کتابخانه روایات شیعه
يقينه، و توّجه بتاج (إِنَّما وَلِيُّكُمُ) 1700 ، و نفعه نحلة (وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) 1701 ، و جعل له الرئاسة العامّة في خلقه، و قرن طاعته بطاعته، و حقّه بحقّه، و أثبت في ديوان الصفيح الأعلى منشور عموم ولايته، و وقّع بيد القدرة العليا توقيع شمول خلافته، يطالع رهبان صوامع العالم الأشرف في اللوح المحفوظ أحرف صفاته، و يصغي بصماخ توجّهاتها إلى لذيذ مناجاته، فتحتقر شدّة كدحها في طاعة ربّها في حبّ طاعته، و ترى عبادتها لمبدعها كالقطرة في اليمّ في جانب عبادته.
باهى اللّه به ليلة الفراش 1702 أمينيه جبرئيل و ميكائيل، و ناداهما بلسان الابتلاء و هو العالم من أفعال عباده بكلّ دقيق و جليل: إنّي قد جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيّكما يؤثر أخاه بالزيادة؟ فكلّ منهما بخل ببذل الزيادة لأخيه، و تلكّأ عن جواب صانعه و منشيه، فأوحى إليهما: هلّا كنتما كابن أبي طالب؟! فإنّه آثر أخاه بالبقيّة من أجله، و بات مستاقا 1703 بسيوف الأعداء من أجله، اهبطا إلى الأرض فاحسنا كلاءته و حفظه، و امنعاه من كيد عدوّه في حالتي المنام و اليقظة.
و كذلك يوم احد و قد ولّوا الأدبار، و اعتصموا بالفرار، و أسلموا الرسول إلى الجبن، و لم يعد بعضهم إلّا بعد يومين، هذا و وليّ اللّه يتلقّى عنه السيوف
بشريف طلعته، و يمنع عوامل الحتوف بشدّة عزمته، حتى باهى اللّه يومئذ ملائكته ببطشه القويّ، و نادى مناد من السماء: لا سيف إلّا ذو الفقار و لا فتى إلّا عليّ.
و في بدر إذا التقى الجمعان، و اصطدم الفيلقان، و شخصت الأعين، و خرست الألسن، وجبت الجيوب، و وجبت القلوب، كان صلوات اللّه عليه و آله قاصم أبطالها، و ميتّم أشبالها، و ليث ناديها، وصل داريها، صبّ اللّه بشدّة بطشه على أعدائه سوط عذابه، و أنزل بالملحدين في آياته من صولة سطوته وخيم عقابه.
صاحب بطشتها الكبرى، و ناصب رايتها العظمى، جعل اللّه الملائكة المسوّمين فيها من جملة حشمه و جنده، و لواء الفتح المبين خافقا على هامة رفعته و مجده، و شمس الشرك ببدر وجهه مكوّرة، و جموع البغي بتصحيح عزمه مكسّرة، و هل أتاك نبأ الخصم الألدّ؟ أعني مقدام الأحزاب عمرو بن ودّ، البطل الأعبل، و فارس يليل، إذ أقبل برز كالليث القرم، و يهدر كالفحل المغتلم، و يصول مدلّا بنجدته، و يجول مفتخرا بشدّته، و يشمخ بأنفه كبرا، و يبذخ بخدّه صعرا، قد تحامته الفرسان خوفا من سطوته، و أحجمت عنه الشجعان حذرا من صولته، و انهلعت قلوب الأبطال لمّا طبق الخندق بطرفه، و ذهلت عقول الرجال لمّا شزرهم بطرفه، كالأسد الكاسر في غابه، أو النمر الكاشر عن نابه، فزاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر، و أحجمت الأنصار لمّا سمعت زئير الأسد المبادر، و امتدّت نحوه الأعناق، و شخصت إليه الأحداق، و خشعت الأصوات، و سكنت الحركات، و هو يؤنّب بتعنيفه، و يجبر بتأفيفه.
فعندها أشرق بدر الحقّ من شفق الفتوّة، و طلعت شمس المجد من برج
النبوّة، و أقبل علم الاسلام يرفل في ملابس الجلال، و تبدّى نور الايمان يخطر في حلل الكمال، كالطود الشامخ في مجده، أو البحر الزاخر عند مدّه، قد أيّده اللّه بروح قدسه، و أوجب من ولائه ما أوجب من ولاء نفسه، و أيّده بالعصمة التامّة، و شرّفه بالرئاسة العامّة، كالقمر المنير في كفّه شهاب ساطع، أو الموت المبير إذا علا بسيفه القاطع، حتى إذا قارنه و قاربه و شزره بطرفه عند المصاولة علاه بمشحوذ العذاب لو علا به رضوى لغادر كثيبا مهيلا، و لو أهوى به على أكبر طود في الدنيا لصيّره منفطرا مقلولا، فخرّ كالجذع المنقعر، أو البعير إذا نحر، يخور بدمه، و يضطرب لشدّة ألمه، قد سلبته ملابس الحياة أيدي المنيّة، و كسته من نجاح دمه حلّة عدميّة، و كفى اللّه المؤمنين القتال بوليّه المطلق، و صدّيق نبيّه المصدّق، الّذي أعزّ اللّه الاسلام و أهله بعزمه، و أذلّ الشرك و جنده بقدمه.
فيا من كفر بأنعم ربّه، و أجلب بخيله و رجله على حربه، و رابطه مصابرا، و عانده مجاهرا، و أظهر نفاقه الكامن، و غلّه الباطن، أ لم يكن أبوك في تلك المواطن رأسا للمشركين؟ أ لم يكن في حرب نبيّه ظهيرا للكافرين؟
أ لست ابن آكلة الأكباد البغيّة؟ أ لست زعيم العصابة الأمويّة؟ أ لست فرع الشجرة الملعونة؟ أ لست رأس الامّة المفتونة؟ أ ليس قائد أحزاب المشركين أباك؟ أ ليس أوّل المبارزين في بدر جدّك و خالك و أخاك، اديرت كئوس المنون بيد وليّ اللّه عليهم، و بطرت الحتوف من كثب إليهم، و أنزل سبحانه (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) 1704 منهم ذلك بما قدّمت أيديهم، قلبت أشلاءهم بعد الموت في القلب، (وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ)
(وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) 1705 ، لرأيت أعناقهم تقطع صبرا، و أشلاءهم تبضّع هبرا، و امراءهم قد ولّوا الأدبار، ثمّ لا ينصرون، و اسراءهم كأنّما يساقون إلى الموت و هم ينظرون.
هؤلاء أسلافك الماضية، و آباؤك الغاوية، الّذين قصّ اللّه قصصهم في محكم تنزيله، و لعنهم على لسان نبيّه و رسوله، و سمّاهم الشجرة الملعونة في القرآن 1706 ، و العصابة الخارجة عن الايمان، الّذين اتّخذوا الأصنام آلهة من دون اللّه، و استقسموا بالأزلام خلافا لأمر اللّه، و كان سيّدنا و وليّ أمرنا و معتقدنا و وسيلتنا إلى ربّنا حينئذ أوّل من أسلم لربّ العالمين، قائما يومئذ بنصر سيّد المرسلين.
[قصيدة في أمير المؤمنين عليه السلام]
مقالكم في احد اعل هبل
و قوله اللّه أعلى و أجل
أوّل من آمن باللّه و من
صلّى و صام تابعا خير الرسل
و خير من واسى النبيّ في الوغا
و خير من في اللّه نفسه بذل
يا من تلمني في هواه لا تلم
فحبّه وجدته خير العمل
من كفّه رجوت اسقى شربة
ختامها مسك و في ذلك فل
أنا الّذي من عهده مستمسك
بعروة عقد ولاها لا تحل
خير وليّ ليس يحصى فضله
و مجده عزّ عن الوصف و جل
بعد إلهي و نبيّي لا أرى
سواه ينجيني إذا الخطب نزل
في القلب منّي منزل لحبّه
متحكّم بصدق عهدي لم يزل
أهتف باسمه إذا خطب عرا
و أسأل اللّه به و أبتهل
فإنّني و من أجل كيده
بساحتي العكس جابني الأمل 1707
رفضت رجسين تسمّيا بما
سمّاه ذو العرش قديما في الأول
و دنت دينا قيّما إنّهما
في الكفر شرّ من يغوث و هبل
و هكذا ثالثهم أظلم من
حلّ على وجه الثرى أو ارتحل
و من أتت لحربه و خالفت
إلهها و بعلها يوم الجمل
و سائقي بعيرها و قائدي نفيرها
و من رضي و من دخل
و من بصفّين عليه جرّدوا
بيض الضبا و اعتقلوا سمر الأسل
و أقبلوا يقدمهم زعيمهم
رأس النفاق و الغرور و الحيل
نجل الطغاة الطلقاء و الّذي
لعنهم في محكم الذكر نزل
و من عن الحقّ السويّ مرقوا
و خالفوا جميع أرباب الملل
كلّهم قد فارقوا دين الهدى
و قارفوا الكفر بقول و عمل
عليهم من ذي الجلال لعنة
دوامها حتى القيام متّصل
ما سيّرت أفلاكها بشمسها
و ابتلج الصبح و أظلم الطفل 1708
اللّهمّ يا من أفرغ فرغ على أعطاف عقولنا ألطاف كرامته، و حلّى أجياد نفوسنا بجلي عنايته، و رفع قواعد ملّتنا، و جمع على التقوى كلمتنا، و أثبت في دوحة الايمان أصولنا، و سقى بزلال الاخلاص فروعنا، و تمّم باتّباع سبيل نبيّه و وليّه حدودنا و رسومنا، فصرنا لا نعتقد سواه قديما أزليّا، و لا نزى وجودا غير وجوده أبديّا ديموميّا، ننزّهه عن الشريك و العديل، و نقدّسه عن الشبيه و المثيل، خلقنا لننزّهه و نمجّده، و أوجدنا لنعبده و نوحّده، و جعل نفع ذلك و اصلا إلينا، و مضاعفا علينا، لا لحاجة منه إلى عبادتنا، و لا لفائدة عائدة إليه من طاعتنا.
ظهر لأفكارنا بآثار صنعته، و احتجب عن أبصارنا بكبريائه و عظمته، و فرض علينا بعد الاقرار بأنّه الواحد الأحد المبتدع المخترع، و عرفان ما يصحّ على ذاته الشريفة و يمتنع، و تعاليه عمّا لا يليق بجلاله من تعارض خلقه، و الاذعان بالتسليم لأمره و قضاء حقّه، سلوك سبيل من أقامهم هداة إليه، و إدلاء في مفاوز الضلالة عليه، و التسليم لأمرهم، و التنويه بذكرهم، و الاخلاص بشكرهم، و الاتّضاع لقدرهم، و الاغتراف من بحر علمهم، و الاعتراف بصواب حكمهم، و أن لا يقدّم عليهم من سجد لصنم، أو استقسم بزلم، أو بحر بحيرة، أو عتر عتيرة، قد نمته الخبيثون و الخبيثات، و حاق به دناءة الآباء و عهر الامّهات.
و نعتقده انّه سبحانه قرن حبّهم بحبّه، و جعل حربهم كحربه، و سلمهم كسلمه، و علمهم من علمه، فهم اولوا الأمر الّذين قرن طاعتهم بطاعته، و هداة الخلق إلى ما اختلفوا فيه من فرض دينهم و سنّ حسدهم من لعنه اللّه و غضب عليه، و أعدّ له خزيه يوم يقوم الناس لديه.
أغرى الشيطان بهم سفهاءه، و أعلى عليهم أولياءه، و زيّن للناس اتّباعهم، و جعلهم أشياعهم و أتباعهم، و سمّى رأس الكذبة صدّيقهم، و أساس الظلمة فاروقهم، و خائن الامّة وليّ أمرهم، و أجهل الامّة كاتب و حيهم، و ولّوا الناس بغرورهم، و حرّفوا كتاب اللّه بزورهم، و أخلفوا عهد الرسول و نبذوا ميثاقه المأخوذ عليهم، و جرّدوا عليهم سيوفهم و عواملهم، و فوّقوا نحوهم سهامهم و معابلهم.
ثمّ تفكّر في حال الرجس اللئيم، و الدنس الأثيم، ابن آكلة الأكباد، و نتيجة الآثمة الأوغاد، و ما أظهر من الكفر و الالحاد، و البغي و العناد، و ليس ذلك ببدع من قبيح فعله، و زنيم أصله، فهو من قوم طوّقهم اللّه بطوق لعنته في
الدار الفانية، و أعدّ لهم أليم عقوبته في جحيمه الهاوية.
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه في مثالب أعداء أمير المؤمنين عليه السلام]
اللّهمّ إنّا نتقرّب إليك بلعنته و سبّه، و تكفير مصوّبي اجتهاده في حربه، و لمّا تصوّرت شدّة شكيمته في غيّه، و خبث سريرته ببغيه، و أذاه للنبيّ و أهله، و عداوته للوصيّ و نجله، كنت اخاطبه بكلمات أوحاها جناني، و أقصده بلعنتي في سرّي و إعلاني، و أذبحه بذكر مساويه ببليغ نثري، و اورد نبذة من مخازيه بفصيح شعري، فمن جملة ذلك أبيات ألقاها خالص الايمان على بنان نطقي، و أهداها الملك الديّان إلى لسان صدقي، تحلّي الطروس بذكرها، و تسرّ النفوس بنشرها، و هي هذه:
يا ابن البغيّة يا رأس البغاة و يا
نجل الطغاة و أهل الزيغ و الزلل
و أهل بدر و احد و الّذين سروا
لحرب خير الورى بالبيض و الأسل
و من بلعنتهم جاء الكتاب و في
الأحزاب ذكرهم حتى القيام جلي
و يا ابن من كان رأس المشركين و يا
رأس النفاق و أهل الشرك و الخطل
رمتم بأن تطفئوا نور الهدى بعدت
أحزابكم مثل سهل الأرض و الجبل
فأرسل اللّه جندا لم تروه على