کتابخانه روایات شیعه
و توجّهه إلى معبوده، و إخلاصه بطاعة ربّه في سرّه و علانيته، و جهاده في سبيل خالقه، و شدّة بأسه، و محاماته عن صاحب الدعوة و بذله نفسه وقاية له من أعدائه، فيظهر له بذلك أعظم دليل على وجوب اتّباعه، و هذه مقدّمة إجماعيّة لا يختلف فيها مسلم، بل جميع الامّة مجمعة على صحّة ذلك، المؤالف و المخالف، إلّا ما شذّ من أهل الزيغ و التعصّب بالباطل، الّذين لا يعبأ بشذوذهم، لكونهم قد خرجوا عن ربقة المؤمنين و الصغرى ضروريّة، فثبت انّه صلوات اللّه عليه واجب الطاعة على الأحمر و الأبيض.
روي أنّ عمروا بن العاص قال: و اللّه ما أحد يعيّر بفراره من عليّ بن أبي طالب.
و لمّا نعي بقتل أمير المؤمنين عليه السلام بالعراق دخل عمرو بن العاص على معاوية مبشّرا فقال: إنّ الأسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقى شعوبه 1393 .
صاحب الفائق 1394 قال: كانت ضربات عليّ أبكارا. إذا اعتلى قدّ، و إذا اعترض قطّ، و إذا أتى حصنا هدّ.
و قالوا أيضا: كانت ضربات علي أبكارا لا عونا؛ يقال: ضربه بكر أي [قاطعة] 1395 لا يحتاج أن يثنّى، و العوان الّتي يحتاج أن تثنّى. زعمت الفرس أنّ اصول الضرب سبعة 1396 ، و كلّها مأخوذة عنه صلوات اللّه عليه، [و هي:] 1397 علويّة
و سفليّة و غاله 1398 و ماله و حاله و جر و هام 1399 .
و لو لا خوف الإطالة لأوردنا نبذة يسيرة بالنسبة إلى كثرة قتلاه بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بعده؛ كمرحب في خيبر، و ذي الخمار و العنكبوت، و ما لا يحصى كثرة في غزاة السلاسل، و قتاله بعد الرسول الناكثين و القاسطين و المارقين في وقعة الجمل حتى بلغ إلى قطع يد الجمل ثمّ قطع رجليه حتى سقط، و له ليلة الهرير خمسمائة و ستّ و ثلاثين تكبيرة- و في رواية: سبعمائة 1400 -.
و قال صلوات اللّه عليه: لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها.
و كانت قريش إذا رأته في الحرب تواصت خوفا منه، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخوّف المشركين به 1401 .
[في كرم أمير المؤمنين عليه السلام]
و أمّا كرمه فلا مزيد عليه حتى انّه آثر بقوته و قوت عياله حتى أنزل اللّه فيه و في زوجته و ابنيه سورة تتلى إلى يوم القيامة.
و روى المخالف أنّ عليّا عليه السلام كان يحارب رجلا من المشركين، فقال المشرك: يا ابن أبي طالب، هبني سيفك، فرماه إليه.
فقال المشرك: عجبا يا ابن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إليّ سيفك! 1402
فقال: يا هذا، إنّك مددت إليّ يد المسألة، و ليس من الكرم أن يردّ السائل، فرمى الكافر بنفسه إلى الأرض و أسلم، و قال: هذه شيمة 1403 أهل الدين، و قبّل قدم أمير المؤمنين.
و قال جبرائيل في حقّه: لا سيف إلّا ذو الفقار، و لا فتى إلّا علي 1404 .
[تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه و هو راكع]
و حسبه صلوات اللّه عليه فضيلة صدقته بخاتمه في ركوعه حتى أنزل اللّه فيه (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) 1405 و أجمع المؤالف و المخالف انّها نزلت في علي عليه السلام لمّا تصدّق بخاتمه في ركوعه، رواه أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن 1406 على ما حكاه المغربي عنه و الطبري و الرمّاني، و هو قول مجاهد و السدّي. و أمّا علماء أهل البيت لا يختلفون في ذلك كأبي جعفر الباقر و ابنه أبي عبد اللّه عليهما السلام. و رواه أبو صالح، عن ابن عبّاس.
و أورد الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي رضي اللّه عنه في تفسيره بإسناد متّصل، قال: بينا ابن عبّاس رضي اللّه عنه جالس على شفير زمزم يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ أقبل رجل معتمّ 1407 بعمامة، فجعل ابن عبّاس لا يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلّا قال الرجل: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
فقال ابن عبّاس: سألتك باللّه- يا أيّها الرجل- من أنت؟
فكشف العمامة عن وجهه و قال: أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا اعرّفه بنفسي، أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ الغفاري سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بهاتين و إلّا فصمّتا، و رأيته بهاتين و إلّا فعميتا، يقول: عليّ قائد البررة، و قاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، أما إنّي صلّيت العصر مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، فرفع السائل يده إلى السماء، فقال: اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يعطني أحد شيئا، و كان عليّ راكعا فأوما بخنصره اليمنى إليه- و كان يتختّم فيها- فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، و ذلك حين صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله 1408 ، فلمّا فرغ النبيّ من صلاته رفع رأسه إلى السماء و قال: اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك و قال: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) 1409 فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) 1410 .
اللّهمّ و أنا محمد نبيّك و صفيّك فاشرح لي صدري، و يسّر لي أمري، و اجعل لي وزيرا من أهلي، عليّا اشدد به أزري.
قال أبو ذرّ: فو اللّه ما استتمّ رسول اللّه كلامه حتى نزل عليه جبرائيل من عند اللّه، فقال: يا محمد، اقرأ.
قال: و ما أقرأ؟
قال: اقرأ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) 1411 .
و روى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الاسناد بعينه، و روى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن، على ما حكاه المغربي عنه و الطبري و الرمّاني، و هو قول مجاهد و السدّي، و هو المرويّ عن جميع أهل البيت عليهم السلام 1412 .
و في رواية اخرى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل المسجد و الناس بين راكع و ساجد فبصر بسائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئا؟
فقال: نعم، خاتم من فضّة.
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: من أعطاكه؟
قال: ذلك القائم- و أومأ بيده إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه-.
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: على أيّ حال أعطاكه؟
قال: أعطاني و هو راكع.
فكبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ قرأ (وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ) 1413 .
[أبيات لحسّان بن ثابت بهذا المعنى]
فأنشأ حسّان بن ثابت 1414 :
أبا حسن تفديك روحي 1415 و مهجتي
و كلّ بطيء في الهدى و مسارع
أ يذهب مدحيك المحبر ضائعا
و ما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الّذي أعطيت إذ كنت راكعا
زكاة فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك اللّه خير ولاية
و بيّنها في محكمات الشرائع 1416
فمن أوّل هذه الآية بالتأويلات الواهية، و الآراء الساهية، فقد عدل عن الظاهر، و ارتكب الطريق الجائر، و أعمت العصبيّة قلبه فما له من قوّة و لا ناصر، و أصمّت الضلالة سمعه فصار من أهل المثل السائر، حبك الشيء يعمي و يصمّ، و إلّا فالظاهر الّذي لا يعدل عنه في هذه الآية أنّ اللّه سبحانه بيّن في هذه الآية من له التصرّف في الخلق و الولاية عليهم فقال: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ) [أي] 1417 الّذي يتولّى مصالحكم و تدبيركم هو اللّه الّذي لا إله إلّا هو، ثمّ من بعده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يفعل فيكم ما يفعل بأمر اللّه (وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) 1418 أي في حال ركوعهم.
و في هذه الآية أعظم دلالة على صحّة إمامة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بعد رسول اللّه بلا فصل، و الدلالة فيه انّ لفظة إنّما تفيد الحصر، فصارت الولاية منحصرة في اللّه و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة يؤتون
الزكاة و هم راكعون، كما تقول: إنّما الفصاحة للعرب، فحصرت الفصاحة فيهم و نفيتها عن غيرهم، و كما تقول: إنّما أكلت رغيفا، و إنّما رأيت زيدا، فنفيت أكل أكثر من رغيف و رؤية غير زيد.
و وجه آخر و هو انّ الولاية مختصّة بمن ذكرنا هو انّه سبحانه قال: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ) فخاطب جميع المؤمنين، و دخل في الخطاب النبيّ و غيره، ثمّ قال:
(وَ رَسُولُهُ) فأخرج النبي من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته، ثمّ قال:
(وَ الَّذِينَ آمَنُوا) فوجب أن يكون الّذي خوطب بالآية غير الّذي حصلت له الولاية، و لا أدّى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، و إلى أن يكون كلّ واحد من المؤمنين وليّ نفسه، و هذا باطل، فثبت بذلك الولاية العامّة للّه و لرسوله و للمؤمنين الّذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون، و ليس لأحد أن يقول: إنّ لفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) جمع و لا يجوز أن يتوجّه إلى أمير المؤمنين على الانفراد، و ذلك انّ أهل اللغة يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التعظيم و التفخيم، و ذلك أشهر في كلامهم من الاستدلال عليه، و ليس لهم أن يقولوا: إنّ المراد بقوله: (وَ هُمْ راكِعُونَ) انّ هذه سمتهم 1419 فلا يكون حالا لإيتاء الزكاة و ذلك لأنّ قوله: (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) قد دخل فيه الركوع، فإذا حملناه على أنّ من سمتهم 1420 الركوع كان ذلك كالتكرار الغير مفيد، و تأويل المفيد أولى من البعيد الّذي لا يفيد، فثبتت الولاية العامّة لأمير المؤمنين عليه السلام كما ثبتت للّه و لرسوله 1421 .