کتابخانه روایات شیعه
تقتلوا أنفسكم، إنّ اللّه كان بكم رحيما (وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) 1552 الآية، و جعل يثبّط الناس، و كان رأسا من رؤساء المنافقين لأمير المؤمنين عليه السلام، و كانت عائشة قد أرسلته أن يثبّط الناس عن عليّ عليه السلام، فسكّته عمّار.
فقال أبو موسى: هذا كتاب عائشة تأمرني أن اثبّط الناس من أهل الكوفة، و أن لا يكوننّ لنا و لا علينا ليصل إليهم صلاحهم.
فقال عمّار: إنّ اللّه تعالى أمرها بالجلوس فقامت، و أمرنا بالقيام لندفع الفتنة فنجلس!! فقام زيد بن صوحان و مالك الأشتر في أصحابهما و تهدّدوه، فلمّا أصبحوا قام زيد بن صوحان و قرأ: (الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ) 1553 الآيات.
ثمّ قال: أيّها الناس، سيروا إلى أمير المؤمنين، و انفروا إليه أجمعين، تصيبوا الحقّ راشدين.
ثمّ قال عمّار: هذا ابن عمّ رسول اللّه يستنفركم فأطيعوه- في كلام له-.
و قال الحسن بن علي عليهما السلام: أجيبوا دعوتنا، و أعينونا على ما بلينا به- في كلام له-، فخرج قعقاع بن عمرو، و هند بن عمرو، و هيثم بن شهاب، و زيد بن صوحان، و المسيّب بن نجبة، و يزيد بن قيس، و حجر بن عديّ، و ابن مخدوج، و الأشتر، يوم الثالث في تسعة آلاف، فاستقبلهم أمير المؤمنين على فرسخ، و قال: مرحبا بكم أهل الكوفة سنام العرب، و فئة الإسلام، و مركز الدين- في كلام له- و خرج إلى أمير المؤمنين من شيعته من أهل البصرة من
ربيعة ثلاثة آلاف رجل، و بعث الأحنف إلى أمير المؤمنين: إن شئت جئتك في مائتي فارس فكنت معك، و إن شئت اعتزلت ببني سعد و كففت عنك ستّة آلاف سيف، فاختار أمير المؤمنين اعتزاله.
[كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى طلحة و الزبير، و كتابه إلى عائشة]
ثمّ كتب أمير المؤمنين إلى طلحة و الزبير:
أمّا بعد:
فإنّي لم ارد الناس حتى أرادوني، و لم ابايعهم حتى أكرهوني، و أنتما ممّن أراد بيعتي، ثمّ قال عليه السلام بعد كلام: و دفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما.
البلاذري: قال: لمّا بلغ أمير المؤمنين قولهما: ما بايعناه إلّا مكرهين تحت السيف، قال: أبعدهما اللّه إلى أقصى دار و أحرّ نار.
و كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عائشة:
أمّا بعد:
فإنّك خرجت من بيتك عاصية للّه تعالى و لرسوله محمد صلّى اللّه عليه و آله تطلبين أمرا كان عنك موضوعا، ثمّ تزعمين أنّك تريدين الاصلاح بين المسلمين، فخبّريني ما للنساء و قود العساكر و الاصلاح بين الناس؟ و طلبت كما زعمت بدم عثمان، و عثمان رجل من بني اميّة، و أنت امرأة من بني تيم بن مرّة، و لعمري إنّ الّذي عرّضك للبلاء، و حملك على العصبيّة، لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان، و ما غضبت حتى أغضبت، و لا هجت حتى هيّجت، فاتّقي اللّه- يا عائشة- و ارجعي إلى منزلك، و اسبلي عليك سترك.
فقال طلحة و الزبير: احكم كما تريد، فلن ندخل في طاعتك.
[أبيات لحبيب بن يساف الأنصاري، و إرسال أمير المؤمنين عليه السلام زيد بن صوحان و ابن عبّاس إلى عائشة فوعظاها و خوّفاها]
و قالت عائشة: لقد جلّ الأمر عن الخطاب، و أنشأ حبيب بن يساف الأنصاري:
أبا حسن أيقظت من كان نائما
و ما كلّ من يدعو 1554 إلى الحقّ يتبع
و إنّ رجالا بايعوك و خالفوا
هواك و أجروا في الضلال و ضيّعوا 1555
و طلحة فيها و الزبير قرينة
و ليس لما لا يدفع اللّه مدفع
و ذكرهم قتل ابن عفّان خدعة
هم قتلوه و المخادع يخدع
تاريخ الطبري و البلاذري: أنّه ذكر مجيء طلحة و الزبير عند الحسن البصري، فقال: يا سبحان اللّه! ما كان للقوم عقول أن يقولوا، و اللّه ما قتله غيركم.
تاريخ الطبري: قال يونس النحوي: فكّرت في أمر عليّ و طلحة و الزبير إن كانا صادقين أنّ عليّا عليه السلام قتل عثمان، فعثمان هالك، و إن كذبا عليه فهما هالكان.
ثمّ أنفذ أمير المؤمنين عليه السلام زيد بن صوحان و ابن عبّاس فوعظاها و خوّفاها.
فأجابتهم: لا طاقة لي بحجج عليّ.
فقال ابن عبّاس: لا طاقة لك بحجج المخلوق، فكيف طاقتك بحجج الخالق؟ 1556
و لمّا رأى أمير المؤمنين انّ الشيطان قد استحوذ، و انّ الآيات و النذر لا تغني عنهم، زحف عليه السلام بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ستّ و ثلاثين، و على ميمنته الأشتر و سعيد بن قيس، و على ميسرته عمّار بن ياسر و شريح بن هانئ، و على القلب محمد بن أبي بكر و عديّ بن حاتم، و على الجناح زياد بن كعب و حجر بن عديّ، و على الكمين عمرو بن الحمق و جندب بن زهير، و على الرجّالة أبو قتادة الأنصاري، و أعطى رايته محمد بن الحنفيّة، ثمّ أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر يدعوهم و يناشدهم، و يقول لعائشة: إنّ اللّه أمرك أن تقرّي في بيتك، فاتّقي اللّه و ارجعي، و يقول لطلحة و الزبير: خبّأتما نساءكما و أبرزتما زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و استغررتماها! 1557
فيقولان: إنّما جئنا للطلب بدم عثمان، و أن نردّ الأمر شورى.
و البست عائشة درعا، و ضربت على هودجها صفائح الحديد، و البس الهودج أيضا درعا، و كان الهودج يومئذ عند لواء أهل البصرة 1558 و هو على جمل يدعى عسكرا 1559 .
ابن مردويه في كتاب الفضائل: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للزبير:
أ ما تذكر يوما كنت مقبلا بالمدينة تحدّثني إذ خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه
و آله فرآك معي و أنت تتبسّم إليّ، فقال: يا زبير، أ تحبّ عليّا؟
فقلت: و كيف لا احبّه و بيني و بينه من النسب و المودّة في اللّه ما ليس لغيره؟!
فقال: إنّك ستقاتله و أنت ظالم له.
فقلت: أعوذ باللّه من ذلك.
فقال: اللّهم نعم.
فقال: أ جئت تقاتلني؟
فقال: أعوذ باللّه من ذلك.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دع هذا، بايعتني طائعا، ثم جئت محاربا، فما عدا ممّا بدا؟!
فقال: لا جرم و اللّه لاقاتلتك.
قال: فلقيه عبد اللّه ابنه، فقال: جبنا جبنا.
فقال: يا بنيّ، قد علم الناس أنّي لست بجبان، و لكن ذكّرني عليّ شيئا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحلفت [أن] 1560 لا اقاتله.
فقال: دونك غلامك فلان فأعتقه كفّارة عن يمينك.
فقالت عائشة: لا و اللّه، [بل] 1561 خفت سيوف ابن أبي طالب، فإنّها طوال حداد، تحملها سواعد أنجاد 1562 ، و لئن خفتها فقد خافها الرجال من قبلك، فرجع
إلى القتال.
فقيل لأمير المؤمنين: إنّه قد رجع.
فقال: دعوه، فإنّ الشيخ محمول عليه. 1563
ّ قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيّها الناس، غضّوا أبصاركم، و عضّوا على نواجذكم، و أكثروا من ذكر ربّكم، و إيّاكم و كثرة الكلام فإنّه فشل.
و نظرت إليه عائشة و هو يجول بين الصفّين، [فقالت:] 1564 انظروا إليه فإنّه يفعل كفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر.
فقال أمير المؤمنين: يا عائشة، عمّا قليل لتصبحنّ نادمين.
فجدّ الناس في القتال، فنهاهم أمير المؤمنين عليه السلام و قال: اللّهمّ أعذرت و أنذرت، فكن لي عليهم من الشاهدين، ثمّ أخذ المصحف و طلب من يقرأ عليهم (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) 1565 الآية.
فقال مسلم المجاشعي: ها أنا ذا يا أمير المؤمنين، فخوّفه أمير المؤمنين بقطع يمينه و شماله و قتله.
فقال: لا عليك يا أمير المؤمنين، فهذا قليل في ذات اللّه، فأخذوه و هو يدعوهم إلى اللّه فقطعوا 1566 يده اليمنى، فأخذ المصحف بيده اليسرى فقطعت، فأخذه بأسنانه فقتل رضي اللّه عنه، فقالت امّه:
يا ربّ إنّ مسلما أتاهم
بمحكم التنزيل إذ دعاهم
يتلو كتاب اللّه لا يخشاهم
فرمّلوه رمّلت لحاهم
[بروز محمد بن الحنفيّة للقتال]
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الآن طاب الضراب، ثمّ قال لابنه محمد بن الحنفيّة و الراية في يده: يا بنيّ، تزول الجبال و لا تزول، عضّ على ناجذك، أعر اللّه جمجمتك، تد في الأرض قدميك، ارم ببصرك أقصى القوم و غضّ بصرك، و اعلم أنّ النصر من عند اللّه 1567 ، ثمّ صبر سويعة، فصاح الناس من كلّ جانب من وقع النبال.
فقال أمير المؤمنين: تقدّم يا بنيّ، و قال:
اطعن بها طعن أبيك تحمد
لا خير في حرب إذا لم توقد
بالمشرفي و القنا [المسدّد
و الضرب بالخطّي ] 1568 و المهنّد 1569
و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا دفع الراية إلى ابنه محمد يوم الجمل و قال: تزول الجبال و لا تزول- الكلام المتقدّم-، ثمّ قال: احمل، فتوقّف محمد قليلا، فقال أمير المؤمنين: احمل.
فقال: يا أمير المؤمنين، أ ما ترى السهام كأنّها شابيب المطر؟