کتابخانه روایات شیعه
عطاء، عن أبي هاشم عبد اللّه بن محمد بن علي، عن أبيه محمد بن الحنفيّة، عن أبيه صلوات اللّه عليه 1221 .
[أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام هو أفصح الخلق]
و منهم الخطباء و الفصحاء، و هو أفصح الخلق، أ لا ترى إلى خطبه مثل:
خطبة التوحيد، [و الشقشقيّة] 1222 ، و الهداية، و الملاحم، و اللؤلؤة، و الغرّاء، و القاصعة، و الافتخار، و خطبة الأشباح، و الدرّة اليتيمة، و الأقاليم، و الوسيلة 1223 ، و الطالوتيّة، و القصبيّة، و النخيليّة، و السلمانيّة، و الناطقة، و الدامغة، و الفاضحة؟ 1224
بل تفكّر في نهج البلاغة فإنّ فيه عجبا لمن كان له حظّ من الذوق السليم، و الفهم القويم، و أكثر الخطباء و البلغاء من مواعظه أخذوا، و من شواظه اقتبسوا، و على مثاله احتذوا، و إذا تأمّل من له قلب سليم و لبّ مستقيم رأى من كلامه صلوات اللّه عليه ما يدلّ على أنّه صلوات اللّه عليه كان آية من آيات اللّه، و حجّة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دالّة على صحّة نبوّته، لكون كلامه قد اشتمل من أدلّة التوحيد، و التعظيم للملك المجيد، و إبطال كلّما يدّعى من دونه، و إدحاض حجّة من ألحد في آياته، و أبدع في صفاته، من الملاحدة و المشبّهة و المعطّلة و المجبّرة ما لا مزيد عليه.
و قد يذمّ مقال القائلين من متألّهة الحكماء كارسطوطاليس و جالينوس
و بطليموس، و غيرهم ممّن وضع قوانين العلوم الربّانيّة، و شققوا الشعر في تحصيل القواعد الفلسفيّة، و غاصوا في بحار المعارف الإلهيّة، و هو صلوات اللّه عليه لم يتردّد إلى عالم غير سيّد المرسلين، و لم يكن بمكّة و ما والاها من البلاد من أرباب العلوم الإلهيّة و غيرها من يسند عنه ذلك، و إنّما كانوا جاهليّة أجلافا لا بصيرة لهم بالعلوم، و لا تمييز بين صحيح الفكر و فاسده، و لا استنباط دليل يهداهم إلى سبيل الرشاد، و لو كان لهم أدنى فكر صائب و ترتيب مقدّمات تهداهم إلى سواء السبيل لم يتّخذوا الأصنام آلهة من دون اللّه، و لا نصبوا الأنصاب، و لا استقسموا بالأزلام، و لا بحروا البحيرة، و لا سيّبوا السائبة، و لا وصلوا الوصيلة، و لا وأدوا البنات، و لا عظّموا هبل و اللّات، و لم يعتقدوا من الجاهليّة، و لا أبطلوا القول بالدليل القاطع، و لم يقلّدوا آباءهم السالفين من لدن خندف إلى عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و إنّما سمّوا جاهليّة لفرط جهلهم، و شدّة عنادهم، و عدم انقيادهم، فإذا خرج رجل منهم لم يتردّد إلى عالم، و لم يطالع ما دوّنه القدماء من المتألّهة في دفاترهم عن المنطقي و الطبيعي و الإلهي و العلوم الرياضيّة من الحساب و الهندسة و غيرها، ثمّ أتى بكلام أبطل مقالهم، و أدحض حجّتهم، و أبطل شبهتهم، و دلّ على وحدة الصانع سبحانه و قدمه، و حدوث ما سواه، و على قدرته و اختياره، و علمه بالحريّ الزماني و غيره ممّا كان قبل أن يكون و ما هو كائن، و نزّهه عمّا لا يليق بكماله، علم أنّ علمه من علم صاحب الشريعة الّذي علمه بالوحي الإلهي من حضرة واجب الوجود سبحانه تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا 1225 .
قال شيخنا و سيّدنا و مفخرنا السيّد الجليل محمد الرضي الموسوي رضي اللّه عنه في خطبة كتاب نهج البلاغة: من كلام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و من عجائبه التي تفرّد بها، و أمن المشاركة فيها أنّ كلامه الوارد في الزهد و المواعظ، و التذكير و الزواجر إذا تأمّله المتأمّل، و فكّر فيه المتفكّر، و خلع عن قلبه أنّه كلام مثله ممّن عظم قدره [و نفذ أمره] 1226 ، و أحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضاه الشكّ في أنّه كلام من لا حظّ له في غير الزهادة، و لا شغل له في غير العبادة، قد قبع في كسر بيت 1227 ، أو انقطع في 1228 سفح جبل، لا يسمع إلّا حسّه، و لا يرى إلّا نفسه، و لا يكاد يوقن بأنّه كلام من ينغمس في الحرب مصلتا سيفه يقطّ الرقاب 1229 ، و يجدّل الأبطال، و يعود به ينطف 1230 دما، و يقطر مهجا، و هو مع ذلك زاهد الزهّاد، و بدل الأبدال 1231 ، و هذه من فضائله العجيبة، و خصائصه اللطيفة، الّتي جمع [بها] 1232 بين الأضداد، و ألّف بين الأشتات 1233 .
قال الفاضل عبد الحميد بن أبي الحديد عند شرحه الخطبة الّتي قالها أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه عند تلاوته (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) 1234 و هي: يا له
مراما ما أبعده! [و زورا ما أغفله!] 1235 و خطرا ما أفظعه 1236 ! إلى آخرها 1237 ، و قد أتى في هذه الخطبة ما لا مزيد عليه من ذكر الموت، و التحذير من الدنيا، و ما يؤول من الانسان إليه حين الموت من السكرات و الغمرات، و ذكر من اعتزّ بالدنيا و ركن إليها:
هذا موضع المثل ملعا يا ظليم و إلّا فالتّخوية 1238 ، من أراد أن يعظ و يخوّف الناس، و يعرّفهم قدر الدنيا و تقلّبها بأهلها فليأت بمثل هذا الكلام الفصيح في مثل هذه الموعظة البالغة و إلّا فليسكت، فإنّ السكوت أصالح، و العيّ خير من منطق يفضح صاحبه.
و لعمري من وقف على هذه الخطبة علم مصداق قول معاوية: و اللّه ما سنّ الفصاحة لقريش غيره، و ينبغي إذا اجتمع الفصحاء و تليت عليهم هذه الخطبة أن يسجدوا لها كما سجد الشعراء لقول عديّ بن الرقاع:
قلم أصاب من الدّواة مدادها 1239 .
فقيل لهم في ذلك، فقالوا: إنّا نعلم سجدات الشعر كما تعلمون أنتم سجدات القرآن.
و إنّي لاطيل التعجّب من رجل يخطب في مقام الحرب بكلام يدلّ على أنّ طبعه مشابه لطباع الاسود و النمور و غيرهما من السباع الضارية، ثمّ يخطب
في ذلك المقام بعينه إذا أراد الموعظة بكلام يدلّ على أنّ طبعه مشابه لطباع الرهبان لابسي المسوح الّذين لم يأكلوا لحما، و لم يريقوا 1240 دما قطّ، فتارة يكون في صورة سقراط الحبر اليونانيّ، و يوحنّا السعمدان الإسرائيليّ، و عيسى بن مريم الإلهيّ، و تارة يكون في صورة عتيبة بن الحارث اليربوعيّ، و عامر بن الطفيل العامريّ، و بسطام بن قيس الشيبانيّ.
و اقسم بالّذي تقسم الامم كلّها به؛ لقد تلوت هذه الخطبة منذ خمسين سنة و إلى الآن أكثر من ألف مرّة، و ما تلوتها مرّة إلّا و أحدثت في قلبي وجيبا، و في أعضائي رعدة، و خيّل لي مصارع من مضى من أسلافي، و تصوّرت في نفسي أنّي أنا ذلك الشخص الّذي وصف أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في قوله:
فكم أكلت الأرض من عزيز جسد، و أنيق لون كان في الدنيا غذيّ ترف، و ربيب شرف، إلى آخرها 1241 ؟
و كم قال الناس، و كم سمعت، و ما دخل كلام ما دخل هذا الكلام من قلبي 1242 ، فإمّا أن يكون ذلك لفرط حبّي لصاحبه، أو أنّ نيّة القائل كانت صادقة، و يقينه ثابت، فصار لكلامه تأثير في النفوس 1243 .
و قال أيضا الفاضل ابن أبي الحديد عند شرحه كلامه صلوات اللّه عليه في خطبة الأشباح 1244 : عالم السرّ من ضمائر 1245 المضمرين، إلى آخر الفصل: لو
سمع النضر بن كنانة هذا الكلام لقال لقائله ما قاله عليّ بن العبّاس بن جريح لإسماعيل بن بلبل:
قالوا أبو الصّقر من شيبان قلت لهم
حاشا و كلّا و لكن منه 1246 شيبان
و كم أب قد علا بابن ذرا شرف 1247
كما علا برسول اللّه عدنان
إذ كان يفخر به على عدنان و قحطان، بل كان يقرّ به عين أبيه إبراهيم خليل الرحمن 1248 و يقول له: إنّه لم يعف ما شيّدت من معالم التوحيد، بل أخرج اللّه تعالى لك من ظهري ولدا ابتدع من علوم التوحيد في جاهليّة العرب ما لم تبتدعه أنت في جاهليّة النبط 1249 ، بل لو سمع هذا الكلام أرسطوطاليس القائل بأنّه تعالى لا يعلم الجزئيّات؛ لخشع قلبه، وقف شعره 1250 ، و ارتعدت فرائصه، و اضطرب قلبه، أ ما ترى ما عليه من الرواء و الجزالة و الفخامة 1251 ، مع ما قد اشرب من الحلاوة و الطلاوة و اللطف و السلاسة؟ لا أرى كلاما قطّ يشبه هذا الكلام إلّا أن يكون كلام الخالق سبحانه، فإنّه نبعة من تلك الشجرة، أو جدول
من ذلك البحر، أو جذوة من تلك النار 1252 .
[أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام هو أوفر الفصحاء و البلغاء حظّا، و خطبته الخالية من الألف، و خطبته الخالية من النقطة]
و منهم الفصحاء و البلغاء و هو أوفرهم حظّا.
قال السيّد الرضي الموسوي رضي اللّه عنه: كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة و موردها، و منشأ البلاغة و مولدها، و منه ظهر مكنونها، و عنه أخذت قوانينها 1253 .
قال الجاحظ في كتاب الغرّة: كتب عليّ إلى معاوية: غرّك عزّك، فصار قصار ذلك ذلّك، فاخش فاحش فعلك فعلّك تهدأ بهذا، و السلام 1254 .
و روى أبو جعفر بن بابويه رضي اللّه عنه بإسناده عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام أنّ الصحابة اجتمعت فتذاكروا أنّ الألف أكثر دخولا في الكلام من غيره، فارتجل صلوات اللّه عليه الخطبة المونقة 1255 و هي: حمدت من عظمت منّته، و سبغت نعمته، و سبقت رحمته 1256 ، و تمّت كلمته، و نفذت مشيئته، و بلغت قضيّته 1257 ، إلى آخرها.