کتابخانه روایات شیعه
فقال: بأبي أنت و امّي يا رسول اللّه، سمعت مائة ألف لغة، و أربعة و عشرين ألف لغة، فعلمت أنّهم مائة ألف و أربعة و عشرون ألف ملك.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: زادك اللّه علما و حلما، يا أبا الحسن؟ 1306
قال الفرغاني شارح قصيدة نظم السلوك في حضائر الملائكة من نظم الشيخ عمر بن الفارض المصري العارف الصوفي 1307 عند شرحه لهذا البيت، و هو:
وحز بالولاء ميراث أرفع عارف
غدا همّه إيثار تأثير همّة
«وحز»: أي اجمع، و في قوله: «بالولاء» مرهم معنى الحبّ المذكور، و معنى حبّ أهل البيت عليهم السلام على اصطلاح الشيعة القائلين بالولاء، و «أرفع عارف» المراد به أمير المؤمنين علي عليه السلام، فإنّه صاحب المعرفة الحقيقيّة بالأصالة و غيره بالتبعيّة، فإنّ النسبة إلى الولاية الّتي هي منبع العلوم الحقيقيّة و المعارف الأصليّة لا تصحّ إلّا من جهته و حيثيّته، فإنّه كان مظهر الولاية الأحمديّة حيث انشقّت عن نبوّته صلّى اللّه عليه و آله الّذي كان انشقاق القمر صورة ذلك الانشقاق و هو باطنه و سرّه الظاهر بسبب ظهوره فإنّ كلّ معنى لا بدّ أن يظهر له صورة محسوسة، و كان عليّ عليه السلام هو أرفع عارف في الدنيا من حيث ما حضر أصله بقوله: أنا مدينة العلم و عليّ بابها،
و هو علم الحقيقة ما خلا أصله صلّى اللّه عليه و آله.
و قوله: «غدا همّه إيثار تأثير همّة» يعني انّه آثر الصبر على تأثير همّته.
انظر كيف تظاهر و تظافر خلق في غاية الكثرة و جماعة جمّة على إيذائه و وضعه و قمعه و محاربته و مقابلته حتى قام الشيخ العارف سعيد مدافعتهم و مقاتلتهم في الظاهر بالسيف، و لم يسلّط عليهم همّته الفعّالة و همّه لدفعهم و إهلاكهم عن آخرهم بحيث لم يبق منهم واد و لا ديار مع تحقّقه بذلك لكن تركهم بمعرفته على الحقيقة لوقوع ذلك كلّه، و ان لا مندوحة عمّا جرى على نحو ما جرى، فلذلك ترك التأثير بالهمّة و وكّل الأمر إلى مجزيه تعالى و تقدّس.
[أنّ أمير المؤمنين علي عليه السلام هو واضع النحو]
و منهم النحاة، و هو واضع النحو، لأنّهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسى بن عمرو الثقفي، عن عبد اللّه بن إسحاق الحضرمي، عن أبي عمرو بن العلاء، عن ميمون الأقرن، [عن عنبسة الفيل،] 1308 عن أبي الأسود الدؤلي، عنه عليه السلام، و السبب في ذلك أنّ قريشا كانوا يتزوّجون في الأنباط، فرفع فيما بينهم أولادهم فأفسدوا لسانهم، حتى انّ بنت حرملة بن خويلد الأسدي 1309 كانت متزوّجة في الأنباط، فقالت: إنّ أبوي مات و ترك عليّ مال كثير 1310 ، فلمّا رأوا فساد لسانها أخبروا أمير المؤمنين عليه السّلام فأسّس النحو.
و روي أنّ أعرابيّا سمع من سوقيّ يقرأ: إنّ اللّه بريء من المشركين
و رسوله، فشجّ رأسه، فخاصمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له في ذلك، فقال: إنّه كفر باللّه في قراءته.
فقال صلوات اللّه عليه: إنّه لم يتعمّد ذلك.
و روي أنّ أبا الأسود كان في بصره سوء و له بنيّة تقوده إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقالت: يا أبتاه ما أشدّ حرّ الرمضاء! تريد التعجّب، فنهاها عن مقالتها، و أخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك فأسّس النحو.
و روي أنّ أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة، فقال قائل: من المتوفّي؟
فقال أبو الأسود: اللّه، ثمّ إنّه أخبر عليّا عليه السلام بذلك فأسّس النحو و دفعه 1311 إلى أبي الأسود، و قال: ما أحسن هذا النحو، فسمّي نحوا.
قال ابن سلّام: كانت الرقعة: الكلام ثلاثة أشياء: اسم و فعل و حرف جاء لمعنى.
فالاسم: ما أنبأ عن المسمّى.
و الفعل: ما أنبأ عن حركة المسمّى.
و الحرف: ما أوجد معنى في غيره.
و كتب صلوات اللّه عليه: و كتبه عليّ بن أبو طالب، فعجزوا عن ذلك، فقالوا: أبو طالب: اسمه لا كنيته 1312 ، و قالوا: هذا تركيب مثل [درّاحناو] 1313 حضرموت و بعل بك.
و قال الزمخشري في الفائق 1314 : ترك في حال الجرّ على لفظه في حال الرفع، لأنّه اشتهر بذلك و عرف، فجرى مجرى المثل الّذي لا يغيّر 1315 .
[في إخلاص أمير المؤمنين عليه السلام و سبقه بالجهاد و أعماله الصالحة]
و أمّا إخلاصه و سبقه بالجهاد و الأعمال الصالحة الّتي لم يقصد بها إلّا وجه اللّه فقد شهد اللّه له بها في كتابه، و كذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
روي أنّه لمّا اسر العبّاس بن عبد المطّلب [يوم بدر] 1316 أقبل المسلمون يعيّرونه بكفره باللّه و قطيعة الرحم، و أغلظ له أمير المؤمنين عليه السلام القول، فقال العبّاس: ما لكم تذكرون مساوئنا و لا تذكرون محاسننا؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أ لكم محاسن؟
فقال: نعم، إنّا لنعمّر المسجد الحرام [، و نحجب الكعبة، و نسقي الحاجّ، و نفكّ العاني 1317 ، فأنزل اللّه تعالى- ردّا على العبّاس و وفاقا لعليّ بن أبي طالب عليه السلام-] 1318 : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ) 1319 الآية، ثمّ قال: (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ) 1320 الآية، ثمّ قال:
(أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ) 1321 الآية 1322 .
و روى إسماعيل بن خالد، عن عامر. و ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عبّاس. و مقاتل، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس. و السدّي، عن أبي صالح. و ابن
أبي خالد و زكريّا 1323 عن الشعبي أنّ هذه الآية نزلت في عليّ عليه السلام.
[الثعلبي و القشيريّ و الجبّائي و الفلكيّ في تفاسيرهم، و الواحديّ في أسباب نزول القرآن 1324 عن الحسن البصري و عامر الشعبي و محمد بن كعب القرظي. و روينا عن عثمان بن أبي شيبة و وكيع بن الجرّاح و شريك القاضي و محمد بن سيرين و مقاتل بن سليمان و السدّي و أبي مالك] 1325 و مرّة الهمداني و ابن عبّاس أنّه افتخر العبّاس بن عبد المطّلب، فقال: أنا عمّ محمد، و أنا صاحب سقاية الحجيج، فأنا أفضل من عليّ بن أبي طالب.
فقال شيبة بن عثمان أو طلحة أو عثمان: و أنا اعمّر بيت اللّه الحرام، و صاحب حجابته، فأنا أفضل.
و كان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرا، فقال: أنا أفضل منكما، لقد صلّيت قبلكما بستّ سنين، و أنا اجاهد في سبيل اللّه.
و في رواية الحاكم أبي القاسم الحسكاني 1326 بإسناده عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بينا شيبة و العبّاس يتفاخران إذ مرّ بهما علي بن أبي طالب، فقال:
بما ذا تتفاخران؟
فقال العبّاس: لقد اوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد سقاية الحاجّ. و قال شيبة: اوتيت عمارة المسجد الحرام.
فقال أمير المؤمنين: لقد استحييت لكما فقد اوتيت على صغري ما لم
تؤتيا.
فقالا: و ما اوتيت يا علي؟
قال: ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما باللّه و رسوله.
فقام العبّاس مغضبا يجرّ ذيله حتى دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال: أ ما ترى ما استقبلني به عليّ؟
فقال صلّى اللّه عليه و آله: ادعوا لي عليّا، فدعي له، فقال: ما حملك على ما استقبلت به عمّك؟
فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليك و آلك، صدمته بالحقّ، فمن شاء فليغضب، و من شاء فليرض، فنزل جبرائيل و قال: يا محمد، إنّ ربّك يقرئك السلام و يقول لك: اتل عليهم (أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) 1327 الآيات.
فقال العبّاس: أنا قد رضيت- ثلاث مرّات- 1328 .
في كتاب أبي بكر الشيرازي بإسناده عن مقاتل، [عن مجاهد،] 1329 عن ابن عبّاس في قوله تعالى: (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) - إلى قوله- (بِغَيْرِ حِسابٍ) 1330 قال: و اللّه هو أمير المؤمنين.
ثمّ قال بعد كلام: [و ذلك] 1331 أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أعطى عليّا
[يوما] 1332 ثلاثمائة دينار اهديت إليه، قال علي: فأخذتها و قلت: و اللّه لأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها اللّه منّي من هذه الدنانير، فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخذت منها مائة دينار و خرجت من المسجد، فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير، فأصبح الناس بالغد يقولون تصدّق عليّ في هذه الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة، فاغتممت غمّا شديدا.
فلمّا صلّيت الليلة القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار و خرجت من المسجد، و قلت: و اللّه لأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها اللّه منّي، فلقيت رجلا فتصدّقت عليه بالدنانير، فأصبح الناس 1333 يقولون: إنّ عليّا في هذه الليلة تصدّق بمائة دينار على رجل سارق، فاغتممت لذلك غمّا شديدا، و قلت:
و اللّه لأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها اللّه منّي، فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خرجت من المسجد و معي المائة دينار الباقية، فلقيت رجلا فأعطيته إيّاها، فأصبح الناس يقولون: إنّ عليّا تصدّق البارحة على رجل غنيّ، فاغتممت لذلك غمّا شديدا، و أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأخبرته.