کتابخانه روایات شیعه
حتى إذا قام دين الحقّ منتصبا
يزهو فخارا إذ المحفوظ منه غلي
و ذلّ ما عزّ من عزّاكم و غدا
مكسرا جمعها للكسر من هبل
و عمرو ودّكم أمسى كودّكم
مقسما بحسام الضيغم البطل
هادي الخليقة محمود الطريقة
معصوم الحقيقة نور اللّه في الأزل
ليث الكتيبة مشهور الضريبة
ذي القربى القريبة ثاني خاتم الرسل
نفس الرسول و واقيه بمهجته
و ناصر دينه بالقول و العمل
ربّ الفراش إذا المختار اخرج من
مقامه في الدجا يسري على وجل
بدت لأهل العلى أنوار طلعته
فوق الفراش كبدر تمّ في الطفل
من جدّك الرجس في بدر و خالك مع
أخيك عمّا لقوه منه قف و سل
ينبيك صارمه عنهم بأنّهم
ما بين منعفر منه و منجدل
يا أكفر الخلق من بدو و من حضر
و أظلم الناس في حلّ و مرتحل
لم تؤمنوا رغبا في الدين بل رهبا
و خشيته من حسام قاطع الأجل
في كفّ أبلج يوم الروع طلعته
كالشمس مشرقة في دارة الحمل
غدا وليدكم من ثدي صارمه
لبان صرف الردى بالغلّ و النهل
كهف الأنام و هاديهم و منقذهم
و من بهم سالك في أوضح السبل
و غيث ما حلتم إن أزمّة قرعت
و غيث صارخهم في الحادث الجلل
سل عن فضائله جما فإنّ له
في الذكر ذكر جليل سار كالمثل
يوم القموص على شأنا بسطوته
إذ ردّ شانئه بالخذل و الفشل
كانت حصونا حصانا في شوا
هقها إلى ذراها سحاب المزن لم تصل
فافتضّ بالذكر الصمصام عذرتها
فأصبحت من دماء القوم في حلل
و ظيخها 1709 طاح قد صارت سلالمه
منكسا منه أعلاها إلى السفل
يا قالع الباب يا باب النجاح و من
أوقفت دون الورى في بابه أملي
أرجو بك اللّه يوم الحشر ينقذني
و أن يضاعف ما قد قلّ من عملي
و لا يجبهني حيث الفضيحة بي
أولى و يستر ما أخفيت من زللي
و لا تكلني إلى نفسي و تجعلني
في كلّ حال على علياه متّكلي
[في عدد القتلى من العسكرين، و رفع المصاحف]
و لمّا جرى ما جرى في ليلة الهرير و كان القتل فاشيا في عسكر معاوية كما بيّنّا أوّلا أنّ القتلى كانت من عسكر علي عليه السلام أربعة آلاف رجل، و من عسكر معاوية اثنين و ثلاثين ألفا؛ و قيل: أكثر كما ذكر فأصبح معاوية و قد أسقط في يده، و أشرف على الهلكة، فقال لعمرو: نفرّ أو نستأمن؟
قال: نرفع المصاحف على الرماح و نقرأ: (أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) 1710 فإن قبلوا حكم القرآن رفعنا الحرب و واقفناهم 1711 إلى أجل مسمّى، و إن أبى بعضهم إلّا القتال فللنا شوكته 1712 ، و وقعت الفرقة بينهم.
فرفعوا المصاحف على الرماح، و بان من جملتها مصحف يقال إنّه مصحف الإمام و حملوه على أربعة رماح، و أتبعوه بأربعمائة مصحف اخرى، و نادوا من كلّ جانب: فلسنا و لستم من المشركين، و لا المجمعين على الردّة، فإن تقبلوها ففيها البقاء للفرقتين و للبلدة، و إن تدفعوها ففيها الفناء و كلّ بلاء إلى مدّة 1713 .
و كان جلّ عسكر أمير المؤمنين منافقين عليهم لعائن اللّه كمسعر بن فدكي، و زيد بن حصين الطائي، و الأشعث بن قيس الكندي، و غيرهم، ممّن كان أشدّ الناس عداوة لأمير المؤمنين في الباطن، و إنّما خرجوا معه تعصّبا لأنّهم كان لهم أضراب و أنداد عند معاوية، فخرجوا حميّة لذلك و للدنيا، و لهذا كان أكثرهم ممّن حضر حرب الحسين عليه السلام، و استحلّوا منه كلّ حرمة، و أظهروا له كامن عداوتهم، فلعنة اللّه عليهم، و كذلك خذلوا مسلم بن عقيل و زيد ابن علي بن الحسين حتى قتل بين ظهرانيهم، لم يراعوا فيه حرمة جدّه رسول اللّه، فلهذا رمى اللّه بلدتهم بالذلّ الشامل و السيف القاطع، و استجاب دعاء سيّد الوصيّين صلوات اللّه عليه بقوله: اللّهمّ سلّط عليهم غلام ثقيف الذّيال الميّال 1714 ، يبيد خضراءهم، و يستأصل شأفتهم 1715 .
قيل: إنّ رجلا من ذوي العقول من أهل الكوفة لمّا رأى سبايا الحسين عليه السلام و حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بناته يطاف بهنّ في شوارع الكوفة على أقتاب الجمال كاسارى الخزر و الترك عمد إلى جميع ما يملك من
عقار و غيره فباعه و ارتحل عنها، و قال: بلد يطاف فيه بعيال رسول اللّه و نسائه، و ترفع رءوس رجالهم على رءوس الرماح لا يفلح أبدا، فما عسى أن يقال في بلدة خذل أهلها الوصيّ المرتضى، و نافقوا سبط خاتم الأنبياء، و راموا قتله، و انتهبوا ثقله، و نكثوا بيعته، ثمّ كانت واقعة سيّد الشهداء، و قرّة عين سيّدة النساء، و خامس أصحاب الكساء، كاتبوه و وعدوه النصر على عدوّه، فجرّدوا عليه سيوفهم و عواملهم، و قتلوه عطشانا، و سبوا ذراريه و نساءه، ليس منهم رجل رشيد ينكر فعلهم، بل ضربت عليهم الذلّة و شملهم خزي الدنيا (وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ) 1716 ؟
فلهذا منعهم اللّه لطفه، و أحلّ بهم غضبه، و سلّط عليهم غلام ثقيف الّذي توعّدهم به أمير المؤمنين، و زياد بن اميّة، و غيرهم، من الخارجين في الاسلام حتى صارت براحا كأن لم تغن بالأمس 1717 .
[في كثرة من مات في سجن الحجّاج، و سيرته مع أهل العراق]
روي أنّه مات في سجن الحجّاج مائة و عشرون ألف من غير قتل 1718 ، و كان سجنه ليس له سقف يضلّ من حرّ أو قرّ، و كان عليه لعنة اللّه لا يرفع عنهم سيفه و لا سوطه، و كان لا يخاطبهم إلّا بالتهديد و الوعيد و يقول: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق و النفاق و مساوئ الأخلاق، إنّه قد ضاع سوطي فأقمت مقامه السيف، و اللّه لألحونّكم لحو العصا 1719 ، و لأضربنّكم ضرب غرائب الإبل، و لمّا تجهّز عليه اللعنة إلى حرب الأزارقة قال: و اللّه لا أرى أحدا منكم بعد ثلاث إلّا 1720
ضربت عنقه، ثمّ بعد ثلاث سار في أزقّة الكوفة فلم ير أحدا، و كان الرجل منهم يرسل أمته من منزل العسكر لتلحقه بزاده و لا يجسر على الدخول لذلك.
[كلام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام مع أهل الكوفة]
و هذا معنى قول أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: إنّي و اللّه- يا أهل الكوفة- أعلم ما يصلحكم، و لكنّي لا افسد نفسي بصلاحكم 1721 .
معنى كلامه عليه السلام: انّه لا يقيم أودهم إلّا الظلم و العسف و القتل كما فعل الحجّاج و غيره بهم، و لو كان الايمان قد أثلج في قلوبهم، و الاخلاص قد باشر نيّاتهم، لابتغوا الدليل المرشد، و الهادي الناصح، و المعلّم المشفق، الّذي جعله اللّه لسانه في خلقه، و عينه في عباده، و أيّده بالعصمة، و قلّده أحكامه، لا يوازى في العلم، و لا يضاهى في المجد، فنافقوه و خذلوه و غدروا به بعد أن لاحت علامات النصر، و سطعت أنوار الفتح، و طلع فجر الحقّ، و أشرف صلوات اللّه عليه بثبات جأشه، و قوّة نصيحته، و حياطته للاسلام و أهله، على إدحاض الباطل و جذّ أصله، و استئصال شأفته، فتقاعسوا عن نصره، و أظهروا مكنون نفاقهم، و أبدوا مستور شقاقهم، و قالوا ما قالوا، و واجهوه بما واجهوا، فعليهم لعائن اللّه ما أخبث نيّاتهم، و أدغل قلوبهم، و أعظم فتنتهم، فلهذا أنزل اللّه بهم ما أنزل، و أحلّ بهم، فلا تراهم إلى يوم الناس إلّا مقهورين مضطهدين تسومهم الاعتام سوء العذاب، و يفتح عليهم من الأذى كلّ باب، لا يخلصون من فتنة إلّا
وقعوا فيما هو أعظم منها، و لا ينجون من ظالم إلّا أتاهم ظالم ينسيهم ذكر الظالم الأوّل.
[انخداع أصحاب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام حين رفع المصاحف]
روي أنّ مسعر بن فدكي و زيد بن حصين الطائي و الأشعث بن قيس و كانوا من جلّة عسكر أهل العراق قالوا لأمير المؤمنين لمّا رفعت المصاحف:
أجب القوم إلى كتاب اللّه.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ويحكم و اللّه ما رفعوا المصاحف إلّا خديعة و مكيدة حين علوتموهم.
و قال خالد بن معمّر السدوسي: يا أمير المؤمنين، أحبّ الامور إلينا ما كفينا مئونته.
فلمّا سمع عسكر أهل العراق كلامهم أقبل إلى أمير المؤمنين منهم عشرون ألفا يقولون: يا عليّ، أجب القوم إلى كتاب اللّه إذ دعيت و إلّا دفعناك برمّتك إلى القوم، أو نفعل بك كما فعلنا بعثمان.
فأجابهم صلوات اللّه عليه، فقال: احافظوا عنّي مقالتي فإنّي آمركم بالقتال، فإن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم.
قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتيك، فبعث يزيد بن هانئ السبيعي يدعوه.
فقال الأشتر رضي اللّه عنه: قد رجوت أن يفتح اللّه لا تعجلني، و شدّد في القتال، فقالوا حرّضته على الحرب، ابعث إليه بعزيمتك فليأتيك و إلّا و اللّه اعتزلناك 1722 .