کتابخانه روایات شیعه
غداة ينادي و الرماح تنوشه
و سمر العوالي اقتلوني و مالكا
فنجّاه منّي سبعة و شبابه
و إنّي شيخ لم أكن متماسكا
و شدّ رجل من الأزد على محمد بن الحنفيّة و قال: يا معشر الأزد، كرّوا.
فضربه محمد بن الحنفيّة، فقطع يده، و قال: يا معشر الأزد، فرّوا.
فخرج الأسود بن البختري السلمي قائلا:
ارحم إلهي الكهل 1590 من سليم
و انظر إليه نظرة الرحيم 1591
فقتله عمرو بن الحمق.
فخرج جابر الأزدي قائلا:
يا ليت أهلي من عمار حاضري
من سادة الأزد و كانوا ناصري 1592
فقتله محمد بن أبي بكر.
و كانت عائشة تنادي بأعلى صوتها: أيّها الناس عليكم بالصبر، فإنّما يصبر الأحرار.
فأجابها كوفيّ:
قلنا 1593 لها و هي على مهوات
انّ لنا سواك امّهات
في مسجد الرسول ثاويات
و التحم القتال و شكت السهام الهودج حتى كأنّه جناح نسر أو شوك قنفذ،
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أراه يقاتلكم إلّا هذا الهودج، اعقروا الجمل.
و في رواية: عرقبوه فإنّه شيطان.
[أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أوصى محمد بن أبي بكر بأن يدرك اخته عائشة]
و قال أمير المؤمنين لمحمد بن أبي بكر: إذا عرقب الجمل فادرك اختك فوارها، فعرقب رجل منه فدخل تحته رجل ضبّي، ثمّ عرقب اخرى [عبد الرحمن] 1594 فوقع على جنبه، فقطع عمّار نسعه، فأتاه أمير المؤمنين عليه السلام و دقّ رمحه على الهودج، و قال: يا عائشة، أ هكذا أمرك رسول اللّه أن تفعلي؟
فقالت: يا أبا الحسن، ظفرت فأحسن، و ملكت فأسجح 1595 .
فقال لمحمد بن أبي بكر: شأنك و اختك فلا يدنو أحد منها سواك.
قال محمد بن أبي بكر: فقلت لها: ما فعلت بنفسك؟ عصيت ربّك،
و هتكت سترك، ثمّ أبحت حرمتك، و تعرّضت للقتل، فذهب بها إلى دار عبد اللّه بن خلف الخزاعي، فقالت: أقسمت عليك أن تطلب عبد اللّه بن الزبير جريحا كان أو قتيلا، فقلت: إنّه كان هدفا للأشتر، فانصرف محمد إلى المعركة 1596 فوجده بين القتلى، فقال: اجلس يا ميشوم أهل بيته، فأتاها به، فصاحت و بكت، ثمّ قالت: يا أخي استأمن له من عليّ، فأتى أمير المؤمنين عليه السلام:
فاستأمن له منه.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أمنته و أمنت جميع الناس.
و كانت وقعة الجمل بالخريبة، وقع القتال بعد الظهر، و انقضى عند المساء،
و كان مع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه عشرون ألفا، منهم البدريّون ثمانون رجلا، و ممّن بايع تحت الشجرة مائتان و خمسون، و من الصحابة غير هؤلاء ألف و خمسمائة رجل، و كانت عائشة في ثلاثين ألفا أو يزيدون، منها المكّيون ستّمائة رجل.
[عدد القتلى يوم الجمل]
قال قتادة: قتل يوم الجمل عشرون ألفا. و قال الكلبي: قتل من عسكر 1597 علي ألف راجل و سبعون فارسا؛ منهم زيد بن صوحان، و هند الجملي، و أبو عبد اللّه العبدي، و عبد اللّه بن رقيّة.
و قال أبو مخنف و الكلبي: قتل من أصحاب الجمل من الأزد خاصّة أربعة آلاف رجل، و من بني عديّ و مواليهم تسعون رجلا، و من بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل، و من بني حنظلة تسعمائة رجل، و من بني ناجية أربعمائة رجل، و الباقي من أخلاط الناس إلى تمام تسعة آلاف إلّا تسعين رجلا، و القرشيّون منهم طلحة، و الزبير، و عبد اللّه بن عتّاب بن أسيد، و عبد اللّه بن حكيم بن حزام، و عبد اللّه بن شافع بن طلحة، و محمد بن طلحة، و عبد اللّه ابن أبي خلف 1598 الجمحي، و عبد الرحمن بن معد، [و عبد اللّه بن معد] 1599 .
و عرقب الجمل أوّلا أمير المؤمنين عليه السلام، و يقال: مسلم بن عدنان، و يقال: رجل من الأنصار، و يقال: رجل من ذهل 1600 .
قلت: و لمّا صارت أحاديث هذه الفتنة الصمّاء، و المحنة العظمى
ضروريّة لا يختلف في صحّتها، و متواترة لا يشكّ في واقعتها، و نقلها المخالف، و دوّنها المؤالف، و صارت في وضوحها كالشمس، منزّهة عن الشكّ و اللبس.
أمّا المؤمن التقيّ فلا يرتاب في كفر من أضرم نارها، و شبّ اوارها 1601 ، و ارتكب عارها، و احتقب أوزارها، و ركب جملها، و سلك سبلها.
و أمّا المناقب الشقيّ فيعدل عن ظواهر حقائقها، و يصوّب فعل قائدها و سائقها، و يرتكب التعسّف في تأويلها، و التعصّب في تنزيلها، و يعتذر لمن سلب وقودها، و نصبت عمودها، و خالفت بعلها و نبيّها، و حاربت سيّدها و وليّها.
و لمّا رأيت شدّة عضتها، وحدة كلتها، لا يرتدع بوعظ واعظ، و لا ينتفع بلفظ لافظ، قد طبع الشيطان على قلبها، و استحوذ على فيها، فغرقت في لجّة نفاقها، و تاهت في بيداء شقاقها، قد أحدقت الطغاة بجملها، و حفّت البغاة بمحملها، تمثّلتها في فكري، و عنّفتها بزجري، و خاطبتها بلسان الحال، و عنّفتها ببيان المقال، و قلت مشيرا إليها، و زاريا عليها:
أيّها المائحة في غرب غيّها و جهلها، المخالفة أمر ربّها و بعلها، المنافقة بإسلامها، و الخارجة على إمامها، الباغية بخروجها و حربها، الكافرة بقالبها و قلبها، ما للنساء و عقد البنود؟ و ما لذوات وقود الجنود؟ أ لم تؤمرين بالقرار في منزلك؟ أ ما كان لك شغل شاغل بمغزلك؟ نهيت أن تتبرّجي 1602 ، و عن بيتك
أن لا تخرجي، فهتكت حجابك، و أسفرت نقابك، و قدت الفتنة بخطامها، و أرخيت لها فاضل زمامها، فحبطت بأرجلها، و قنصت بأحبلها، و كشرت عن نابها، و مرقت عجلا بها، لمّا أقبلت يحثّ بك جملك، عصيت ربّك بتفصيلك و جملك، خرجت من ديارك بطرا و رئاء الناس، و فصلت عن قرارك تكتفك الأوغاد الأرجاس، لما علمك سيّد المرسلين بخروجك، جريت في تيه الضلال بل فروحك.
يا صاحبة العطفة، كفرت بالّذي خلقك من نطفة، يا ربّة الهودج، خالفت ربّك في المولج و المخرج، أظهرت غلّا كامنا بحربك، و حسدا قاطنا في قلبك، لمّا انتقلت الزهراء إلى جوار ربّها، امتنعت من حضور عزيتها و قربها، و تعلّلت باستيلاء علّة على هامتك و فسادك، و ذلك أعظم دليل على كفرك و إلحادك، فهلّا تعلّلت يوم مسيرك على بعيرك، قاصدة حرب حليلها بعيرك و بغيرك؟ و لم لا عصّبت رأسك يوم موت ولدها؟ بل أظهرت الشماتة بهلاك فلذّة كبدها، و أقبلت على بغلك، و لم تراع حرمة بعلك، و لم ترعوي عن جهلك، بل أجلبت على هضم آل الرسول بخيلك و رجلك.
فلعنة اللّه على فرعك و أصلك، و قومك و أهلك، امثّلك في يوم البصرة في محملك، تحرّضين الأوغاد بقولك و عملك، كالحيّة النافثة بسمّها، أو الذئبة الضارية بكلمها، حتى إذا خاب أملك، و عقر جملك، و قتلت رجالك، و خذلت أبطالك، و صار طلحتك طليحا، و زبيرك طريحا، و معلّاك سفيحا، و نافسك منيحا.
ألحفك ساتر العورات جناح رحمته، و أسبل عليك مقيل العثرات ستر مغفرته، و أرجعك إلى قرارك الّذي أخرجك الشيطان منه، و أعادك إلى منزلك الّذي فصلك العدوان عنه، و سدّ عنك باب الانتقام، و ستر منك ما فضحته
الآثام، كلّ ذلك وجدك يغلي بنار حقدك، و حودك يشبّ بضرام حسدك، ثم أتبعت بالطلقاء و أبناء الطلقاء على حربه، و أغريت الأشقياء اللصقاء بسبّه، و فعلت إلى ابن هند محرّضة له عليه، و أغريت بني حرب بإرسال شواظ حربهم إليه، و نبذت كلّ عهد عهده الرسول إليك فيه، ثائرة بدم عثمان و كنت من أعظم خاذليه، لمّا وضعت قميصه على رأسك، و حفت به الأوغاد من أرجاسك.
حقّت عليك كلمة العذاب، و استوجبت اللعنة من ربّ الأرباب، و اقسم لو شاهدتك يوم بصرتك، و قد انفردت من أهلك و اسرتك، و عقر بعيرك، و قلّ نصيرك، و قتل جندك، و فلّ حدّك، لم اولك منّي صفحا، و لم أطو عنك كشحا، و لقرعت سمعك بقوارع عذلي، و لوجأت 1603 خدّك بسبت نعلي، و لسفعت ناصيتك بسوطي، و لرفعت بلعنتك صوتي، لا لأنّي مخالف سيّدي في فعله، و لا زار على صفحه بفضله، إذ ستر بحلمه ما فضح منك، و عفا بمنّه ما صدر عنك، بل غضبا للّه، و تعصّبا لأولياء اللّه.
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه في ذمّ عائشة]
يا من عصت بخروجها
قصدا لحرب وليّها
كفرت بأنعم ربّها
و خلاف أمر نبيّها
و أتت من البلد الحرام
بفتنة من غيّها
تذكي سعير ضرامها
بسفيهها زهريّها
و بذي السلا أحببت 1604
غادر تيميّها
و كذا بنجل طريدها
و عتلّها أمويّها
تنحب عليها عاويات
الحوب عند مجيّها
و مضت لشدّة حقدها
لم تعتبر بعويّها
حتى إذا نشرت صحائف
بغيها من طيّها
في عصبة سلكت سبيل
عنيدها و عصيّها
صارت حماة بعيرها
قد فلّ حلّ نديّها
بسيوف أقوام علت
أعلامهم بعليّها
صنو الرسول
و خير امّته و ربّانيها
و أب الحروب و ربّها
و مدار قطب رحيّها
بدريّها احديّها
سلعيّها جمليّها
علويّها قدسيّها
نوريّها مهديّها
أعني قصيّ رتبته
من ذاتها و قصيّها
أبدت خضوعا ظاهرا
و الغدر حشو طويّها
فلذاك موت السبط
أبد الغلّ من مخفيّها
و أتت على بغل تحثّ
بكفرها و فديّها
فاللّه يلعن حشدها
من تيمها و عديّها
و السائقين بعيرها
و من استظلّ بفيّها