کتابخانه روایات شیعه
فخرج مازن الضبي قائلا:
لا تطمعوا في جمعنا المكلّل
الموت دون الجمل المجلّل
فبرز إليه عبد اللّه بن نهشل قائلا:
إن تنكروني فأنا ابن نهشل
فارس هيجاء و خطب فيصل
فقتله.
[مصرع طلحة، و أبيات للسيّد الحميري]
و كان طلحة يحثّ الناس و يقول: عباد اللّه، الصبر الصبر- في كلام له- 1580 .
قال 1581 : و كان مروان بالقرب منه، فقال: و اللّه لا أطلب أثرا بعد عين، ما أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبدا، فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته، و التفت إلى أبان بن عثمان، و قال: لقد كفيتك أحد قتلة أبيك.
و في ذلك يقول السيّد الحميري من جملة قصيدته:
و اغتر طلحة عند مختلف القنا
عبل الذراع شديد عظم 1582 المنكب
فاختل حبّة قلبه بمدلق
ريان من دم جوفه المتصبّب
في مارقين من الجماعة فارقوا
دين الهدى و حيا 1583 الربيع المخصب
و كانت بنو ضبّة مكتنفي الجمل، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام عليهم فكانوا كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، و كان كلّ من استقبل قبض على زمام الجمل، و انصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز فقتله، و أتى برأسه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ... القصّة.
فقالوا العامّة: قتل طلحة و الزبير و خرج عبد اللّه بن عامر، و قال: يا عائشة، صافحي عليّا على يدي 1584 .
فقالت: كبر 1585 عمرو عن الطوق، و جلّ أمر عن العتاب، ثمّ تقدّمت.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، و جعل يخرج واحد بعد واحد و يأخذ الزمام حتى قطع أيدي ثمانية و تسعين رجلا، ثمّ تقدّمهم كعب بن سور الأزدي- و كان قاضيا على البصرة- و هو يقول:
يا معشر الناس عليكم امّكم
فإنّها صلاتكم و صومكم
و الحرمة العظمى التي تعمّكم
لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
فقتله الأشتر.
فخرج وائل بن كثير باكيا مرتجزا:
يا ربّ فارحم سيّد القبائل
كعب بن سور غرّة الأوائل
فقتله الأشتر أيضا.
فخرج ابن جبير الأسدي 1586 يقول:
قد وقع الأمر بما لا يحذر
و النبل يأخذن وراء العسكر
و أمّنا في خدرها المشهر
فبرز إليه الأشتر قائلا:
اسمع و لا تعجل جواب الأشتر
و اقرب تلاقي كأس موت أحمر
ينسيك ذكر الهودج 1587 المشهر
فقتله، ثمّ قتل عمير الغنوي و عبد اللّه بن عتاب بن اسيد، ثمّ جال في الميدان جولا و هو يقول:
نحن بنو الموت به غذينا
فخرج إليه عبد اللّه بن الزبير فطعنه الأشتر فأرداه، و جلس على صدره ليقتله، فصاح عبد اللّه: اقتلوني و مالكا، و اقتلوا مالكا معي، و قصدوه 1588 من كلّ جانب فخلّاه و ركب فرسه، فلمّا رأوه راكبا تفرّقوا عنه؛ و قيل: إنّه فرّ من تحت الأشتر و في ذلك يقول:
أ عائش لو لا أنّني كنت طاويا
ثلاثا 1589 لألفيت ابن اختك هالكا
غداة ينادي و الرماح تنوشه
و سمر العوالي اقتلوني و مالكا
فنجّاه منّي سبعة و شبابه
و إنّي شيخ لم أكن متماسكا
و شدّ رجل من الأزد على محمد بن الحنفيّة و قال: يا معشر الأزد، كرّوا.
فضربه محمد بن الحنفيّة، فقطع يده، و قال: يا معشر الأزد، فرّوا.
فخرج الأسود بن البختري السلمي قائلا:
ارحم إلهي الكهل 1590 من سليم
و انظر إليه نظرة الرحيم 1591
فقتله عمرو بن الحمق.
فخرج جابر الأزدي قائلا:
يا ليت أهلي من عمار حاضري
من سادة الأزد و كانوا ناصري 1592
فقتله محمد بن أبي بكر.
و كانت عائشة تنادي بأعلى صوتها: أيّها الناس عليكم بالصبر، فإنّما يصبر الأحرار.
فأجابها كوفيّ:
قلنا 1593 لها و هي على مهوات
انّ لنا سواك امّهات
في مسجد الرسول ثاويات
و التحم القتال و شكت السهام الهودج حتى كأنّه جناح نسر أو شوك قنفذ،
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أراه يقاتلكم إلّا هذا الهودج، اعقروا الجمل.
و في رواية: عرقبوه فإنّه شيطان.
[أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أوصى محمد بن أبي بكر بأن يدرك اخته عائشة]
و قال أمير المؤمنين لمحمد بن أبي بكر: إذا عرقب الجمل فادرك اختك فوارها، فعرقب رجل منه فدخل تحته رجل ضبّي، ثمّ عرقب اخرى [عبد الرحمن] 1594 فوقع على جنبه، فقطع عمّار نسعه، فأتاه أمير المؤمنين عليه السلام و دقّ رمحه على الهودج، و قال: يا عائشة، أ هكذا أمرك رسول اللّه أن تفعلي؟
فقالت: يا أبا الحسن، ظفرت فأحسن، و ملكت فأسجح 1595 .
فقال لمحمد بن أبي بكر: شأنك و اختك فلا يدنو أحد منها سواك.
قال محمد بن أبي بكر: فقلت لها: ما فعلت بنفسك؟ عصيت ربّك،
و هتكت سترك، ثمّ أبحت حرمتك، و تعرّضت للقتل، فذهب بها إلى دار عبد اللّه بن خلف الخزاعي، فقالت: أقسمت عليك أن تطلب عبد اللّه بن الزبير جريحا كان أو قتيلا، فقلت: إنّه كان هدفا للأشتر، فانصرف محمد إلى المعركة 1596 فوجده بين القتلى، فقال: اجلس يا ميشوم أهل بيته، فأتاها به، فصاحت و بكت، ثمّ قالت: يا أخي استأمن له من عليّ، فأتى أمير المؤمنين عليه السلام:
فاستأمن له منه.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أمنته و أمنت جميع الناس.
و كانت وقعة الجمل بالخريبة، وقع القتال بعد الظهر، و انقضى عند المساء،
و كان مع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه عشرون ألفا، منهم البدريّون ثمانون رجلا، و ممّن بايع تحت الشجرة مائتان و خمسون، و من الصحابة غير هؤلاء ألف و خمسمائة رجل، و كانت عائشة في ثلاثين ألفا أو يزيدون، منها المكّيون ستّمائة رجل.
[عدد القتلى يوم الجمل]
قال قتادة: قتل يوم الجمل عشرون ألفا. و قال الكلبي: قتل من عسكر 1597 علي ألف راجل و سبعون فارسا؛ منهم زيد بن صوحان، و هند الجملي، و أبو عبد اللّه العبدي، و عبد اللّه بن رقيّة.
و قال أبو مخنف و الكلبي: قتل من أصحاب الجمل من الأزد خاصّة أربعة آلاف رجل، و من بني عديّ و مواليهم تسعون رجلا، و من بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل، و من بني حنظلة تسعمائة رجل، و من بني ناجية أربعمائة رجل، و الباقي من أخلاط الناس إلى تمام تسعة آلاف إلّا تسعين رجلا، و القرشيّون منهم طلحة، و الزبير، و عبد اللّه بن عتّاب بن أسيد، و عبد اللّه بن حكيم بن حزام، و عبد اللّه بن شافع بن طلحة، و محمد بن طلحة، و عبد اللّه ابن أبي خلف 1598 الجمحي، و عبد الرحمن بن معد، [و عبد اللّه بن معد] 1599 .
و عرقب الجمل أوّلا أمير المؤمنين عليه السلام، و يقال: مسلم بن عدنان، و يقال: رجل من الأنصار، و يقال: رجل من ذهل 1600 .
قلت: و لمّا صارت أحاديث هذه الفتنة الصمّاء، و المحنة العظمى
ضروريّة لا يختلف في صحّتها، و متواترة لا يشكّ في واقعتها، و نقلها المخالف، و دوّنها المؤالف، و صارت في وضوحها كالشمس، منزّهة عن الشكّ و اللبس.
أمّا المؤمن التقيّ فلا يرتاب في كفر من أضرم نارها، و شبّ اوارها 1601 ، و ارتكب عارها، و احتقب أوزارها، و ركب جملها، و سلك سبلها.
و أمّا المناقب الشقيّ فيعدل عن ظواهر حقائقها، و يصوّب فعل قائدها و سائقها، و يرتكب التعسّف في تأويلها، و التعصّب في تنزيلها، و يعتذر لمن سلب وقودها، و نصبت عمودها، و خالفت بعلها و نبيّها، و حاربت سيّدها و وليّها.
و لمّا رأيت شدّة عضتها، وحدة كلتها، لا يرتدع بوعظ واعظ، و لا ينتفع بلفظ لافظ، قد طبع الشيطان على قلبها، و استحوذ على فيها، فغرقت في لجّة نفاقها، و تاهت في بيداء شقاقها، قد أحدقت الطغاة بجملها، و حفّت البغاة بمحملها، تمثّلتها في فكري، و عنّفتها بزجري، و خاطبتها بلسان الحال، و عنّفتها ببيان المقال، و قلت مشيرا إليها، و زاريا عليها: