کتابخانه روایات شیعه
اقترن فيه كوكبان، و انكفأ فيه الميزان، و انقدح من برجك النيران، و ليس الحرب لك بمكان.
فقال أمير المؤمنين: أيّها الدهقان، المنبئ بالآثار، المخوّف من الأقدار، ما كان البارحة صاحب الميزان، و في أيّ برج كان صاحب السرطان؟
و كم الطالع من الأسد و الساعات في الحركات؟ و كم بين السراري و الزراري؟
قال: سأنظر في الاسطرلاب.
فتبسّم أمير المؤمنين و قال: ويلك يا دهقان، أنت مسيّر الثابتات؟ أم كيف تقضي على الحادثات 1286 ؟ و أين ساعات الأسد من المطالع؟ و ما الزهرة من التوابع و الجوامع؟ و ما دور السراري المحرّكات؟ و كم قدر شعاع المنيرات؟ و كم التحصيل بالغدوات؟
فقال: لا علم لي بذلك، يا أمير المؤمنين.
فقال له: يا دهقان، هل نتج علمك أنّه انتقل بيت ملك الصين، و احترقت دور بالزنج، و خمد بيت نار فارس، و انهدمت منارة الهند، و غرقت سرانديب، و انقضّ حصن الأندلس [و نتج بترك الروم بالروميّة] 1287 . و في رواية: البارحة وقع بيت بالصين، و انفرج برج ماجين، و سقط سور سرانديب، و انهزم بطريق الروم بأرمينيّة، و فقد ديّان اليهود بايلة، و هاج النمل بوادي النمل، و هلك ملك افريقية، أ كنت عالما بهذا؟
قال: لا، يا أمير المؤمنين. و في رواية: أظنّك حكمت باختلاف المشتري و زحل، إنّما أنارا لك في الشفق، و لاح لك شعاع المرّيخ في السحر،
و اتّصل جرمه بجرم القمر.
ثم قال صلوات اللّه عليه: البارحة سعد سبعون ألف عالم، و ولد في كلّ عالم سبعون ألفا، و الليلة يموت مثلهم، و أومأ بيده إلى سعد بن مسعدة الخارجي 1288 و كان جاسوسا للخوارج في عسكره، و قال: هذا منهم، فظنّ الملعون بأنّه يقول: خذوه، فأخذ بنفسه فمات، فخرّ الدهقان ساجدا، فلمّا أفاق قال أمير المؤمنين عليه السلام: أ لم أروّك من عين اليقين 1289 ؟
قال: بلى، يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: أنا و صاحبي لا غربيّون و لا شرقيّون، نحن ناشئة القطب و أعلام الفلك، أمّا قولك انقدح من برجك النيران 1290 ، فكان الواجب أن تحكم به لي لا عليّ، أمّا نوره و ضياؤه فعندي، و أمّا حريقه و لهبه فذهب عنّي، و هذه مسألة عقيمة احسبها إن كنت حاسبا.
فقال الدهقان: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه، و أنّك وليّ اللّه 1291 .
قلت: اللّهمّ إنّك أطلعته على أسرار عظمتك، و أظهرته على آثار قدرتك، و جعلت قلبه مشكاة مخزون علمك، و نفسه مرآة مكنون حلمك، و كشفت عن بصر بصيرته فشاهد غرائب حكمتك، و عرجت بروحه إلى
الصفيح الأعلى فعاين عجائب صنعتك، و أريته ملكوت سماواتك فعلم من اختلاف حركاتها ما أشبه على غيره، و أحصى بلطيف روحانيّته مقادير كلّ من أفلاكها و تقديره في مسيره، و لاحظ ما رصعت به أجرامها من درر دراريها و زواهرها، و زيّنت صفيحها بجواهر نيّراتها من ثابتها و سائرها، فالشمس و القمر بحسبان حسابه عرف انتقالهما بتحوّلهما، و بكشف صور الأشياء لهويّته علم مقدار صعودهما و هبوطهما.
آتيته من لدنك علما فخرق بتأييدك صفوف ملائكتك، و كشفت الحجاب عن بصيرته فشاهد صفات أشباحهم بعين عنايتك، فعرّفنا هيئاتهم، و اختلاف أشخاصهم، و أعلمنا بتقارب درجاتهم و خواصّهم، حتى كأنّه عمّر فيهم عمره، و أقام بينهم دهره، و شاركهم في الإخلاص بعبادة معبودهم، و شابههم بخشوعهم في ركوعهم و سجودهم، و ساواهم في الاذعان بالطاعة لربّهم، و ساماهم في شرف منازلهم و قربهم.
فأصبح يخبرنا عن شدّة اجتهادهم في تعظيم مبدعهم، و إخلاص جهادهم في توجّههم إلى معبودهم و تضرّعهم، و وصف لنا من عظم أجسادهم ما أذهل عقولنا، و أعلمنا من تفاوت أشباحهم ما حيّرنا، و أرجف قلوبنا بقوله صلوات اللّه عليه: ثم فتق ما بين السماوات العلى فملأهنّ أطوارا من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، و ركوع لا ينتصبون، و صافّون لا يتزايلون 1292 ، و مسبّحون لا يسأمون- إلى قوله صلوات اللّه عليه:- و منهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، و المارقة من السماء العليا أعناقهم، و الخارجة من الأقطار أركانهم، و المناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفّعون 1293
تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم و بين من دونهم حجب العزّة و أستار القدرة، لا يتوهّمون ربّهم بالتصوير، و لا يجرون عليه صفات المصنوعين، و لا يحدّونه بالأماكن، و لا يشيرون إليه بالنظائر 1294 .
فكان صلوات اللّه عليه في ذلك كما وصف نفسه بقوله: لأنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض 1295 .
فبهذا أوضح لنا عرفان صفات أفلاكها، و بيّن هيئات نفوسها و أملاكها، و كشف عن خواصّ نيّراتها، و اختلاف حركاتها، و هبوطها و صعودها، و نحوسها و سعودها، و اجتماعها و افتراقها، و ما أجرى سبحانه من العادة من حوادث العالم عند غروبها و إشراقها، و تأثيرات أشعّة أجرامها في الأجسام الحيوانيّة و النباتيّة، و ما أودع سبحانه في كرة العناصر من كمونها و ظهورها بتقدير الإرادة الواحديّة و أرانا أنّ القادر المختار قد جعل له التصرّف في العالم العلويّ كما جعل له التصرّف في العالم السفليّ، و أوجب له فرض الولاية على كلّ روحاني و جسماني، فلهذا ردّت له الشمس و عليه سلّمت، و انقادت له أملاكها و له أسلمت، و زوّجه الجليل سبحانه بسيّدة نساء الدنيا و الآخرة في صفوف ملأهم، و زادهم بحضور عقدة نكاحه شرفا إلى شرفهم، و جعل نثار طوبى لشهود عرسه نثرا، و أثبت الإمامة و الزعامة فيه و في غرسه إلى حين حلول القيامة الكبرى.
فيا أصحاب الارصاد و الزيجات، و معتقدي التأثيرات بالاقترانات
و الامتزاجات، دسّوا في التراب هامات رءوسكم، و امحوا اسطرلابكم و بطليموسكم، فهذا هو العالم المطلق الّذي كشف اللّه له من حجب غيوبه كلّ مغلق و سقاه بالكأس الرويّة من عين اليقين، و جمع فيه ما تفرّق في غيره من علوم الأوّلين و الآخرين، فقال سبحانه و هو أصدق القائلين: (وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) 1296 .
اللّهمّ فبحقّ ما أوجبت له من فرض الطاعة على العامّة و الخاصّة، و جعلت له بعد نبيّك الرئاسة العامّة و الخاصّة، فصلّ على محمد و آل محمد و أرقمنا في دفاتر المخلصين من أرقّائه و خدمه، و أثبتنا في جرائد المطوّقين بطوق العبوديّة لخدمة شريف حرمه، إنّك على كلّ شيء قدير.
[أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام هو أعرف الصحابة بعلم الفرائض و الحساب]
و منهم الحسّاب، و كان صلوات اللّه عليه أعرف الصحابة بعلم الفرائض و الحساب.
روى ابن أبي ليلى أنّ رجلين جلسا يتغدّيان في سفر و مع أحدهما خمسة أرغفة، و مع الآخر ثلاثة، فمرّ بهما ثالث فواكلاه، فلمّا نهض أعطاهما ثمانية دراهم عوضا عمّا أكل.
فقال صاحب الخمسة: أنا آخذ بعدد أرغفتي و خذ أنت بعدد أرغفتك، فأبى صاحب الثلاثة، و اختصما و ارتفعا إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
فقال: هذا أمر فيه دناءة 1297 ، و الخصومة فيه غير جميلة، و الصالح أحسن.
فقال صاحب الثلاثة: لا اريد إلّا مرّ الحقّ و القضاء.
فقال عليه السلام: إن كنت لا ترضى إلّا بمرّ القضاء، فإنّ لك درهم واحد
من الثمانية، و لصاحبك سبعة، أ ليس كانت لك ثلاثة أرغفة و لصاحبك خمسة؟ قال: بلى.
[قال:] 1298 فهذه أربعة و عشرون ثلثا؛ أكلت منها ثمانية و الضيف ثمانية، فلمّا أعطى كما الثمانية الدراهم كان لصاحبك سبعة و لك واحد 1299 .
و منهم أصحاب الكيمياء، و هو أكثرهم حظّا.
سئل عليه السلام عن الصنعة، فقال: هي اخت النبوّة، و عصمة المروّة، و الناس يتكلّمون فيها بالظاهر، و إنّي لأعلم ظاهرها و باطنها، ما هي و اللّه إلّا ماء جامد، و هواء راكد، و نار جائلة، و أرض سائلة.
و سئل عليه السلام في أثناء خطبته عن الكيمياء: هل لها حقيقة؟
فقال: نعم، كانت و هي كائنة و ستكون.
فقيل: من أيّ [شيء] 1300 هي؟
قال: من الزئبق الرجراج، و الأسرب و الزاج، و الحديد المزعفر، و زنجار النحاس الأخضر [الحبور الا توقف على عابرهنّ] 1301 .
فقيل: فهمنا لا يبلغ إلى ذلك.
فقال: اجعلوا البعض أرضا، و اجعلوا البعض ماء، و أفلجوا الأرض بالماء فقد تمّ.
فقيل: زدنا، يا أمير المؤمنين.
فقال: لا زيادة عليه، فإنّ الحكماء القدماء ما زادوا عليه لئلّا يتلاعب الناس بها 1302 .
[أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام هو الأصل في علم المكاشفة على طريق الصوفيّة]
و منهم الصوفيّة و من تكلّم في علم المكاشفة 1303 على طريق الصوفيّة، قالت مشايخهم: إنّه الأصل في علومهم، و لا يوجد لغيره إلّا اليسير، و أكثر مشايخهم يتّصل سلسلة بكميل بن زياد، و هو تلميذ أمير المؤمنين عليه السلام و من خواصّه 1304 .
روى مولانا أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام، و رواه أيضا أبو امامة الباهلي، كلاهما عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في خبر طويل، و اللفظ لأبي امامة: أنّ الناس دخلوا على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يهنّئونه بولادة الحسين عليه السلام، فقام رجل من وسط الناس، فقال: بأبي أنت و امّي يا رسول اللّه، رأينا من عليّ عجبا في هذا اليوم!
قال: و ما رأيتم؟
فقال: أتيناك لنسلّم عليك، و نهنّئك بولدك، فحجبنا عنك، و أعلمنا أنّه هبط عليك مائة ألف ملك و أربعة و عشرون ألف ملك، فعجبنا من إحصائه عدد الملائكة.