کتابخانه روایات شیعه
فقال ابن عبّاس: لا طاقة لك بحجج المخلوق، فكيف طاقتك بحجج الخالق؟ 1556
و لمّا رأى أمير المؤمنين انّ الشيطان قد استحوذ، و انّ الآيات و النذر لا تغني عنهم، زحف عليه السلام بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ستّ و ثلاثين، و على ميمنته الأشتر و سعيد بن قيس، و على ميسرته عمّار بن ياسر و شريح بن هانئ، و على القلب محمد بن أبي بكر و عديّ بن حاتم، و على الجناح زياد بن كعب و حجر بن عديّ، و على الكمين عمرو بن الحمق و جندب بن زهير، و على الرجّالة أبو قتادة الأنصاري، و أعطى رايته محمد بن الحنفيّة، ثمّ أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر يدعوهم و يناشدهم، و يقول لعائشة: إنّ اللّه أمرك أن تقرّي في بيتك، فاتّقي اللّه و ارجعي، و يقول لطلحة و الزبير: خبّأتما نساءكما و أبرزتما زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و استغررتماها! 1557
فيقولان: إنّما جئنا للطلب بدم عثمان، و أن نردّ الأمر شورى.
و البست عائشة درعا، و ضربت على هودجها صفائح الحديد، و البس الهودج أيضا درعا، و كان الهودج يومئذ عند لواء أهل البصرة 1558 و هو على جمل يدعى عسكرا 1559 .
ابن مردويه في كتاب الفضائل: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للزبير:
أ ما تذكر يوما كنت مقبلا بالمدينة تحدّثني إذ خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه
و آله فرآك معي و أنت تتبسّم إليّ، فقال: يا زبير، أ تحبّ عليّا؟
فقلت: و كيف لا احبّه و بيني و بينه من النسب و المودّة في اللّه ما ليس لغيره؟!
فقال: إنّك ستقاتله و أنت ظالم له.
فقلت: أعوذ باللّه من ذلك.
فقال: اللّهم نعم.
فقال: أ جئت تقاتلني؟
فقال: أعوذ باللّه من ذلك.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دع هذا، بايعتني طائعا، ثم جئت محاربا، فما عدا ممّا بدا؟!
فقال: لا جرم و اللّه لاقاتلتك.
قال: فلقيه عبد اللّه ابنه، فقال: جبنا جبنا.
فقال: يا بنيّ، قد علم الناس أنّي لست بجبان، و لكن ذكّرني عليّ شيئا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحلفت [أن] 1560 لا اقاتله.
فقال: دونك غلامك فلان فأعتقه كفّارة عن يمينك.
فقالت عائشة: لا و اللّه، [بل] 1561 خفت سيوف ابن أبي طالب، فإنّها طوال حداد، تحملها سواعد أنجاد 1562 ، و لئن خفتها فقد خافها الرجال من قبلك، فرجع
إلى القتال.
فقيل لأمير المؤمنين: إنّه قد رجع.
فقال: دعوه، فإنّ الشيخ محمول عليه. 1563
ّ قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيّها الناس، غضّوا أبصاركم، و عضّوا على نواجذكم، و أكثروا من ذكر ربّكم، و إيّاكم و كثرة الكلام فإنّه فشل.
و نظرت إليه عائشة و هو يجول بين الصفّين، [فقالت:] 1564 انظروا إليه فإنّه يفعل كفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر.
فقال أمير المؤمنين: يا عائشة، عمّا قليل لتصبحنّ نادمين.
فجدّ الناس في القتال، فنهاهم أمير المؤمنين عليه السلام و قال: اللّهمّ أعذرت و أنذرت، فكن لي عليهم من الشاهدين، ثمّ أخذ المصحف و طلب من يقرأ عليهم (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) 1565 الآية.
فقال مسلم المجاشعي: ها أنا ذا يا أمير المؤمنين، فخوّفه أمير المؤمنين بقطع يمينه و شماله و قتله.
فقال: لا عليك يا أمير المؤمنين، فهذا قليل في ذات اللّه، فأخذوه و هو يدعوهم إلى اللّه فقطعوا 1566 يده اليمنى، فأخذ المصحف بيده اليسرى فقطعت، فأخذه بأسنانه فقتل رضي اللّه عنه، فقالت امّه:
يا ربّ إنّ مسلما أتاهم
بمحكم التنزيل إذ دعاهم
يتلو كتاب اللّه لا يخشاهم
فرمّلوه رمّلت لحاهم
[بروز محمد بن الحنفيّة للقتال]
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الآن طاب الضراب، ثمّ قال لابنه محمد بن الحنفيّة و الراية في يده: يا بنيّ، تزول الجبال و لا تزول، عضّ على ناجذك، أعر اللّه جمجمتك، تد في الأرض قدميك، ارم ببصرك أقصى القوم و غضّ بصرك، و اعلم أنّ النصر من عند اللّه 1567 ، ثمّ صبر سويعة، فصاح الناس من كلّ جانب من وقع النبال.
فقال أمير المؤمنين: تقدّم يا بنيّ، و قال:
اطعن بها طعن أبيك تحمد
لا خير في حرب إذا لم توقد
بالمشرفي و القنا [المسدّد
و الضرب بالخطّي ] 1568 و المهنّد 1569
و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا دفع الراية إلى ابنه محمد يوم الجمل و قال: تزول الجبال و لا تزول- الكلام المتقدّم-، ثمّ قال: احمل، فتوقّف محمد قليلا، فقال أمير المؤمنين: احمل.
فقال: يا أمير المؤمنين، أ ما ترى السهام كأنّها شابيب المطر؟
فدفع أمير المؤمنين في صدره و قال: أدركك عرق من امّك، ثمّ أخذ عليه السلام الراية منه و هزّها و أنشد الأبيات المتقدّمة، ثمّ حمل عليه السلام، و حمل الناس خلفه، ففرّق عسكر البصرة كما تتفرّق الغنم من سطوة الذئب، ثمّ رجع
عليه السلام و دفع الراية إلى محمد، و قال له: امح الاولى بالاخرى و هؤلاء الأنصار معك، و ضمّ إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من البدريّين، فحمل حملات منكرة، و أبلى بلاء حسنا، و قتل خلقا كثيرا، و صيّر عسكر الجمل كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، و رجع إلى أمير المؤمنين.
فقال خزيمة بن ثابت: أما إنّه لو كان غير محمد لافتضح.
و قال الأنصار: لو لا ما نعلم من جعل الإمامة للحسن و الحسين لما قدّمنا على محمد أحدا.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أين النجم من الشمس و القمر؟ أين نفع ابني من ابنيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟
[أبيات لخزيمة بن ثابت]
و أنشأ خزيمة بن ثابت رضي اللّه عنه يقول:
محمّد ما في عودك اليوم و ضمة
و لا كنت في الحرب الضروس معرّدا 1570
أبوك الّذي لم يركب الخيل مثله
عليّ و سمّاك النبيّ محمّدا
و أنت بحمد اللّه أطول هاشم
لسانا و أنداها بما ملكت يدا
سوى أخويك السيّدين كلاهما
إمام الورى و الداعيان إلى الهدى
قيل لمحمد بن الحنفيّة: لم كان أبوك يغرر بك في الحرب و لم يغرر بالحسن و الحسين؟
قال: لأنّهما عيناه و أنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه 1571 .
و روي أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أمر الأشتر أن يحمل، فحمل و قتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل، و كان زيد بن صوحان يحمل و يقول:
ديني ديني و بيعتي بيعتي 1572 .
و جعل مخنف بن سليم 1573 يقول:
قد عشت يا نفس و قد غنيت
دهرا و قبل اليوم ما عييت
و بعد ذا لا شك قد فنيت
أما مللت طول ما حييت
فخرج عبد اللّه بن اليثربي يقول:
يا ربّ إنّي طالب أبا الحسن
ذاك الّذي يعرف حقّا بالفتن
فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام قائلا:
إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن
فاليوم تلقاه مليّا فاعلمن
و ضربه ضربة فقتله.
فخرج بنو ضبّة و جعل بعضهم يقول:
نحن بنو ضبّة أعداء عليّ
ذاك الّذي يعرف فيهم بالوصيّ
و قال آخر منهم:
نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل
و الموت أحلى عندنا من العسل
ردّوا علينا شيخنا بمرتحل
إنّ عليّا بعد من شرّ النذل
و قيل: إنّ ابن اليثربي عمرو- أخوه عبد اللّه المذكور- يقول:
إن تنكروني فأنا ابن اليثربي
قاتل علباء ثم 1574 هند الجملي
ثمّ ابن صوحان على دين عليّ
فبرز إليه عمّار رضي اللّه عنه قائلا:
لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي
اثبت اقاتلك على دين عليّ
فأرداه عمّار عن فرسه و جرّ برجله إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقتله بيده.
فخرج أخوه أيضا قائلا:
أضربكم و لو أرى عليّا
عمّمته أبيض مشرفيّا
و أسمرا عنطنطا خطيّا 1575