کتابخانه روایات شیعه
قال: و ما أقرأ؟
قال: اقرأ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) 1411 .
و روى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الاسناد بعينه، و روى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن، على ما حكاه المغربي عنه و الطبري و الرمّاني، و هو قول مجاهد و السدّي، و هو المرويّ عن جميع أهل البيت عليهم السلام 1412 .
و في رواية اخرى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل المسجد و الناس بين راكع و ساجد فبصر بسائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئا؟
فقال: نعم، خاتم من فضّة.
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: من أعطاكه؟
قال: ذلك القائم- و أومأ بيده إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه-.
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: على أيّ حال أعطاكه؟
قال: أعطاني و هو راكع.
فكبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ قرأ (وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ) 1413 .
[أبيات لحسّان بن ثابت بهذا المعنى]
فأنشأ حسّان بن ثابت 1414 :
أبا حسن تفديك روحي 1415 و مهجتي
و كلّ بطيء في الهدى و مسارع
أ يذهب مدحيك المحبر ضائعا
و ما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الّذي أعطيت إذ كنت راكعا
زكاة فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك اللّه خير ولاية
و بيّنها في محكمات الشرائع 1416
فمن أوّل هذه الآية بالتأويلات الواهية، و الآراء الساهية، فقد عدل عن الظاهر، و ارتكب الطريق الجائر، و أعمت العصبيّة قلبه فما له من قوّة و لا ناصر، و أصمّت الضلالة سمعه فصار من أهل المثل السائر، حبك الشيء يعمي و يصمّ، و إلّا فالظاهر الّذي لا يعدل عنه في هذه الآية أنّ اللّه سبحانه بيّن في هذه الآية من له التصرّف في الخلق و الولاية عليهم فقال: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ) [أي] 1417 الّذي يتولّى مصالحكم و تدبيركم هو اللّه الّذي لا إله إلّا هو، ثمّ من بعده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يفعل فيكم ما يفعل بأمر اللّه (وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) 1418 أي في حال ركوعهم.
و في هذه الآية أعظم دلالة على صحّة إمامة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بعد رسول اللّه بلا فصل، و الدلالة فيه انّ لفظة إنّما تفيد الحصر، فصارت الولاية منحصرة في اللّه و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة يؤتون
الزكاة و هم راكعون، كما تقول: إنّما الفصاحة للعرب، فحصرت الفصاحة فيهم و نفيتها عن غيرهم، و كما تقول: إنّما أكلت رغيفا، و إنّما رأيت زيدا، فنفيت أكل أكثر من رغيف و رؤية غير زيد.
و وجه آخر و هو انّ الولاية مختصّة بمن ذكرنا هو انّه سبحانه قال: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ) فخاطب جميع المؤمنين، و دخل في الخطاب النبيّ و غيره، ثمّ قال:
(وَ رَسُولُهُ) فأخرج النبي من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته، ثمّ قال:
(وَ الَّذِينَ آمَنُوا) فوجب أن يكون الّذي خوطب بالآية غير الّذي حصلت له الولاية، و لا أدّى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، و إلى أن يكون كلّ واحد من المؤمنين وليّ نفسه، و هذا باطل، فثبت بذلك الولاية العامّة للّه و لرسوله و للمؤمنين الّذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون، و ليس لأحد أن يقول: إنّ لفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) جمع و لا يجوز أن يتوجّه إلى أمير المؤمنين على الانفراد، و ذلك انّ أهل اللغة يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التعظيم و التفخيم، و ذلك أشهر في كلامهم من الاستدلال عليه، و ليس لهم أن يقولوا: إنّ المراد بقوله: (وَ هُمْ راكِعُونَ) انّ هذه سمتهم 1419 فلا يكون حالا لإيتاء الزكاة و ذلك لأنّ قوله: (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) قد دخل فيه الركوع، فإذا حملناه على أنّ من سمتهم 1420 الركوع كان ذلك كالتكرار الغير مفيد، و تأويل المفيد أولى من البعيد الّذي لا يفيد، فثبتت الولاية العامّة لأمير المؤمنين عليه السلام كما ثبتت للّه و لرسوله 1421 .
كلمات ألقاها جناني إلى لساني، و سجعات أملاها إيماني على بياني،
و مناجاة توسّلت بها إلى ربّي، و فقرات أسداها صادق عهدي إلى قلبي:
اللّهمّ إنّك طهّرت قلوبنا من كلّ ريب، و نزّهت نفوسنا من كلّ عيب، و جعلتها مأوى الإخلاص لولاية وليّك، و مثوى الإمحاض 1422 لوصيّ نبيّك، لا نعتقد بعد نبيّك أقرب منه إليك، و لا نعلم وليّا نتوسّل به سواه لديك، قرنت طاعته بطاعتك، و أوجبت ولايته كولايتك، و نوّهت بذكره في محكم تنزيلك، و شددت به عضد نبيّك و رسولك، و أفرغت على أعطاف إمامته خلع الرئاسة الكبرى، و جعلته أفضل خلقك بعد رسولك في الدنيا و الاخرى، لا يدخل الجنّة إلّا مستمسكا بحبله، و لا يذوق النار إلّا جاحدا لفضله، حبّه فرض على كافّة بريّتك، و بغضه كفر موجب لنكال عقوبتك.
يطرب ذكره قلبي و يكشف مدحه كربي، و ينشي وصفه نشوة السرور في سرائري، و ينتج ذكره نشاءة الحبور في ضمائري.
حبّه منوط بلحمي و دمي، و لفظه شفاي من أوصابي و سقمي، لا تقبل صلاتي إلّا بالصلاة عليه، و لا تخلص طاعتي إلّا بتفويض اموري إليه، لما جعلت حبّه عنوان الإيمان بك، و التفريط في جنبه تقريط في جنبك، فهو وليّك في عبادك حين أخذت عليهم الميثاق، و خليفتك في بلادك على الاطلاق، و لسانك الناطق بالحقّ، و يدك الباسطة على الخلق، من أطاعه أدخلته جنّتك و إن عصاك، و من عصاه خلّدته نارك و إن أطاعك، كنز علمك، و معدن حكمك، و مشرق أنوارك، و مظهر أسرارك.
(هَلْ أَتى) 1423 في شأنه اتيت، و (إِنَّما وَلِيُّكُمُ) 1424 في بيانه انزلت، و آية
المباهلة 1425 تشهد بمساواته لنبيّك، و الإخلاص بحبّه أجر بلاغ صفيّك، و مائدة شرفه بحديث: «لحمك لحمي» 1426 كملت، و ملّة الاسلام بنصبه علما للامّة كملت، و سمت نفسي بميسم العبوديّة لحضرته، و قدّرت انّي أقلّ خدمه و إن كنت من حفدته.
إذا ذكرت صغائر ذنوبي و كبائرها، و موبقات عيوبي و تكاثرها، قرعت باب الرجاء بيد حبّه، و توسّلت إلى خالقي بإخلاصه و قربه، فيناجيني بلسان نبيّه في سرائري، و يخاطبني ببيان وليّه في ضمائري: «حبّ علي حسنة لا يضرّ معها سيّئة، و بغضه سيّئة لا ينفع معها حسنة» 1427 ، فيحلو مكرّر حديثها في لهواتي، و يجلو ترداد خطابها همومي في خلواتي.
لا أعتقد بعد توحيد ربّي و تنزيهه عمّا لا يليق بكماله و الاقرار لنبيّي بعدم المماثل له في شرفه و جلاله أوجب طاعة، و لا أفوض متابعة، و لا أثبت إيمانا، و لا أعلى تبيانا، و لا أشدّ ركنا، و لا أبين معنى، و لا أوضح حجّة، و لا أهيع
محجّة، و لا أشمخ فخرا، و لا أرفع ذكرا، من الاذعان بالطاعة لنهيه و أمره، و لا يعتاد بالمتابعة لسرّه و جهره.
فيا من يحسده على ما آتاه اللّه من فضله، و يدّعي رتبته، و هو لا يعادل عند اللّه شسع نعله، لقد طرت مستكبرا، و تعاظمت صغيرا، و أوثقت نفسك، و أنكرت جنسك، و جهلت قدرك، و شبت درّك، و بادرت خالقك بمعصيتك، و لم يحسن يوما تؤخذ فيه بناصيتك، أ تريد أن تستر الشمس بكفّك، أو تنقص البحر بغرفك، و تجار الجواد بأناتك، أو تنال السماء ببنانك؟
ويك ارفق بنفسك، و لا تفخر بغرسك، فهذا الّذي شرّفت بذكره مقالي، و وجّهت إلى كعبة جوده آمالي، و رجوته معادي في حشري، و نوري في قبري، و كنزي لفقري، و وجهتي في عسري و يسري، هو البحر الّذي لا ينزف، و العارف الّذي لا يعرف، و الشمس الّتي لا تخفى، و النور الّذي لا يطفأ، المنزّه بكماله عن الأنداد، الجامع في خصاله بين الأضداد، يحيي بجوده الآمال، و يميت بفتكه الأبطال، و تصل بكفّه الاقصار، و تقطع بسيفه الآجال.
إن ذكر ليل فهو راهب دجاه، أو ذكر حرب فهو قطب رحاه، أسد اللّه المحراب، حليف المسجد و المحراب، يجزّ بصارمه الأعناق، و يدرّ بنائله الأرزاق، نقمة اللّه على أعدائه، و رحمته لأوليائه، الشامخ بأنفه في الحرب، و المتواضع من عظمته للربّ، الناسك في خطوته، و الفاتك بسطوته، قتّال الأبطال إذا الحروب وقعت، و بدل الأبدال إذا الجنوب اضطجعت، امتحن اللّه به خلقه، و أبان بالأدلّة الواضحة صدقه، و أكرمه بالشهادة الّتي فضّله بها على من سواه، و أحبّ سبحانه لقاءه، كما أحبّ صلوات اللّه عليه لقاءه، لما تفرّد عن النظير من أبناء جنسه، و تعالى عن التمثيل في طهارته و قدسه.
تعصّبت عصب الضلالة لقتاله، و تحزّبت أحزاب الجهالة لاغتياله، و ضربت إلى حربه بطون رواحلها، و أجلبت على هظمه بأبطال كفرها و باطلها.
فتبّا لها من أمّة الغدر شعارها، و المكر دثارها، و النفاق قرينها، و الشقاق حديثها، خسرت صفقتها، و كسدت تجارتها، فما أضمى فيها، و ظمي ريّها، و أضلّ سعيها، و أشقى ميّتها و حيّها، تاهت في بيداء حيرتها، و غرقت في متلاطم شقوتها، و زيّن الشيطان لها سوء فعلها، و دلّاها بغروره فأوقعها في ورطة جهلها.
أ فهذا كان جزاء نعمة ربّها عليها، و مننه إليها؟! إذ أقام لها وليّا من أوليائه يثقف 1428 أودها، و يقوّم عوجها، و يوضح بها الدليل، و يهديها سواء السبيل، أن تشنّ عليه غاراتها، و تطلبه بنزّاتها 1429 ، و تقصده في نفسه و عترته، و تغمّده في حفدته و شيعته، و تنصب له الغوائل، و تضمي منه المقاتل، و أن تتقدّمه أوغادها سامريّها و عجلها، و أن تجلب مرافقها عليه بخيلها و رجلها، و أن تجمع فسّاقها على حربه في صفّينها و جملها، و أن تنكر فجّارها ما بيّن الرسول من قربه بتفضيلها و جملها.