کتابخانه روایات شیعه
رميتم عليّا بالّذي لم يضرّه
و ليس له في ذاك نهي 1621 و لا أمر
فما ذنبه إن نال عثمان معشر
أتوه من الأحياء يجمعهم مصر 1622
و كان عليّ لازما قعر بيته
و همّته التسبيح و الحمد و الذكر
فما أنتما لا درّ درّ أبيكما
و ذكركم الشورى و قد وضح الأمر
فما أنتما و النصر منّا و أنتما
طليقا اسارى ما تبوح به الخمر 1623
[كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام]
و أرسل معاوية أبا مسلم الخولاني بكتاب إلى أمير المؤمنين عليه السلام، من جملته:
و كان أنصحهم للّه خليفته الأوّل، ثمّ خليفة خليفته، ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما، فكلّهم حسدت، و على كلّهم بغيت، عرفنا ذلك من 1624 نظرك الشزر، و قولك الهجر، و تنفّسك الصعداء، و إبطاؤك عن الخلفاء، و في كلّ ذلك تقاد كما يقاد الجمل المغشوش، و لم تكن لأحد [منهم] 1625 أشدّ حسدا منك لابن
عمّك، و كان أحقّهم ألّا تفعل [ذلك] 1626 لقرابته و فضله، فقطعت رحمه، و قبّحت حسنه، و أظهرت له العداوة، و بطنت له بالغشّ، و ألّبت الناس عليه، فقتل معك في المحلّة، و أنت تسمع الواعية 1627 ، لا تدرأ عنه بقول و لا فعل.
فلمّا وصل أبو مسلم و قرأ الكتاب على الناس قالوا: كلّنا قاتلون، و لأفعاله منكرون.
[جواب أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية]
فكان جواب أمير المؤمنين عليه السلام:
و بعد، فإنّي رأيتك قد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي، ثمّ حاكم القوم إليّ أحملكم على كتاب اللّه و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و أمّا الّذي تريده في خدعة 1628 الصبي عن اللبن، و لعمري لئن نظرت بعقلك [دون هواك] 1629 لعلمت أنّي من أبرأ الناس من دم عثمان، و قد علمت أنّك من أبناء الطلقاء الّذين لا تحلّ لهم الخلافة.
قال: ثمّ صعد عليه السلام المنبر و حضّهم على ذلك.
قال ابن مردويه: قال قيس بن أبي حازم التميمي و أبو وائل: قال أمير المؤمنين عليه السلام: انفروا إلى بقية الأحزاب و أولياء الشيطان، انفروا إلى من يقول كذب اللّه و رسوله.
و جاء رجل من عبس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسئل: ما الخبر؟
فقال: إنّ في الشام يلعنون قتلة عثمان، و يبكون على قميصه.
فقال عليه السلام: ما قميص عثمان بقميص يوسف، و لا بكاؤهم عليه إلّا كبكاء أولاد يعقوب، فامّا فتح الكتاب وجده بياضا فحولق.
و كتب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام: ليت القيامة قد قامت فترى المحقّ من المبطل.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها) 1630 .
[مكاتبات بين أمير المؤمنين عليه السلام و معاوية]
و كتب معاوية أيضا إلى أمير المؤمنين- بعد كلام طويل-:
يا عليّ، اتّق اللّه، و لا تفسدنّ سابقة قدمك، و ذر الحسد فلطالما لم ينتفع به أهله، فإنّ الأعمال بخواتيمها، و لا تعمدن بباطل في حقّ من لا حقّ له، فإن تفعل ذلك فلن تضرّ إلّا نفسك، و لا تمحق إلّا عملك.
فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام- بعد كلام طويل-:
عظتي لا تنفع من حقّت عليه كلمة العذاب، و لم يخف العقاب، و لا يرجو اللّه وقارا، و لم يخف إلّا حذارا 1631 ، فشأنك و ما أنت عليه من الضلالة و الحيرة و الجهالة تجد اللّه عزّ و جلّ في ذلك بالمرصاد.
ثم قال في آخر كلامه:
فأنا أبو الحسن قاتل جدّك عتبة، و عمّك شيبة، و خالك الوليد بن عتبة، و أخيك حنظلة الّذين سفك اللّه دماءهم على يدي في يوم بدر، و ذلك السيف معي، و بذلك القلب ألقى عدوّي.
[و من كلامه:] 1632 و متى ألفيت بني عبد المطّلب عن الأعداء ناكلين، و بالسيوف مخوفين، فالبث قليلا تلحق الهيجاء جمّل، فسيطلبك من تطلب، و يقرب منك من تستبعد، و أنا مرقل نحوك في جحفل 1633 من المهاجرين و الأنصار و التابعين لهم بإحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم، متسربلين سرابيل الموت، أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم، قد صحبتهم ذرّيّة بدريّة، و سيوف هاشميّة، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدّك، و ما هي من الظالمين ببعيد.
فنهاه عمرو عن مكاتبته و لم يكتب بعدها إلّا بيتا واحدا:
ليس بيني و بين قيس عتاب
غير طعن الكلا و ضرب الرقاب
قال أمير المؤمنين عليه السلام: قاتلت الناكثين و هؤلاء القاسطين و سأقاتل المارقين، ثمّ سار أمير المؤمنين راكبا فرس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قصده في تسعين ألفا.
قال سعيد بن جبير: منها تسعمائة رجل من الأنصار و ثمانمائة من المهاجرين.
و قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: و سبعون رجلا من أهل بدر؛ و قيل: مائة و ثلاثون رجلا.
[خروج معاوية و نزوله صفّين]
و خرج معاوية في مائة ألف و عشرين ألف، يتقدّمهم مروان و قد تقلّد بسيف عثمان، فنزل [صفّين] 1634 في المحرّم على شريعة الفرات.
و منعوا عسكر أمير المؤمنين عليه السلام من الماء، فأنفذ أمير المؤمنين صعصعة 1635 بن صوحان العبدي فقال في ذلك عنفا.
فقال معاوية: أنتم قتلتم عثمان عطشا.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: روّوا السيوف من الدماء ترووا من الماء و الموت في حياتكم قاهرين خير من الحياة في دنياكم مقهورين 1636 .
و قال الأشتر رضي اللّه عنه:
ميعادنا الآن بياض الصبح
لا يصالح الزاد بغير ملح
[نزول أمير المؤمنين عليه السلام بصفّين]
و حملوا في سبعة عشر ألف رجل حملة واحدة فغرق بعضهم و انهزم الباقون من عسكر معاوية، فملك الشريعة أصحاب عليّ عليه السلام، فأمر أمير المؤمنين أن لا يمنعونهم من الماء، و كان نزوله عليه السلام بصفّين لليال بقين من ذي الحجّة سنة ستّ و ثلاثين، فأمر معاوية النقّابين أن ينقّبوا تحت عسكر عليّ أمير المؤمنين عليه السلام.
فقال أمير المؤمنين:
فلو أنّي أطعت عصيت قومي
إلى ركن اليمامة أو شئام
و لكنّي إذا أبرمت أمرا
تخالفني أقاويل الطغام
فتقدّم الأشتر و قتل صالح بن فيروز العكّي 1637 و مالك بن الأدهم و زيد 1638 بن عبيد
الكناني و زامل بن عبيد الخزاعي و مالك بن روضة الجمحي مبارزة. و طعن الأشعث لشرحبيل بن السّمط و لأبي الأعور السلمي، فخرج حوشب ذو الظليم و ذو الكلاع في نفر فقالوا: أمهلونا هذه الليلة:
فقالوا: لا نبيت إلّا في معسكرنا، فانكشفوا.
[تعبئة الجيشين للقتال]
ثم إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أنفذ سعيد بن قيس الهمداني و بشر 1639 بن عمرو الأنصاري إلى معاوية ليدعواه إلى الحقّ فانصرفا بعد ما احتجّا عليه.
ثمّ أنفذ أمير المؤمنين عليه السلام [شبث بن ربعي و] 1640 عديّ بن حاتم و يزيد بن قيس الأرحبي و زياد بن خصفة 1641 بمثل ذلك، فكان معاوية يقول:
سلّموا إلينا قتلة عثمان لنقتلهم به، ثمّ نعتزل الأمر حتى يكون شورى، فتقاتلوا في ذي الحجّة و أمسكوا في المحرّم، فلمّا استهلّ صفر سنة سبع و ثلاثين أمر أمير المؤمنين عليه السلام فنودي في عسكر الشام بالاعذار و الانذار، ثمّ عبّى عسكره فجعل على ميمنة الجيش الحسنين و عبد اللّه بن جعفر و مسلم بن عقيل، و على ميسرته محمد بن الحنفيّة و محمد بن أبي بكر و هاشم بن عتبة المرقال، و على القلب عبد اللّه بن العبّاس و العبّاس بن ربيعة بن الحارث و الأشتر و الأشعث، و على الجناح سعد 1642 بن قيس الهمداني و عبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي و رفاعة بن شدّاد البجلي و عديّ بن حاتم، و على الكمين عمّار بن ياسر و عمرو بن الحمق و عامر بن واثلة الكناني و قبيصة بن
جابر الأسدي.
و جعل معاوية على ميمنته ذا الكلاع الحميري و حوشب ذا الظليم، و على الميسرة عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة، و على القلب الضحّاك بن قيس الفهري و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، و على الساقة بسر بن أرطاة الفهري، و على الجناح عبد اللّه بن مسعدة الفزاري و همام بن قبيصة النمري، و على الكمين أبا الأعور السلمي و حابس بن سعد الطائي.
فبعث أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية أن اخرج إليّ ابارزك، فلم يفعل، و قد جرى بين العسكرين أربعون وقعة تغلّب فيها أهل العراق: أوّلها يوم الأربعاء بين الأشتر و حبيب بن مسلمة، و الثانية بين المرقال و [أبي] 1643 الأعور السلمي، و الثالثة بين عمّار و عمرو بن العاص، و الرابعة بين محمد بن الحنفيّة و عبيد اللّه بن عمر، و الخامسة بين عبد اللّه بن عبّاس و الوليد بن عاقبة، و السادسة بين سعد بن قيس و ذي الكلاع، إلى تمام الأربعين، و كان آخرها ليلة الهرير 1644 .
و لأبطال أهل العراق مع أبطال أهل الشام وقعات و حروب و أشعار لا نطوّل بذكرها خوف الملل، ففي بعض أيّامها جال أمير المؤمنين عليه السلام في الميدان قائلا:
أنا علي فاسألوني تخبروا
ثمّ ابرزوا لي في الوغى و ابتدروا
سيفي حسام و سناني يزهر
منّا النبيّ الطاهر المطهّر
و حمزة الخير و منّا جعفر