کتابخانه روایات شیعه
و مناجاة توسّلت بها إلى ربّي، و فقرات أسداها صادق عهدي إلى قلبي:
اللّهمّ إنّك طهّرت قلوبنا من كلّ ريب، و نزّهت نفوسنا من كلّ عيب، و جعلتها مأوى الإخلاص لولاية وليّك، و مثوى الإمحاض 1422 لوصيّ نبيّك، لا نعتقد بعد نبيّك أقرب منه إليك، و لا نعلم وليّا نتوسّل به سواه لديك، قرنت طاعته بطاعتك، و أوجبت ولايته كولايتك، و نوّهت بذكره في محكم تنزيلك، و شددت به عضد نبيّك و رسولك، و أفرغت على أعطاف إمامته خلع الرئاسة الكبرى، و جعلته أفضل خلقك بعد رسولك في الدنيا و الاخرى، لا يدخل الجنّة إلّا مستمسكا بحبله، و لا يذوق النار إلّا جاحدا لفضله، حبّه فرض على كافّة بريّتك، و بغضه كفر موجب لنكال عقوبتك.
يطرب ذكره قلبي و يكشف مدحه كربي، و ينشي وصفه نشوة السرور في سرائري، و ينتج ذكره نشاءة الحبور في ضمائري.
حبّه منوط بلحمي و دمي، و لفظه شفاي من أوصابي و سقمي، لا تقبل صلاتي إلّا بالصلاة عليه، و لا تخلص طاعتي إلّا بتفويض اموري إليه، لما جعلت حبّه عنوان الإيمان بك، و التفريط في جنبه تقريط في جنبك، فهو وليّك في عبادك حين أخذت عليهم الميثاق، و خليفتك في بلادك على الاطلاق، و لسانك الناطق بالحقّ، و يدك الباسطة على الخلق، من أطاعه أدخلته جنّتك و إن عصاك، و من عصاه خلّدته نارك و إن أطاعك، كنز علمك، و معدن حكمك، و مشرق أنوارك، و مظهر أسرارك.
(هَلْ أَتى) 1423 في شأنه اتيت، و (إِنَّما وَلِيُّكُمُ) 1424 في بيانه انزلت، و آية
المباهلة 1425 تشهد بمساواته لنبيّك، و الإخلاص بحبّه أجر بلاغ صفيّك، و مائدة شرفه بحديث: «لحمك لحمي» 1426 كملت، و ملّة الاسلام بنصبه علما للامّة كملت، و سمت نفسي بميسم العبوديّة لحضرته، و قدّرت انّي أقلّ خدمه و إن كنت من حفدته.
إذا ذكرت صغائر ذنوبي و كبائرها، و موبقات عيوبي و تكاثرها، قرعت باب الرجاء بيد حبّه، و توسّلت إلى خالقي بإخلاصه و قربه، فيناجيني بلسان نبيّه في سرائري، و يخاطبني ببيان وليّه في ضمائري: «حبّ علي حسنة لا يضرّ معها سيّئة، و بغضه سيّئة لا ينفع معها حسنة» 1427 ، فيحلو مكرّر حديثها في لهواتي، و يجلو ترداد خطابها همومي في خلواتي.
لا أعتقد بعد توحيد ربّي و تنزيهه عمّا لا يليق بكماله و الاقرار لنبيّي بعدم المماثل له في شرفه و جلاله أوجب طاعة، و لا أفوض متابعة، و لا أثبت إيمانا، و لا أعلى تبيانا، و لا أشدّ ركنا، و لا أبين معنى، و لا أوضح حجّة، و لا أهيع
محجّة، و لا أشمخ فخرا، و لا أرفع ذكرا، من الاذعان بالطاعة لنهيه و أمره، و لا يعتاد بالمتابعة لسرّه و جهره.
فيا من يحسده على ما آتاه اللّه من فضله، و يدّعي رتبته، و هو لا يعادل عند اللّه شسع نعله، لقد طرت مستكبرا، و تعاظمت صغيرا، و أوثقت نفسك، و أنكرت جنسك، و جهلت قدرك، و شبت درّك، و بادرت خالقك بمعصيتك، و لم يحسن يوما تؤخذ فيه بناصيتك، أ تريد أن تستر الشمس بكفّك، أو تنقص البحر بغرفك، و تجار الجواد بأناتك، أو تنال السماء ببنانك؟
ويك ارفق بنفسك، و لا تفخر بغرسك، فهذا الّذي شرّفت بذكره مقالي، و وجّهت إلى كعبة جوده آمالي، و رجوته معادي في حشري، و نوري في قبري، و كنزي لفقري، و وجهتي في عسري و يسري، هو البحر الّذي لا ينزف، و العارف الّذي لا يعرف، و الشمس الّتي لا تخفى، و النور الّذي لا يطفأ، المنزّه بكماله عن الأنداد، الجامع في خصاله بين الأضداد، يحيي بجوده الآمال، و يميت بفتكه الأبطال، و تصل بكفّه الاقصار، و تقطع بسيفه الآجال.
إن ذكر ليل فهو راهب دجاه، أو ذكر حرب فهو قطب رحاه، أسد اللّه المحراب، حليف المسجد و المحراب، يجزّ بصارمه الأعناق، و يدرّ بنائله الأرزاق، نقمة اللّه على أعدائه، و رحمته لأوليائه، الشامخ بأنفه في الحرب، و المتواضع من عظمته للربّ، الناسك في خطوته، و الفاتك بسطوته، قتّال الأبطال إذا الحروب وقعت، و بدل الأبدال إذا الجنوب اضطجعت، امتحن اللّه به خلقه، و أبان بالأدلّة الواضحة صدقه، و أكرمه بالشهادة الّتي فضّله بها على من سواه، و أحبّ سبحانه لقاءه، كما أحبّ صلوات اللّه عليه لقاءه، لما تفرّد عن النظير من أبناء جنسه، و تعالى عن التمثيل في طهارته و قدسه.
تعصّبت عصب الضلالة لقتاله، و تحزّبت أحزاب الجهالة لاغتياله، و ضربت إلى حربه بطون رواحلها، و أجلبت على هظمه بأبطال كفرها و باطلها.
فتبّا لها من أمّة الغدر شعارها، و المكر دثارها، و النفاق قرينها، و الشقاق حديثها، خسرت صفقتها، و كسدت تجارتها، فما أضمى فيها، و ظمي ريّها، و أضلّ سعيها، و أشقى ميّتها و حيّها، تاهت في بيداء حيرتها، و غرقت في متلاطم شقوتها، و زيّن الشيطان لها سوء فعلها، و دلّاها بغروره فأوقعها في ورطة جهلها.
أ فهذا كان جزاء نعمة ربّها عليها، و مننه إليها؟! إذ أقام لها وليّا من أوليائه يثقف 1428 أودها، و يقوّم عوجها، و يوضح بها الدليل، و يهديها سواء السبيل، أن تشنّ عليه غاراتها، و تطلبه بنزّاتها 1429 ، و تقصده في نفسه و عترته، و تغمّده في حفدته و شيعته، و تنصب له الغوائل، و تضمي منه المقاتل، و أن تتقدّمه أوغادها سامريّها و عجلها، و أن تجلب مرافقها عليه بخيلها و رجلها، و أن تجمع فسّاقها على حربه في صفّينها و جملها، و أن تنكر فجّارها ما بيّن الرسول من قربه بتفضيلها و جملها.
و هكذا لم يزل الدنيّ يحسد العليّ، و الطفيف يحسد الشريف، و الباخل يحسد الباذل، و اللئيم يحسد الكريم، و الأوغاد تتقدّم الأمجاد، و الناس أميل في أشكالهم، و أشبه بأمثالهم، أتباع كلّ ناعق، و أشياع كلّ زاهق، العلم أكسد بضاعة تجبى إليهم، و الكتاب أنكد كلمة تتلى عليهم، يبدّلونه بأهوائهم،
و يلحدون في آياته، و يكذّبون بيّناته، و يتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة 1430 ، و يقصدون من سفه أحلامهم لتبديلهم بكلّ حجّة، و لما روى صلوات اللّه عليه شدّة شكيمتهم، و خبث عقيدتهم، يحرّفون الكلم عن مواضعه، و يعدلون بالحقّ عن مواقعه، لا يجيبون صوته، و لا يرهبون سوطه، و لا يستجيبون لدعائه، و لا يجعلون بندائه، فبرم من صحبتهم، و تظلّم من معصيتهم، و شكاهم إلى اللّه في خطبه و نثره، و استعدى عليهم اللّه في سرّه و جهره.
كقوله صلوات اللّه عليه:
اللّهمّ إنّي قد مللتهم و ملّوني، و سئمتهم و سئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، و أبدلهم بي شرّا منّي.
اللّهمّ مث قلوبهم 1431 كما يماث الملح في الماء 1432 .
و كقوله صلوات اللّه عليه- من جملة كلامه-:
أيّها القوم الشاهدة أبدانهم 1433 ، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم امراؤهم، صاحبكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه، و صاحب أهل الشام يعصي اللّه و هم يطيعونه، لوددت- و اللّه- أنّ معاوية صارفني بكم صرف الديا نار بالدرهم، فأخذ منّي عشرة منكم و أعطاني رجلا منهم!
يا أهل الكوفة، منيت منكم بثلاث و اثنتين: صمّ ذوو أسماع، و بكم ذوو كلام، و عمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، و لا إخوان ثقة
عند البلاء! تربت أيديكم! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها! كلّما جمعت من جانب تفرّقت من آخر، و اللّه لكأنّي [بكم] 1434 فيما إخالكم: [أن] 1435 لو حمس الوغى، و حمي الضراب، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها. و إنّي لعلى بيّنة من ربّي، و منهاج من نبيّي، و إنّي لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا 1436 .
[من كلام أمير المؤمنين عليه السلام يخاطب به أصحابه]
و من كلام له صلوات اللّه عليه يخاطب به أصحابه:
يا أشباه الرجال و لا رجال! حلوم الأطفال، و عقول ربّات الحجال 1437 ، وددت أنّي لم أركم و لم أعرفكم معرفة- و اللّه- جرت ندما، و أعقيت سدما 1438 ، قاتلكم اللّه! لقد ملأتم قلبي قيحا، و شحنتم صدري غيظا، و جرّعتموني نغب التّهمام أنفاسا، و أفسدتم 1439 عليّ رأيي بالعصيان و الخذلان؛ حتى [لقد] 1440 قالت قريش: إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع، و لكن لا علم له بالحرب.
للّه أبوهم! و هل أحد منهم أشدّ لها مراسا 1441 ، و أقدم فيها مقاما منّي؟! لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين، و ها أنا ذا قدر ذرّفت على الستّين 1442 ! و لكن لا
رأي لمن لا يطاع! 1443
[من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في ذمّ أهل العراق]
و من كلام له في ذمّ أهل العراق:
أمّا بعد [- يا أهل العراق-] 1444 ، فإنّما أنتم كالمرأة الحامل، حملت فلمّا أتمّت أملصت 1445 ، و مات قيّمها، و طال تأيّمها 1446 ، و ورثها أبعدها. أما و اللّه ما أتيتكم اختيارا، و لكن جئت إليكم سوقا. و لقد بلغني أنّكم تقولون: [عليّ] 1447 يكذب، قاتلكم اللّه تعالى! فعلى من أكذب؟ أعلى اللّه؟ فأنا أوّل من آمن به! أم على نبيّه؟ فأنا أوّل من صدّقه! كلّا- و اللّه- و لكنّها لهجة غبتم عنها، و لم تكونوا من أهلها 1448 .
و غير ذلك من مقاماته المشهورة، و مكاناته المرموزة، فبعدا لها من أمّة شرت الضلالة بالهدى، و العذاب بالمغفرة، فما أصبرها على النار، و أولاها بغضب الجبّار؟! ثمّ لم يجترئ أعلامها بغصب حقّه و تكذيب صدقه، حتى أعلنوا بسبّه على منابرهم، و تشادقوا بثلبه في منائرهم، و أبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره، و يجري في خلقه اموره.