله احتذوا، و إذا تأمّل من له قلب سليم و لبّ مستقيم رأى من كلامه صلوات اللّه عليه ما يدلّ على أنّه صلوات اللّه عليه كان آية من آيات اللّه، و حجّة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دالّة على صحّة نبوّته، لكون كلامه قد اشتمل من أدلّة التوحيد، و التعظيم للملك المجيد، و إبطال كلّما يدّعى من دونه، و إدحاض حجّة من ألحد في آياته، و أبدع في صفاته، من الملاحدة و المشبّهة و المعطّلة و المجبّرة ما لا مزيد عليه.
و قد يذمّ مقال القائلين من متألّهة الحكماء كارسطوطاليس و جالينوس
و بطليموس، و غيرهم ممّن وضع قوانين العلوم الربّانيّة، و شققوا الشعر في تحصيل القواعد الفلسفيّة، و غاصوا في بحار المعارف الإلهيّة، و هو صلوات اللّه عليه لم يتردّد إلى عالم غير سيّد المرسلين، و لم يكن بمكّة و ما والاها من البلاد من أرباب العلوم الإلهيّة و غيرها من يسند عنه ذلك، و إنّما كانوا جاهليّة أجلافا لا بصيرة لهم بالعلوم، و لا تمييز بين صحيح الفكر و فاسده، و لا استنباط دليل يهداهم إلى سبيل الرشاد، و لو كان لهم أدنى فكر صائب و ترتيب مقدّمات تهداهم إلى سواء السبيل لم يتّخذوا الأصنام آلهة من دون اللّه، و لا نصبوا الأنصاب، و لا استقسموا بالأزلام، و لا بحروا البحيرة، و لا سيّبوا السائبة، و لا وصلوا الوصيلة، و لا وأدوا البنات، و لا عظّموا هبل و اللّات، و لم يعتقدوا من الجاهليّة، و لا أبطلوا القول بالدليل القاطع، و لم يقلّدوا آباءهم السالفين من لدن خندف إلى عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و إنّما سمّوا جاهليّة لفرط جهلهم، و شدّة عنادهم، و عدم انقيادهم، فإذا خرج رجل منهم لم يتردّد إلى عالم، و لم يطالع ما دوّنه القدماء من المتألّهة في دفاترهم عن المنطقي و الطبيعي و الإلهي و العلوم الرياضيّة من الحساب و الهندسة و غيرها، ثمّ أتى بكلام أبطل مقالهم، و أدحض حجّتهم، و أبطل شبهتهم، و دلّ على وحدة الصانع سبحانه و قدمه، و حدوث ما سواه، و على قدرته و اختياره، و علمه بالحريّ الزماني و غيره ممّا كان قبل أن يكون و ما هو كائن، و نزّهه عمّا لا يليق بكماله، علم أنّ علمه من علم صاحب الشريعة الّذي علمه بالوحي الإلهي من حضرة واجب الوجود سبحانه تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا 1225 .
قال شيخنا و سيّدنا و مفخرنا السيّد الجليل محمد الرضي الموسوي رضي اللّه عنه في خطبة كتاب نهج البلاغة: من كلام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و من عجائبه التي تفرّد بها، و أمن المشاركة فيها أنّ كلامه الوارد في الزهد و المواعظ، و التذكير و الزواجر إذا تأمّله المتأمّل، و فكّر فيه المتفكّر، و خلع عن قلبه أنّه كلام مثله ممّن عظم قدره [و نفذ أمره] 1226 ، و أحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضاه الشكّ في أنّه كلام من لا حظّ له في غير الزهادة، و لا شغل له في غير العبادة، قد قبع في كسر بيت 1227 ، أو انقطع في 1228 سفح جبل، لا يسمع إلّا حسّه، و لا يرى إلّا نفسه، و لا يكاد يوقن بأنّه كلام من ينغمس في الحرب مصلتا سيفه يقطّ الرقاب 1229 ، و يجدّل الأبطال، و يعود به ينطف 1230 دما، و يقطر مهجا، و هو مع ذلك زاهد الزهّاد، و بدل الأبدال 1231 ، و هذه من فضائله العجيبة، و خصائصه اللطيفة، الّتي جمع [بها] 1232 بين الأضداد، و ألّف بين الأشتات 1233 .
قال الفاضل عبد الحميد بن أبي الحديد عند شرحه الخطبة الّتي قالها أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه عند تلاوته (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) 1234 و هي: يا له
مراما ما أبعده! [و زورا ما أغفله!] 1235 و خطرا ما أفظعه 1236 ! إلى آخرها 1237 ، و قد أتى في هذه الخطبة ما لا مزيد عليه من ذكر الموت، و التحذير من الدنيا، و ما يؤول من الانسان إليه حين الموت من السكرات و الغمرات، و ذكر من اعتزّ بالدنيا و ركن إليها:
هذا موضع المثل ملعا يا ظليم و إلّا فالتّخوية 1238 ، من أراد أن يعظ و يخوّف الناس، و يعرّفهم قدر الدنيا و تقلّبها بأهلها فليأت بمثل هذا الكلام الفصيح في مثل هذه الموعظة البالغة و إلّا فليسكت، فإنّ السكوت أصالح، و العيّ خير من منطق يفضح صاحبه.
و لعمري من وقف على هذه الخطبة علم مصداق قول معاوية: و اللّه ما سنّ الفصاحة لقريش غيره، و ينبغي إذا اجتمع الفصحاء و تليت عليهم هذه الخطبة أن يسجدوا لها كما سجد الشعراء لقول عديّ بن الرقاع:
قلم أصاب من الدّواة مدادها 1239 .
فقيل لهم في ذلك، فقالوا: إنّا نعلم سجدات الشعر كما تعلمون أنتم سجدات القرآن.