کتابخانه روایات شیعه
فقال ابن عبّاس: سألتك باللّه- يا أيّها الرجل- من أنت؟
فكشف العمامة عن وجهه و قال: أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا اعرّفه بنفسي، أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ الغفاري سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بهاتين و إلّا فصمّتا، و رأيته بهاتين و إلّا فعميتا، يقول: عليّ قائد البررة، و قاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، أما إنّي صلّيت العصر مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، فرفع السائل يده إلى السماء، فقال: اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يعطني أحد شيئا، و كان عليّ راكعا فأوما بخنصره اليمنى إليه- و كان يتختّم فيها- فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، و ذلك حين صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله 1408 ، فلمّا فرغ النبيّ من صلاته رفع رأسه إلى السماء و قال: اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك و قال: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) 1409 فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) 1410 .
اللّهمّ و أنا محمد نبيّك و صفيّك فاشرح لي صدري، و يسّر لي أمري، و اجعل لي وزيرا من أهلي، عليّا اشدد به أزري.
قال أبو ذرّ: فو اللّه ما استتمّ رسول اللّه كلامه حتى نزل عليه جبرائيل من عند اللّه، فقال: يا محمد، اقرأ.
قال: و ما أقرأ؟
قال: اقرأ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) 1411 .
و روى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الاسناد بعينه، و روى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن، على ما حكاه المغربي عنه و الطبري و الرمّاني، و هو قول مجاهد و السدّي، و هو المرويّ عن جميع أهل البيت عليهم السلام 1412 .
و في رواية اخرى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل المسجد و الناس بين راكع و ساجد فبصر بسائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئا؟
فقال: نعم، خاتم من فضّة.
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: من أعطاكه؟
قال: ذلك القائم- و أومأ بيده إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه-.
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: على أيّ حال أعطاكه؟
قال: أعطاني و هو راكع.
فكبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ قرأ (وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ) 1413 .
[أبيات لحسّان بن ثابت بهذا المعنى]
فأنشأ حسّان بن ثابت 1414 :
أبا حسن تفديك روحي 1415 و مهجتي
و كلّ بطيء في الهدى و مسارع
أ يذهب مدحيك المحبر ضائعا
و ما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الّذي أعطيت إذ كنت راكعا
زكاة فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك اللّه خير ولاية
و بيّنها في محكمات الشرائع 1416
فمن أوّل هذه الآية بالتأويلات الواهية، و الآراء الساهية، فقد عدل عن الظاهر، و ارتكب الطريق الجائر، و أعمت العصبيّة قلبه فما له من قوّة و لا ناصر، و أصمّت الضلالة سمعه فصار من أهل المثل السائر، حبك الشيء يعمي و يصمّ، و إلّا فالظاهر الّذي لا يعدل عنه في هذه الآية أنّ اللّه سبحانه بيّن في هذه الآية من له التصرّف في الخلق و الولاية عليهم فقال: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ) [أي] 1417 الّذي يتولّى مصالحكم و تدبيركم هو اللّه الّذي لا إله إلّا هو، ثمّ من بعده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يفعل فيكم ما يفعل بأمر اللّه (وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) 1418 أي في حال ركوعهم.
و في هذه الآية أعظم دلالة على صحّة إمامة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بعد رسول اللّه بلا فصل، و الدلالة فيه انّ لفظة إنّما تفيد الحصر، فصارت الولاية منحصرة في اللّه و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة يؤتون
الزكاة و هم راكعون، كما تقول: إنّما الفصاحة للعرب، فحصرت الفصاحة فيهم و نفيتها عن غيرهم، و كما تقول: إنّما أكلت رغيفا، و إنّما رأيت زيدا، فنفيت أكل أكثر من رغيف و رؤية غير زيد.
و وجه آخر و هو انّ الولاية مختصّة بمن ذكرنا هو انّه سبحانه قال: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ) فخاطب جميع المؤمنين، و دخل في الخطاب النبيّ و غيره، ثمّ قال:
(وَ رَسُولُهُ) فأخرج النبي من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته، ثمّ قال:
(وَ الَّذِينَ آمَنُوا) فوجب أن يكون الّذي خوطب بالآية غير الّذي حصلت له الولاية، و لا أدّى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، و إلى أن يكون كلّ واحد من المؤمنين وليّ نفسه، و هذا باطل، فثبت بذلك الولاية العامّة للّه و لرسوله و للمؤمنين الّذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون، و ليس لأحد أن يقول: إنّ لفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) جمع و لا يجوز أن يتوجّه إلى أمير المؤمنين على الانفراد، و ذلك انّ أهل اللغة يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التعظيم و التفخيم، و ذلك أشهر في كلامهم من الاستدلال عليه، و ليس لهم أن يقولوا: إنّ المراد بقوله: (وَ هُمْ راكِعُونَ) انّ هذه سمتهم 1419 فلا يكون حالا لإيتاء الزكاة و ذلك لأنّ قوله: (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) قد دخل فيه الركوع، فإذا حملناه على أنّ من سمتهم 1420 الركوع كان ذلك كالتكرار الغير مفيد، و تأويل المفيد أولى من البعيد الّذي لا يفيد، فثبتت الولاية العامّة لأمير المؤمنين عليه السلام كما ثبتت للّه و لرسوله 1421 .
كلمات ألقاها جناني إلى لساني، و سجعات أملاها إيماني على بياني،
و مناجاة توسّلت بها إلى ربّي، و فقرات أسداها صادق عهدي إلى قلبي:
اللّهمّ إنّك طهّرت قلوبنا من كلّ ريب، و نزّهت نفوسنا من كلّ عيب، و جعلتها مأوى الإخلاص لولاية وليّك، و مثوى الإمحاض 1422 لوصيّ نبيّك، لا نعتقد بعد نبيّك أقرب منه إليك، و لا نعلم وليّا نتوسّل به سواه لديك، قرنت طاعته بطاعتك، و أوجبت ولايته كولايتك، و نوّهت بذكره في محكم تنزيلك، و شددت به عضد نبيّك و رسولك، و أفرغت على أعطاف إمامته خلع الرئاسة الكبرى، و جعلته أفضل خلقك بعد رسولك في الدنيا و الاخرى، لا يدخل الجنّة إلّا مستمسكا بحبله، و لا يذوق النار إلّا جاحدا لفضله، حبّه فرض على كافّة بريّتك، و بغضه كفر موجب لنكال عقوبتك.
يطرب ذكره قلبي و يكشف مدحه كربي، و ينشي وصفه نشوة السرور في سرائري، و ينتج ذكره نشاءة الحبور في ضمائري.
حبّه منوط بلحمي و دمي، و لفظه شفاي من أوصابي و سقمي، لا تقبل صلاتي إلّا بالصلاة عليه، و لا تخلص طاعتي إلّا بتفويض اموري إليه، لما جعلت حبّه عنوان الإيمان بك، و التفريط في جنبه تقريط في جنبك، فهو وليّك في عبادك حين أخذت عليهم الميثاق، و خليفتك في بلادك على الاطلاق، و لسانك الناطق بالحقّ، و يدك الباسطة على الخلق، من أطاعه أدخلته جنّتك و إن عصاك، و من عصاه خلّدته نارك و إن أطاعك، كنز علمك، و معدن حكمك، و مشرق أنوارك، و مظهر أسرارك.
(هَلْ أَتى) 1423 في شأنه اتيت، و (إِنَّما وَلِيُّكُمُ) 1424 في بيانه انزلت، و آية
المباهلة 1425 تشهد بمساواته لنبيّك، و الإخلاص بحبّه أجر بلاغ صفيّك، و مائدة شرفه بحديث: «لحمك لحمي» 1426 كملت، و ملّة الاسلام بنصبه علما للامّة كملت، و سمت نفسي بميسم العبوديّة لحضرته، و قدّرت انّي أقلّ خدمه و إن كنت من حفدته.
إذا ذكرت صغائر ذنوبي و كبائرها، و موبقات عيوبي و تكاثرها، قرعت باب الرجاء بيد حبّه، و توسّلت إلى خالقي بإخلاصه و قربه، فيناجيني بلسان نبيّه في سرائري، و يخاطبني ببيان وليّه في ضمائري: «حبّ علي حسنة لا يضرّ معها سيّئة، و بغضه سيّئة لا ينفع معها حسنة» 1427 ، فيحلو مكرّر حديثها في لهواتي، و يجلو ترداد خطابها همومي في خلواتي.
لا أعتقد بعد توحيد ربّي و تنزيهه عمّا لا يليق بكماله و الاقرار لنبيّي بعدم المماثل له في شرفه و جلاله أوجب طاعة، و لا أفوض متابعة، و لا أثبت إيمانا، و لا أعلى تبيانا، و لا أشدّ ركنا، و لا أبين معنى، و لا أوضح حجّة، و لا أهيع
محجّة، و لا أشمخ فخرا، و لا أرفع ذكرا، من الاذعان بالطاعة لنهيه و أمره، و لا يعتاد بالمتابعة لسرّه و جهره.
فيا من يحسده على ما آتاه اللّه من فضله، و يدّعي رتبته، و هو لا يعادل عند اللّه شسع نعله، لقد طرت مستكبرا، و تعاظمت صغيرا، و أوثقت نفسك، و أنكرت جنسك، و جهلت قدرك، و شبت درّك، و بادرت خالقك بمعصيتك، و لم يحسن يوما تؤخذ فيه بناصيتك، أ تريد أن تستر الشمس بكفّك، أو تنقص البحر بغرفك، و تجار الجواد بأناتك، أو تنال السماء ببنانك؟
ويك ارفق بنفسك، و لا تفخر بغرسك، فهذا الّذي شرّفت بذكره مقالي، و وجّهت إلى كعبة جوده آمالي، و رجوته معادي في حشري، و نوري في قبري، و كنزي لفقري، و وجهتي في عسري و يسري، هو البحر الّذي لا ينزف، و العارف الّذي لا يعرف، و الشمس الّتي لا تخفى، و النور الّذي لا يطفأ، المنزّه بكماله عن الأنداد، الجامع في خصاله بين الأضداد، يحيي بجوده الآمال، و يميت بفتكه الأبطال، و تصل بكفّه الاقصار، و تقطع بسيفه الآجال.