کتابخانه روایات شیعه
تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم و بين من دونهم حجب العزّة و أستار القدرة، لا يتوهّمون ربّهم بالتصوير، و لا يجرون عليه صفات المصنوعين، و لا يحدّونه بالأماكن، و لا يشيرون إليه بالنظائر 1294 .
فكان صلوات اللّه عليه في ذلك كما وصف نفسه بقوله: لأنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض 1295 .
فبهذا أوضح لنا عرفان صفات أفلاكها، و بيّن هيئات نفوسها و أملاكها، و كشف عن خواصّ نيّراتها، و اختلاف حركاتها، و هبوطها و صعودها، و نحوسها و سعودها، و اجتماعها و افتراقها، و ما أجرى سبحانه من العادة من حوادث العالم عند غروبها و إشراقها، و تأثيرات أشعّة أجرامها في الأجسام الحيوانيّة و النباتيّة، و ما أودع سبحانه في كرة العناصر من كمونها و ظهورها بتقدير الإرادة الواحديّة و أرانا أنّ القادر المختار قد جعل له التصرّف في العالم العلويّ كما جعل له التصرّف في العالم السفليّ، و أوجب له فرض الولاية على كلّ روحاني و جسماني، فلهذا ردّت له الشمس و عليه سلّمت، و انقادت له أملاكها و له أسلمت، و زوّجه الجليل سبحانه بسيّدة نساء الدنيا و الآخرة في صفوف ملأهم، و زادهم بحضور عقدة نكاحه شرفا إلى شرفهم، و جعل نثار طوبى لشهود عرسه نثرا، و أثبت الإمامة و الزعامة فيه و في غرسه إلى حين حلول القيامة الكبرى.
فيا أصحاب الارصاد و الزيجات، و معتقدي التأثيرات بالاقترانات
و الامتزاجات، دسّوا في التراب هامات رءوسكم، و امحوا اسطرلابكم و بطليموسكم، فهذا هو العالم المطلق الّذي كشف اللّه له من حجب غيوبه كلّ مغلق و سقاه بالكأس الرويّة من عين اليقين، و جمع فيه ما تفرّق في غيره من علوم الأوّلين و الآخرين، فقال سبحانه و هو أصدق القائلين: (وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) 1296 .
اللّهمّ فبحقّ ما أوجبت له من فرض الطاعة على العامّة و الخاصّة، و جعلت له بعد نبيّك الرئاسة العامّة و الخاصّة، فصلّ على محمد و آل محمد و أرقمنا في دفاتر المخلصين من أرقّائه و خدمه، و أثبتنا في جرائد المطوّقين بطوق العبوديّة لخدمة شريف حرمه، إنّك على كلّ شيء قدير.
[أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام هو أعرف الصحابة بعلم الفرائض و الحساب]
و منهم الحسّاب، و كان صلوات اللّه عليه أعرف الصحابة بعلم الفرائض و الحساب.
روى ابن أبي ليلى أنّ رجلين جلسا يتغدّيان في سفر و مع أحدهما خمسة أرغفة، و مع الآخر ثلاثة، فمرّ بهما ثالث فواكلاه، فلمّا نهض أعطاهما ثمانية دراهم عوضا عمّا أكل.
فقال صاحب الخمسة: أنا آخذ بعدد أرغفتي و خذ أنت بعدد أرغفتك، فأبى صاحب الثلاثة، و اختصما و ارتفعا إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
فقال: هذا أمر فيه دناءة 1297 ، و الخصومة فيه غير جميلة، و الصالح أحسن.
فقال صاحب الثلاثة: لا اريد إلّا مرّ الحقّ و القضاء.
فقال عليه السلام: إن كنت لا ترضى إلّا بمرّ القضاء، فإنّ لك درهم واحد
من الثمانية، و لصاحبك سبعة، أ ليس كانت لك ثلاثة أرغفة و لصاحبك خمسة؟ قال: بلى.
[قال:] 1298 فهذه أربعة و عشرون ثلثا؛ أكلت منها ثمانية و الضيف ثمانية، فلمّا أعطى كما الثمانية الدراهم كان لصاحبك سبعة و لك واحد 1299 .
و منهم أصحاب الكيمياء، و هو أكثرهم حظّا.
سئل عليه السلام عن الصنعة، فقال: هي اخت النبوّة، و عصمة المروّة، و الناس يتكلّمون فيها بالظاهر، و إنّي لأعلم ظاهرها و باطنها، ما هي و اللّه إلّا ماء جامد، و هواء راكد، و نار جائلة، و أرض سائلة.
و سئل عليه السلام في أثناء خطبته عن الكيمياء: هل لها حقيقة؟
فقال: نعم، كانت و هي كائنة و ستكون.
فقيل: من أيّ [شيء] 1300 هي؟
قال: من الزئبق الرجراج، و الأسرب و الزاج، و الحديد المزعفر، و زنجار النحاس الأخضر [الحبور الا توقف على عابرهنّ] 1301 .
فقيل: فهمنا لا يبلغ إلى ذلك.
فقال: اجعلوا البعض أرضا، و اجعلوا البعض ماء، و أفلجوا الأرض بالماء فقد تمّ.
فقيل: زدنا، يا أمير المؤمنين.
فقال: لا زيادة عليه، فإنّ الحكماء القدماء ما زادوا عليه لئلّا يتلاعب الناس بها 1302 .
[أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام هو الأصل في علم المكاشفة على طريق الصوفيّة]
و منهم الصوفيّة و من تكلّم في علم المكاشفة 1303 على طريق الصوفيّة، قالت مشايخهم: إنّه الأصل في علومهم، و لا يوجد لغيره إلّا اليسير، و أكثر مشايخهم يتّصل سلسلة بكميل بن زياد، و هو تلميذ أمير المؤمنين عليه السلام و من خواصّه 1304 .
روى مولانا أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام، و رواه أيضا أبو امامة الباهلي، كلاهما عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في خبر طويل، و اللفظ لأبي امامة: أنّ الناس دخلوا على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يهنّئونه بولادة الحسين عليه السلام، فقام رجل من وسط الناس، فقال: بأبي أنت و امّي يا رسول اللّه، رأينا من عليّ عجبا في هذا اليوم!
قال: و ما رأيتم؟
فقال: أتيناك لنسلّم عليك، و نهنّئك بولدك، فحجبنا عنك، و أعلمنا أنّه هبط عليك مائة ألف ملك و أربعة و عشرون ألف ملك، فعجبنا من إحصائه عدد الملائكة.
فأقبل عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله متبسّما، و قال: ما أعلمك أنّه هبط عليّ مائة و أربعة و عشرون ألف ملك؟ 1305
فقال: بأبي أنت و امّي يا رسول اللّه، سمعت مائة ألف لغة، و أربعة و عشرين ألف لغة، فعلمت أنّهم مائة ألف و أربعة و عشرون ألف ملك.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: زادك اللّه علما و حلما، يا أبا الحسن؟ 1306
قال الفرغاني شارح قصيدة نظم السلوك في حضائر الملائكة من نظم الشيخ عمر بن الفارض المصري العارف الصوفي 1307 عند شرحه لهذا البيت، و هو:
وحز بالولاء ميراث أرفع عارف
غدا همّه إيثار تأثير همّة
«وحز»: أي اجمع، و في قوله: «بالولاء» مرهم معنى الحبّ المذكور، و معنى حبّ أهل البيت عليهم السلام على اصطلاح الشيعة القائلين بالولاء، و «أرفع عارف» المراد به أمير المؤمنين علي عليه السلام، فإنّه صاحب المعرفة الحقيقيّة بالأصالة و غيره بالتبعيّة، فإنّ النسبة إلى الولاية الّتي هي منبع العلوم الحقيقيّة و المعارف الأصليّة لا تصحّ إلّا من جهته و حيثيّته، فإنّه كان مظهر الولاية الأحمديّة حيث انشقّت عن نبوّته صلّى اللّه عليه و آله الّذي كان انشقاق القمر صورة ذلك الانشقاق و هو باطنه و سرّه الظاهر بسبب ظهوره فإنّ كلّ معنى لا بدّ أن يظهر له صورة محسوسة، و كان عليّ عليه السلام هو أرفع عارف في الدنيا من حيث ما حضر أصله بقوله: أنا مدينة العلم و عليّ بابها،
و هو علم الحقيقة ما خلا أصله صلّى اللّه عليه و آله.
و قوله: «غدا همّه إيثار تأثير همّة» يعني انّه آثر الصبر على تأثير همّته.
انظر كيف تظاهر و تظافر خلق في غاية الكثرة و جماعة جمّة على إيذائه و وضعه و قمعه و محاربته و مقابلته حتى قام الشيخ العارف سعيد مدافعتهم و مقاتلتهم في الظاهر بالسيف، و لم يسلّط عليهم همّته الفعّالة و همّه لدفعهم و إهلاكهم عن آخرهم بحيث لم يبق منهم واد و لا ديار مع تحقّقه بذلك لكن تركهم بمعرفته على الحقيقة لوقوع ذلك كلّه، و ان لا مندوحة عمّا جرى على نحو ما جرى، فلذلك ترك التأثير بالهمّة و وكّل الأمر إلى مجزيه تعالى و تقدّس.
[أنّ أمير المؤمنين علي عليه السلام هو واضع النحو]
و منهم النحاة، و هو واضع النحو، لأنّهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسى بن عمرو الثقفي، عن عبد اللّه بن إسحاق الحضرمي، عن أبي عمرو بن العلاء، عن ميمون الأقرن، [عن عنبسة الفيل،] 1308 عن أبي الأسود الدؤلي، عنه عليه السلام، و السبب في ذلك أنّ قريشا كانوا يتزوّجون في الأنباط، فرفع فيما بينهم أولادهم فأفسدوا لسانهم، حتى انّ بنت حرملة بن خويلد الأسدي 1309 كانت متزوّجة في الأنباط، فقالت: إنّ أبوي مات و ترك عليّ مال كثير 1310 ، فلمّا رأوا فساد لسانها أخبروا أمير المؤمنين عليه السّلام فأسّس النحو.
و روي أنّ أعرابيّا سمع من سوقيّ يقرأ: إنّ اللّه بريء من المشركين
و رسوله، فشجّ رأسه، فخاصمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له في ذلك، فقال: إنّه كفر باللّه في قراءته.
فقال صلوات اللّه عليه: إنّه لم يتعمّد ذلك.
و روي أنّ أبا الأسود كان في بصره سوء و له بنيّة تقوده إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقالت: يا أبتاه ما أشدّ حرّ الرمضاء! تريد التعجّب، فنهاها عن مقالتها، و أخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك فأسّس النحو.
و روي أنّ أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة، فقال قائل: من المتوفّي؟
فقال أبو الأسود: اللّه، ثمّ إنّه أخبر عليّا عليه السلام بذلك فأسّس النحو و دفعه 1311 إلى أبي الأسود، و قال: ما أحسن هذا النحو، فسمّي نحوا.
قال ابن سلّام: كانت الرقعة: الكلام ثلاثة أشياء: اسم و فعل و حرف جاء لمعنى.
فالاسم: ما أنبأ عن المسمّى.
و الفعل: ما أنبأ عن حركة المسمّى.
و الحرف: ما أوجد معنى في غيره.