کتابخانه روایات شیعه
تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)
و آله فرآك معي و أنت تتبسّم إليّ، فقال: يا زبير، أ تحبّ عليّا؟
فقلت: و كيف لا احبّه و بيني و بينه من النسب و المودّة في اللّه ما ليس لغيره؟!
فقال: إنّك ستقاتله و أنت ظالم له.
فقلت: أعوذ باللّه من ذلك.
فقال: اللّهم نعم.
فقال: أ جئت تقاتلني؟
فقال: أعوذ باللّه من ذلك.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دع هذا، بايعتني طائعا، ثم جئت محاربا، فما عدا ممّا بدا؟!
فقال: لا جرم و اللّه لاقاتلتك.
قال: فلقيه عبد اللّه ابنه، فقال: جبنا جبنا.
فقال: يا بنيّ، قد علم الناس أنّي لست بجبان، و لكن ذكّرني عليّ شيئا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحلفت [أن] 1560 لا اقاتله.
فقال: دونك غلامك فلان فأعتقه كفّارة عن يمينك.
فقالت عائشة: لا و اللّه، [بل] 1561 خفت سيوف ابن أبي طالب، فإنّها طوال حداد، تحملها سواعد أنجاد 1562 ، و لئن خفتها فقد خافها الرجال من قبلك، فرجع
إلى القتال.
فقيل لأمير المؤمنين: إنّه قد رجع.
فقال: دعوه، فإنّ الشيخ محمول عليه. 1563
ّ قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيّها الناس، غضّوا أبصاركم، و عضّوا على نواجذكم، و أكثروا من ذكر ربّكم، و إيّاكم و كثرة الكلام فإنّه فشل.
و نظرت إليه عائشة و هو يجول بين الصفّين، [فقالت:] 1564 انظروا إليه فإنّه يفعل كفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر.
فقال أمير المؤمنين: يا عائشة، عمّا قليل لتصبحنّ نادمين.
فجدّ الناس في القتال، فنهاهم أمير المؤمنين عليه السلام و قال: اللّهمّ أعذرت و أنذرت، فكن لي عليهم من الشاهدين، ثمّ أخذ المصحف و طلب من يقرأ عليهم (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) 1565 الآية.
فقال مسلم المجاشعي: ها أنا ذا يا أمير المؤمنين، فخوّفه أمير المؤمنين بقطع يمينه و شماله و قتله.
فقال: لا عليك يا أمير المؤمنين، فهذا قليل في ذات اللّه، فأخذوه و هو يدعوهم إلى اللّه فقطعوا 1566 يده اليمنى، فأخذ المصحف بيده اليسرى فقطعت، فأخذه بأسنانه فقتل رضي اللّه عنه، فقالت امّه:
يا ربّ إنّ مسلما أتاهم
بمحكم التنزيل إذ دعاهم
يتلو كتاب اللّه لا يخشاهم
فرمّلوه رمّلت لحاهم
[بروز محمد بن الحنفيّة للقتال]
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الآن طاب الضراب، ثمّ قال لابنه محمد بن الحنفيّة و الراية في يده: يا بنيّ، تزول الجبال و لا تزول، عضّ على ناجذك، أعر اللّه جمجمتك، تد في الأرض قدميك، ارم ببصرك أقصى القوم و غضّ بصرك، و اعلم أنّ النصر من عند اللّه 1567 ، ثمّ صبر سويعة، فصاح الناس من كلّ جانب من وقع النبال.
فقال أمير المؤمنين: تقدّم يا بنيّ، و قال:
اطعن بها طعن أبيك تحمد
لا خير في حرب إذا لم توقد
بالمشرفي و القنا [المسدّد
و الضرب بالخطّي ] 1568 و المهنّد 1569
و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا دفع الراية إلى ابنه محمد يوم الجمل و قال: تزول الجبال و لا تزول- الكلام المتقدّم-، ثمّ قال: احمل، فتوقّف محمد قليلا، فقال أمير المؤمنين: احمل.
فقال: يا أمير المؤمنين، أ ما ترى السهام كأنّها شابيب المطر؟
فدفع أمير المؤمنين في صدره و قال: أدركك عرق من امّك، ثمّ أخذ عليه السلام الراية منه و هزّها و أنشد الأبيات المتقدّمة، ثمّ حمل عليه السلام، و حمل الناس خلفه، ففرّق عسكر البصرة كما تتفرّق الغنم من سطوة الذئب، ثمّ رجع
عليه السلام و دفع الراية إلى محمد، و قال له: امح الاولى بالاخرى و هؤلاء الأنصار معك، و ضمّ إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من البدريّين، فحمل حملات منكرة، و أبلى بلاء حسنا، و قتل خلقا كثيرا، و صيّر عسكر الجمل كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، و رجع إلى أمير المؤمنين.
فقال خزيمة بن ثابت: أما إنّه لو كان غير محمد لافتضح.
و قال الأنصار: لو لا ما نعلم من جعل الإمامة للحسن و الحسين لما قدّمنا على محمد أحدا.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أين النجم من الشمس و القمر؟ أين نفع ابني من ابنيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟
[أبيات لخزيمة بن ثابت]
و أنشأ خزيمة بن ثابت رضي اللّه عنه يقول:
محمّد ما في عودك اليوم و ضمة
و لا كنت في الحرب الضروس معرّدا 1570
أبوك الّذي لم يركب الخيل مثله
عليّ و سمّاك النبيّ محمّدا
و أنت بحمد اللّه أطول هاشم
لسانا و أنداها بما ملكت يدا
سوى أخويك السيّدين كلاهما
إمام الورى و الداعيان إلى الهدى
قيل لمحمد بن الحنفيّة: لم كان أبوك يغرر بك في الحرب و لم يغرر بالحسن و الحسين؟
قال: لأنّهما عيناه و أنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه 1571 .
و روي أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أمر الأشتر أن يحمل، فحمل و قتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل، و كان زيد بن صوحان يحمل و يقول:
ديني ديني و بيعتي بيعتي 1572 .
و جعل مخنف بن سليم 1573 يقول:
قد عشت يا نفس و قد غنيت
دهرا و قبل اليوم ما عييت
و بعد ذا لا شك قد فنيت
أما مللت طول ما حييت
فخرج عبد اللّه بن اليثربي يقول:
يا ربّ إنّي طالب أبا الحسن
ذاك الّذي يعرف حقّا بالفتن
فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام قائلا:
إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن
فاليوم تلقاه مليّا فاعلمن
و ضربه ضربة فقتله.
فخرج بنو ضبّة و جعل بعضهم يقول:
نحن بنو ضبّة أعداء عليّ
ذاك الّذي يعرف فيهم بالوصيّ
و قال آخر منهم:
نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل
و الموت أحلى عندنا من العسل
ردّوا علينا شيخنا بمرتحل
إنّ عليّا بعد من شرّ النذل
و قيل: إنّ ابن اليثربي عمرو- أخوه عبد اللّه المذكور- يقول:
إن تنكروني فأنا ابن اليثربي
قاتل علباء ثم 1574 هند الجملي
ثمّ ابن صوحان على دين عليّ
فبرز إليه عمّار رضي اللّه عنه قائلا:
لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي
اثبت اقاتلك على دين عليّ
فأرداه عمّار عن فرسه و جرّ برجله إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقتله بيده.
فخرج أخوه أيضا قائلا:
أضربكم و لو أرى عليّا
عمّمته أبيض مشرفيّا
و أسمرا عنطنطا خطيّا 1575
ابكي عليه الولد و الوليّا
فخرج إليه أمير المؤمنين عليه السلام متنكّرا و هو يقول:
يا طالبا في حربه عليّا
يمنحه 1576 أبيض مشرفيّا
اثبت لتلقاه 1577 بها مليّا
مهذّبا سميدعا 1578 كميّا
فضربه فرمى بنصف رأسه، فنادى عبد اللّه بن خلف الخزاعي صاحب منزل عائشة بالبصرة لعليّ: أ تبارزني؟
فقال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: ما أكره ذلك، و لكن ويحك يا ابن خلف ما راحتك في القتل و قد علمت من أنا؟
فقال: ذرني من بذخك يا ابن أبي طالب، ثمّ قال:
إن تدن منّي يا عليّ فترا
فإنّني دان إليك شبرا
بصارم يسقيك كأسا مرّا
إنّ في صدري عليك وترا
فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام قائلا:
يا ذا الّذي تطلب منّي الوترا
إن كنت تبغي أن تزور القبرا
حقّا و تصلى بعد ذاك جمرا
فادن تجدني أسدا هزبرا
اذيقك 1579 اليوم ذعافا صبرا