کتابخانه روایات شیعه
حتى يتبع بالأذى ذرّيّته، و قصد بالأدا 1518 عترته، فكم علويّ أضحى منه و من ولده في أضيق سجن و أسر، و أسبغ حكم و قهر، قد أكلت الجوامع لحم سواعده و يديه، و وضعت الأصفاد من قدميه إلى حقويه، و أثّرت الأغلال في عنقه و عضديه، و نظرت الحتوف عن كثب إليه، يستعذب الموت من أليم عذابهم، و يستطب الفوت لوخيم عقابهم.
و كم فاطميّ فطم عن ثدي الحياة بقواتل سمومهم، و كم حسينيّ انتظم في سلك الأموات بسيوف وقائعهم و نقمهم، سل فخّا 1519 و ما حلّ بآل الرسول في عراها، و الزوراء و ما غيّب من ولد البتول في ثراها، و خراسان و من شرّفت به مرابع طوسها، و العراق و ما حلّ من أمجادهم في ضرائح رموسها.
ترى مشاهدهم في الأقطار تشهد بجلالة قدرهم، و تعاهدهم في الأمصار ينبي عن غزارة فضلهم، و أنوار الايمان تسطع من قباب مزاراتهم، و سحائب الغفران تهمع من اكمال زياراتهم، يغفر اللّه الذنوب بالهجرة إليها، و يكشف الكروب بالعكوف بحضراتها و مبانيها.
كلّما تقادمت الأيّام تجدّد فجرهم، و كلّما تعاقبت الأعوام تعالى ذكرهم، ورثوا المجد بالأصالة، لما تمّمت بجدّهم الرسالة، و علت كلمتهم في الآفاق، لما اقيم أبوهم وليّا على الإطلاق، شدّ اللّه بزكيّهم أزر ملّته، و استشهد بشهيدهم على برهان ربوبيّته، و زيّن بعابدهم أوراد عبادته، و بيّن بباقرهم و صادقهم أسرار شريعته، و أظهر بعالمهم و كاظمهم أنوار حكمته، و جعل رضاه مقرونا برضاهم، و علمه مخزونا في جوادهم و مرتضاهم، و هداه في اتّباع سبيل
هاديهم، و ولاه منوطا بولاء عسكريّهم و زكيّهم، و قوام الخلق بقائمهم، و قيام الحقّ بعالمهم، صاحب الشوكة و القوّة، و ظاهر الملّة و الدعوة، حجّة اللّه على بريّته، و محجّته في خليقته، و القائم بالقسط في أمّة جدّه، و الداعي إلى الحقّ بجدّه و جاهده.
ذكره راحة روحي و قلبي، و مدحه مجلي همّي و كربي، و خياله نصب سواد مقلتي، و جماله في سويداء قلبي و مهجتي، أحنّ إلى رؤيته و لو في طيف المنام، و أشتاق الى بهجته و إن بعد المرام، أودّ لو ثبّتني في جرائد الخالصين من عبيده، و أن يرقمني في دفاتر المخلصين من جنوده، و أن يسمني بميسم العبوديّة في جنبي لعزيز جنابه، و أن يطوّقني بطوق الرقّية لملازمة ركابه، أسير بين يدي طرفه و لو على رأسي و طرفي، و أستلمح أنوار بهجته من بين يديّ و من خلفي، و اسارع إلى أمره بقلبي و قالبي، و أستظلّ بظلّ جواده و ذلك أقصى مطالبي، رافعا صوتي مدّة مسيري بين يديه، متابعا لفظي حين إشارتي بالصلاة عليه، قائلا: معاشر المؤمنين، افرجوا عن سبيل سبيل ربّكم، و تنحّوا عن طريق وليّ أمركم.
هذا علّة وجودكم، هذا دليلكم على معبودكم، هذا صاحب زمانكم، هذا ناصب أعلامكم، هذا وسيلتكم إلى ربّكم يوم حشركم، هذا نوركم الّذي يسعى بين أيديكم و من خلفكم حين بشركم، هذا الّذي وعدكم به سيّد المرسلين و لا خلف لوعده، هذا الّذي الروح الأمين من بعض حشمه و جنده، هذا فرع الشجرة المباركة، هذا خليفة اللّه بلا مشاركة، هذا علم العترة الطاهرة، هذا مصباح الاسرة الفاخرة، هذا شمس الشريعة النبويّة، هذا بدر الذرّيّة العلويّة، هذا ممصّر الأمصار، هذا مدمّر الفجّار، هذا هادم أركان النفاق، هذا قاطع أسباب الشقاق، هذا الصادع بالحقّ، هذا الناطق بالصدق، هذا طود الحلم، هذا
بحر العلم، هذا إمام الامّة، هذا صاحب (وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) 1520 ، هذا الّذي لو لا وجوده لصاخت الأرض بكم، و لأخذكم العذاب من فوقكم و من تحت أرجلكم، هذا خليفة الأنبياء، هذا خاتمة الأوصياء.
غضّوا أبصاركم إذا أشرتم بالصلاة عليه، و اخفضوا أصواتكم و لا تقدّموا بين يديه، و اسألوا اللّه بحقّه فهو من أعظم و سائلكم إليه، لا يقبل اللّه منكم صرفا و لا عدلا إلّا باتّباع سبيله، و لا يقيم لكم يوم القيامة وزنا إلّا باقتفاء دليله.
فلا أزال أهتف بهذه الكلمات مدّة مسيري في ظلّ ركابه، و أبهج بهذه الصفات منذ مصيري غاشيا دار جنابه، حتى إذا التقى الجمعان، و اصطدم الفيلقان، ضربت بين يديه بسيفي قدما قدما، و قصمت الأصلاب بشدّة بطشي قصما قصما، و قيّضت الأجساد بثعلب رمحي شكا شكا، و جندلت الأبطال بقوّة عزمي فتكا فتكا، لا اوقر كبير أهل النفاق، و لا أرحم صغيرهم، و لا أغمد حسامي حتى ابيد أميرهم و مأمورهم.
لو نشر لي صدّيقهم نجل قحّافهم في تلك الحال لفلقت قحفته بنصفين، و لو تراءى لعيني زعيمهم فاروقهم عند مقارعة الأبطال لفرقت فرقه شطرين، و لصبغت من ذي نوريهم أثباجه من دم أوداجه، و لأطفأت لابن هندهم من نور الحياة ضوء سراجه، و لآذيت أهل هودجهم بقولي و فعلي، و لوجأت جبينها و خدها بسبت نعلي، و للعنت أباها و جدّها بعالي صوتي، و لشفيت عليك صدري منها و من جندها قبل موتي، حتى أجعلها في عرصة الجمع تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع.
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه في الامام المهديّ عليه السلام]
يا ابن من أسرى به اللّه إلى حضرته
و به أظهر دين الحقّ من بعثته
يا سميّ الفاتح الخاتم يا نور الهدى
يا منار الحائر التائه في حيرته
يا أمان الملك الجبّار في عالمه
يا أمين المصطفى المختار في امّته
كم غياب عن عليل عظمت علّته
كم حجاب من مشوق مات من غصّته
لو تزره عائدا لو في الكرى أحييته
و بثثت الروح بعد الموت في جثّته
لم يزل منك جمال في سويداء قلبه
و خيال في سواد الطرف من مقلته
مستمرّ عهده من عالم الذرّ إلى
أن يوافيكم غدا بالصدق في رجعته
نوره مذ تمّ منكم صار لا يخشى بكم
زخرفا من باطل يوديه في ظلمته
مذ خلا عمّا سواكم قلبه صار له
ذكركم دأبا به يأنس في خلوته
نحوكم منطقه كالدرّ في ترصيعه
ببديع يطرب الأسماع من دقّته
ببيان من معان صرفها في مدحكم
يزدريه الجاهل الهالك في شبهته
قسما باللّه ثمّ المصطفى أكرم من
أرسل اللّه و بالأطهار من عترته
انّ لي صدق يقين بولاكم لا أرى
غيره ينقذ للإنسان في لعنته
يا مليكا جعل اللّه له في ملكه
بسطة منها مدار الخلق في قبضته
لو نهيت الشمس عن إشراقها ما أشرقت
و منعت الفلك الدوّار عن دورته
كلّما فكّرت في جرمي و ما أسلفته
من كبير موبق أسعفت من تبعته
قال لي حسن يقيني لك حصن مانع
ذلك المولى الّذي بالغت في مدحته
حجّة الوقت وليّ اللّه في عالمه
ساطع البرهان و الظاهر في حجّته
بحر علم طود حلم لا يضاهى مجده
كنز جود لا يسامى في علا رفعته
غائب عن مقلتي لكن بقلبي حاضر
لم يزل فيه خيال من سنا بهجته
يا مديد العمر صل صبا تقضّى عمره
في انتظار و اشفه بالوصل من علّته
يا إلهي إن تقضّى أجلي من قبل أن
تقض لي بالسعد في دنياي من رؤيته
فامح عنّي موبقات ليس تحصى كثرة
و اجعلنّي يوم حشر الخلق في زمرته
أقول: إنّ هذه الجملة المعترضة الّتي قرّرتها، و الأبيات المسطّرة الّتي ذكرتها، ليست من ملازمات المجالس المذكور، و لا من غصون المقصد المذكور، لكن لما صبّت الصبابة شابيبها على قلبي، و أضرمت الكابة لهيبها في لبّي، و ذلك لما ألقى اللّه على لسان الحائد عن الحقّ، و نطق به الجاحد من الصدق، و شهد بما هو حجّة عليه في الدنيا و الاخرى، فصار و من انتمى إليه نحري اللّه أحقّ و أحرى، أوحى جناني إلى لساني، و ألقى بياني على بناني، هذه الكلمات المحلّاة بترصيعي و تسجيعي، و الأبيات المستمعة بمعاني بياني و بديعي، فصارت كالعقد في صدر الخريدة، أو العهد في صدر الجريدة.
[ما حدث لمن لعن أو شتم عليّا عليه السلام]
و لنرجع إلى تمام المجالس الموعود، و اللّه المستعان على كلّ جبّار كنود.
الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: كان إبراهيم بن هاشم المخزومي واليا على المدينة، و كان يجمعنا كلّ يوم جمعة قريبا من المنبر و يشتم عليّا عليه السلام، فلصقت بالمنبر فأغفيت، فرأيت القبر قد انفرج فخرج منه رجل عليه ثياب بيض، فقال لي: يا أبا عبد اللّه، أ لا يحزنك ما يقول هذا؟
قلت: بلى، و اللّه.
قال: افتح عينيك انظر ما يصنع اللّه به، و إذا هو قد ذكر عليّا فرمي به من فوق المنبر فمات 1521 .
عثمان بن عفّان السجستاني: [إنّ محمد بن عبّاد] 1522 قال: كان في جواري رجل صالح، فرأى النبي صلّى اللّه عليه و آله في منامه على شفير الحوض و الحسن و الحسين يسقيان الامّة، فاستسقيت فأبيا عليّ، فأتيت النبي صلّى اللّه عليه و آله أسأله، فقال: لا تسقوه، فإنّ في جوارك رجل يلعن عليّا فلم تنهه، ثم ناولني سكّينا، و قال: اذهب فاذبحه.
قال: فخرجت فذبحته و دفعت السكّين إليه، فقال: يا حسين، اسقه، فسقاني، فأخذت الكأس بيدي و لا أدري أشربت أم لا، فانتبهت فإذا بولولة و يقولون: فلان ذبح على فراشه، و أخذ الشرطة الجيران، فقمت إلى الأمير، فقلت: أصلحك اللّه أنا فعلت به هذا و القوم براء، و قصصت عليه الرؤيا، فقال:
اذهب جزاك اللّه خيرا 1523 .