کتابخانه روایات شیعه
بحر العلم، هذا إمام الامّة، هذا صاحب (وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) 1520 ، هذا الّذي لو لا وجوده لصاخت الأرض بكم، و لأخذكم العذاب من فوقكم و من تحت أرجلكم، هذا خليفة الأنبياء، هذا خاتمة الأوصياء.
غضّوا أبصاركم إذا أشرتم بالصلاة عليه، و اخفضوا أصواتكم و لا تقدّموا بين يديه، و اسألوا اللّه بحقّه فهو من أعظم و سائلكم إليه، لا يقبل اللّه منكم صرفا و لا عدلا إلّا باتّباع سبيله، و لا يقيم لكم يوم القيامة وزنا إلّا باقتفاء دليله.
فلا أزال أهتف بهذه الكلمات مدّة مسيري في ظلّ ركابه، و أبهج بهذه الصفات منذ مصيري غاشيا دار جنابه، حتى إذا التقى الجمعان، و اصطدم الفيلقان، ضربت بين يديه بسيفي قدما قدما، و قصمت الأصلاب بشدّة بطشي قصما قصما، و قيّضت الأجساد بثعلب رمحي شكا شكا، و جندلت الأبطال بقوّة عزمي فتكا فتكا، لا اوقر كبير أهل النفاق، و لا أرحم صغيرهم، و لا أغمد حسامي حتى ابيد أميرهم و مأمورهم.
لو نشر لي صدّيقهم نجل قحّافهم في تلك الحال لفلقت قحفته بنصفين، و لو تراءى لعيني زعيمهم فاروقهم عند مقارعة الأبطال لفرقت فرقه شطرين، و لصبغت من ذي نوريهم أثباجه من دم أوداجه، و لأطفأت لابن هندهم من نور الحياة ضوء سراجه، و لآذيت أهل هودجهم بقولي و فعلي، و لوجأت جبينها و خدها بسبت نعلي، و للعنت أباها و جدّها بعالي صوتي، و لشفيت عليك صدري منها و من جندها قبل موتي، حتى أجعلها في عرصة الجمع تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع.
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه في الامام المهديّ عليه السلام]
يا ابن من أسرى به اللّه إلى حضرته
و به أظهر دين الحقّ من بعثته
يا سميّ الفاتح الخاتم يا نور الهدى
يا منار الحائر التائه في حيرته
يا أمان الملك الجبّار في عالمه
يا أمين المصطفى المختار في امّته
كم غياب عن عليل عظمت علّته
كم حجاب من مشوق مات من غصّته
لو تزره عائدا لو في الكرى أحييته
و بثثت الروح بعد الموت في جثّته
لم يزل منك جمال في سويداء قلبه
و خيال في سواد الطرف من مقلته
مستمرّ عهده من عالم الذرّ إلى
أن يوافيكم غدا بالصدق في رجعته
نوره مذ تمّ منكم صار لا يخشى بكم
زخرفا من باطل يوديه في ظلمته
مذ خلا عمّا سواكم قلبه صار له
ذكركم دأبا به يأنس في خلوته
نحوكم منطقه كالدرّ في ترصيعه
ببديع يطرب الأسماع من دقّته
ببيان من معان صرفها في مدحكم
يزدريه الجاهل الهالك في شبهته
قسما باللّه ثمّ المصطفى أكرم من
أرسل اللّه و بالأطهار من عترته
انّ لي صدق يقين بولاكم لا أرى
غيره ينقذ للإنسان في لعنته
يا مليكا جعل اللّه له في ملكه
بسطة منها مدار الخلق في قبضته
لو نهيت الشمس عن إشراقها ما أشرقت
و منعت الفلك الدوّار عن دورته
كلّما فكّرت في جرمي و ما أسلفته
من كبير موبق أسعفت من تبعته
قال لي حسن يقيني لك حصن مانع
ذلك المولى الّذي بالغت في مدحته
حجّة الوقت وليّ اللّه في عالمه
ساطع البرهان و الظاهر في حجّته
بحر علم طود حلم لا يضاهى مجده
كنز جود لا يسامى في علا رفعته
غائب عن مقلتي لكن بقلبي حاضر
لم يزل فيه خيال من سنا بهجته
يا مديد العمر صل صبا تقضّى عمره
في انتظار و اشفه بالوصل من علّته
يا إلهي إن تقضّى أجلي من قبل أن
تقض لي بالسعد في دنياي من رؤيته
فامح عنّي موبقات ليس تحصى كثرة
و اجعلنّي يوم حشر الخلق في زمرته
أقول: إنّ هذه الجملة المعترضة الّتي قرّرتها، و الأبيات المسطّرة الّتي ذكرتها، ليست من ملازمات المجالس المذكور، و لا من غصون المقصد المذكور، لكن لما صبّت الصبابة شابيبها على قلبي، و أضرمت الكابة لهيبها في لبّي، و ذلك لما ألقى اللّه على لسان الحائد عن الحقّ، و نطق به الجاحد من الصدق، و شهد بما هو حجّة عليه في الدنيا و الاخرى، فصار و من انتمى إليه نحري اللّه أحقّ و أحرى، أوحى جناني إلى لساني، و ألقى بياني على بناني، هذه الكلمات المحلّاة بترصيعي و تسجيعي، و الأبيات المستمعة بمعاني بياني و بديعي، فصارت كالعقد في صدر الخريدة، أو العهد في صدر الجريدة.
[ما حدث لمن لعن أو شتم عليّا عليه السلام]
و لنرجع إلى تمام المجالس الموعود، و اللّه المستعان على كلّ جبّار كنود.
الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: كان إبراهيم بن هاشم المخزومي واليا على المدينة، و كان يجمعنا كلّ يوم جمعة قريبا من المنبر و يشتم عليّا عليه السلام، فلصقت بالمنبر فأغفيت، فرأيت القبر قد انفرج فخرج منه رجل عليه ثياب بيض، فقال لي: يا أبا عبد اللّه، أ لا يحزنك ما يقول هذا؟
قلت: بلى، و اللّه.
قال: افتح عينيك انظر ما يصنع اللّه به، و إذا هو قد ذكر عليّا فرمي به من فوق المنبر فمات 1521 .
عثمان بن عفّان السجستاني: [إنّ محمد بن عبّاد] 1522 قال: كان في جواري رجل صالح، فرأى النبي صلّى اللّه عليه و آله في منامه على شفير الحوض و الحسن و الحسين يسقيان الامّة، فاستسقيت فأبيا عليّ، فأتيت النبي صلّى اللّه عليه و آله أسأله، فقال: لا تسقوه، فإنّ في جوارك رجل يلعن عليّا فلم تنهه، ثم ناولني سكّينا، و قال: اذهب فاذبحه.
قال: فخرجت فذبحته و دفعت السكّين إليه، فقال: يا حسين، اسقه، فسقاني، فأخذت الكأس بيدي و لا أدري أشربت أم لا، فانتبهت فإذا بولولة و يقولون: فلان ذبح على فراشه، و أخذ الشرطة الجيران، فقمت إلى الأمير، فقلت: أصلحك اللّه أنا فعلت به هذا و القوم براء، و قصصت عليه الرؤيا، فقال:
اذهب جزاك اللّه خيرا 1523 .
عبد اللّه بن السائب و كثير بن الصلت، قالا: جمع زياد بن أبيه أشراف الكوفة في مسجد الرحبة ليحملهم على سبّ أمير المؤمنين عليه السلام و البراءة منه، فأغفيت فإذا أنا بشخص طويل العنق، أهدل أهدب 1524 ، قد سدّ ما بين السماء و الأرض، فقلت له: من أنت؟
قال: أنا النقّاد ذو الرقبة طاعون بعثت إلى زياد، فانتبهت فزعا فسمعت الواعية، و أنشأت أقول:
قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم
بحملهم 1525 حين أدّاهم إلى الرحبة
يدعو على ناصر الإسلام حين يرى
له على المشركين الطول و الغلبة
ما كان منتهيا عمّا أراد به 1526
حتى تناوله النقّاد ذو الرقبة
فأسقط الشقّ منه ضربة عجبا
كما تناول ظلما صاحب الرحبة 1527 1528
و لمّا أتمّ اللّه سبحانه به دينه، و أثبت في صحائف الاخلاص يقينه، قاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله، و شدّ أركان الإيمان بواضح دليله، و مهّد سبيل الإسلام براسخ علمه، و بيّن طريق الأحكام بصائب حكمه، و أبطل شبهة أهل البغي بظاهر حجّة أدلّته، و أدحض حجّة اولي الغيّ بصائب حكمته، و أحيا سنّة أخيه الصادق الأمين في قوله: لتقاتلنّ بعدي الناكثين و القاسطين
و المارقين 1529 .
روى الحسن و قتادة أنّ اللّه أكرم نبيّه صلّى اللّه عليه و آله بأن لم يره تلك النقمة، و لم ير في امّته إلّا ما قرّت به عينه، و كان بعده صلّى اللّه عليه و آله نقمة شديدة.
[إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بما يلقاه أمير المؤمنين عليه السلام من بعده]
و قد روي أنّه صلّى اللّه عليه و آله أري ما تلقى امّته من بعده، فما زال منقبضا و لم ينبسط ضاحكا حتى لقي اللّه تعالى.