کتابخانه روایات شیعه
و خرج حجل بن عامر 1658 العبسي فطلب البراز، فبرز إليه ابنه 1659 اثال، فلمّا رآه أبوه قال: انصرف إلى أهل الشام فإنّ فيها أموالا جمّة فقال ابنه: يا أبة انصرف إلينا فجنّة الخلد مع عليّ.
و عبّى معاوية أربعة صفوف فتقدّم أبو الأعور السلمي يحرّض أهل الشام، و يقول: يا أهل الشام، إيّاكم و الفرار فإنّه سبّة و عار، فدقّوا [على] 1660 أهل العراق، فإنّهم أهل فتنة و نفاق، فبرز سعيد بن قيس و عديّ بن حاتم و الأشتر و الأشعث، فقتلوا منهم ثلاثة آلاف و نيّفا، و انهزم الباقون.
[استشهاد اويس القرني]
و برز عبد اللّه بن جعفر فقتل خلقا كثيرا حتى استغاث عمرو بن العاص، و أتى اويس القرني و هو متقلّد بسيفين؛ و قيل: كان معه مرماة و مخلاة من الحصى، فسلّم على أمير المؤمنين عليه السلام و ودّعه و برز مع 1661 رجّالة ربيعة، فقتل من يومه، فصلّى عليه أمير المؤمنين و دفنه.
ثمّ إنّ عمّار كان يقاتل و يقول:
نحن قتلناكم 1662 على تنزيله
ثمّ قتلناكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
و يذهل الخليل عن خليله 1663
ثمّ قال: و اللّه لو قتلونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحقّ و هم على الباطل 1664 .
و برز أمير المؤمنين عليه السلام و دعا معاوية و قال: أسألك أن تحقن دماء المسلمين و تبرز إليّ و أبرز إليك، فيكون الأمر لمن غلب، فبهت معاوية و لم ينطق بحرف، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام على الميمنة فأزالها، ثمّ حمل على الميسرة فطحنها، ثمّ حمل على القلب و قتل منهم جماعة، ثمّ أنشد:
فهل لك في 1665 أبي حسن عليّ
لعلّ اللّه يمكّن من قفاكا
دعاك إلى البراز فكعت عنه
و لو بارزته تربت 1666 يداكا
[بروز أمير المؤمنين عليه السلام لعمرو بن العاص متنكّرا]
و انصرف أمير المؤمنين عليه السلام و خرج متنكّرا، فخرج عمرو بن العاص مرتجزا:
يا قادة الكوفة من أهل الفتن
يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن
كفى بهذا حزنا من 1667 الحزن
أضربكم و لا أرى أبا الحسن 1668
فتناكل 1669 عنه عليّ عليه السلام رجاء أن يتبعه عمرو، فتبعه، فرجع أمير المؤمنين إليه مرتجزا:
أنا الغلام القرشيّ المؤتمن
الماجد الأبلج ليث كالشّطن 1670
يرضى به السادة من أهل اليمن
[ من ساكني نجد و من أهل عدن ] 1671
أبو الحسين فاعلمن و أبو الحسن
جاك يقتاد العنان و الرسن
فولّى عمرو هاربا، فطعنه أمير المؤمنين فوقعت في ذيل درعه، فاستلقى على قفاه و أبدى عورته، فصفح عنه أمير المؤمنين استحياء و تكرّما.
فقال له معاوية: أحمد اللّه الّذي عافاك، و أحمد استك الّذي وقاك.
ففي ذلك يقول أبو نؤاس:
فلا خير في دفع الأذى 1672 بمذلّة
كما ردّها يوما بسوءته عمرو
ثمّ دعا أمير المؤمنين معاوية إلى البراز، فنكل عنه، فخرج بسر بن أرطاة طامعا في عليّ، فصرعه أمير المؤمنين عليه السلام، فاستلقى على قفاه و كشف عورته، فانصرف عليّ عليه السلام.
فقال أهل العراق 1673 : ويلكم يا أهل الشام، أ ما تستحيون من معاملة المخانيث؟! لقد علّمكم رأس المخانيث عمرو في الحرب كشف الاساءة.
[مكاتبات بين معاوية و عمرو بن العاص و ابن عبّاس]
و لمّا رأى معاوية كثرة براز عليّ أخذ في الخديعة، فأنفذ عمرو إلى ربيعة
فوقعوا فيه، فقال: اكتب إلى ابن عبّاس و غرّه، فكتب:
طال البلاء فما يدرى له آس
بعد الإله سوى رفق ابن عبّاس
فكان جواب ابن عبّاس:
يا عمرو حسبك من خدع و وسواس
فاذهب فمالك في ترك الهدى 1674 آس
إلّا بوادر 1675 طعن في نحوركم
تشجى النفوس له في النقع إفلاس
إن عادت الحرب عدنا فالتمس هربا
في الأرض أو سلّما في الافق يا قاسي
ثمّ كتب إليه معاوية أيضا:
إنّما بقي من قريش ستّة نفر: أنا و عمرو بالشام، و سعد و ابن عمر في الحجاز، و علي و أنت في العراق، على خطب عظيم، و لو بويع لك بعد عثمان لأسرعنا فيه.
فأجابه ابن عبّاس:
دعوت ابن عبّاس إلى السلم خدعة 1676
و ليس لها حتى تموت بقابل 1677
[كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام، و جواب أمير المؤمنين له]
و كتب إلى عليّ عليه السلام:
أمّا بعد، فإنّا لو علمنا أنّ الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم تجهّمنا بعضنا على بعض؟ و إن كنّا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا ما نرمّ 1678 به ما مضى، و نصالح به ما بقي، و قد كنت سألتك الشام على ألّا تلزمني لك طاعة و لا بيعة، فأبيت، و أنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس، فإنّك لا ترجو من البقاء إلّا ما أرجو، و لا تخاف من الفناء إلّا ما أخاف، و قد و اللّه رقّت الأجساد، و ذهبت الرجال، و نحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض يستذلّ به عزيز، و يسترقّ به حرّ.
فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام:
أمّا قولك إنّ الحرب قد أكلت العرب إلّا حشاشات أنفس بقيت، ألا و من أكله الحقّ فإلى النار، و أمّا طلبك إليّ الشام فإنّي لم أكن لاعطيك [اليوم] 1679 ما منعتك أمس، و ما استواؤنا في الخوف و الرجاء 1680 ، فلست أمضي على الشكّ منّي على اليقين، و ليس أهل الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة.
و أمّا قولك إنّا بنو عبد مناف فكذلك نحن، و ليس اميّة كهاشم، و لا حرب كعبد المطّلب، و لا أبو سفيان كأبي طالب، و لا الطليق كالمهاجر، و لا الصريح كاللصيق، و لا المحقّ كالمبطل، و لا المؤمن كالمدغل، و في أيدينا فضل النبوّة الّذي أذللنا به العزيز، و أنعشنا به الذليل، و بعنا بها الحرّ.
و أمر معاوية ابن خديج الكندي أن يكاتب الأشعث، و النعمان بن بشير أن يكاتب قيس بن سعد في الصالح، ثمّ أنفذ عمرا و حبيب بن مسلمة و الضحّاك بن قيس إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا كلّموه قال: أدعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة رسوله، فإن تجيبوا إلى ذلك فللرشد أصبتم، و للخير وفّقتم، و إن تأبوا لم تزدادوا من اللّه إلّا بعدا.
فقالوا: قد رأينا أن تنصرف عنّا فنخلّي بينكم و بين عراقكم، و تخلّون بيننا و بين شامنا، فتحقن 1681 دماء المسلمين.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لم أجد إلّا القتال أو الكفر بما انزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله.
ثمّ برز الأشتر و قال: سوّوا صفوفكم.
و قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيّها الناس، من يبع يربح في هذا اليوم- في كلام له- ألا إنّ خضاب النساء الحنّاء، و خضاب الرجال الدماء، و الصبر خير في عواقب الامور، ألا إنّها إحن بدريّة، و ضغائن احديّة، و أحقاد جاهليّة، ثم قرأ عليه السلام: (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) 1682 .
ثمّ تقدّم عليه السلام و هو يرتجز:
دبّوا دبيب النّمل لا تفوتوا
و أصبحوا في حربكم و بيتوا
كيما تنالوا الدين أو تموتوا
أو لا فإنّي طالما عصيت
قد قلتم لو جئتنا فجيت 1683
ثمّ حمل عليه السلام في سبعة آلاف 1684 رجل فكسروا الصفوف.
فقال معاوية لعمرو: اليوم صبر و غدا فخر.
فقال عمرو: صدقت، و لكنّ الموت حقّ، و الحياة باطل، و لو حمل عليّ في أصحابه حملة اخرى فهو البوار.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فما انتظاركم إن كنتم تريدون الجنّة؟
[استشهاد أبي الهيثم بن التيهان و عمّار بن ياسر]
فبرز أبو الهيثم بن التيهان قائلا:
أحمد ربّي فهو الحميد
ذاك الّذي يفعل ما يريد
دين قويم و هو الرشيد
فقاتل حتى قتل.
و برز عمّار بن ياسر، و كان له من العمر ثمانون سنة، فجعل يقول:
اليوم نلقى الأحبّه
محمدا و حزبه
و اللّه و اللّه لو قتلونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحقّ و هم على الباطل، و هو الّذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حقّه: