کتابخانه روایات شیعه
ضربت عنقه، ثمّ بعد ثلاث سار في أزقّة الكوفة فلم ير أحدا، و كان الرجل منهم يرسل أمته من منزل العسكر لتلحقه بزاده و لا يجسر على الدخول لذلك.
[كلام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام مع أهل الكوفة]
و هذا معنى قول أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: إنّي و اللّه- يا أهل الكوفة- أعلم ما يصلحكم، و لكنّي لا افسد نفسي بصلاحكم 1721 .
معنى كلامه عليه السلام: انّه لا يقيم أودهم إلّا الظلم و العسف و القتل كما فعل الحجّاج و غيره بهم، و لو كان الايمان قد أثلج في قلوبهم، و الاخلاص قد باشر نيّاتهم، لابتغوا الدليل المرشد، و الهادي الناصح، و المعلّم المشفق، الّذي جعله اللّه لسانه في خلقه، و عينه في عباده، و أيّده بالعصمة، و قلّده أحكامه، لا يوازى في العلم، و لا يضاهى في المجد، فنافقوه و خذلوه و غدروا به بعد أن لاحت علامات النصر، و سطعت أنوار الفتح، و طلع فجر الحقّ، و أشرف صلوات اللّه عليه بثبات جأشه، و قوّة نصيحته، و حياطته للاسلام و أهله، على إدحاض الباطل و جذّ أصله، و استئصال شأفته، فتقاعسوا عن نصره، و أظهروا مكنون نفاقهم، و أبدوا مستور شقاقهم، و قالوا ما قالوا، و واجهوه بما واجهوا، فعليهم لعائن اللّه ما أخبث نيّاتهم، و أدغل قلوبهم، و أعظم فتنتهم، فلهذا أنزل اللّه بهم ما أنزل، و أحلّ بهم، فلا تراهم إلى يوم الناس إلّا مقهورين مضطهدين تسومهم الاعتام سوء العذاب، و يفتح عليهم من الأذى كلّ باب، لا يخلصون من فتنة إلّا
وقعوا فيما هو أعظم منها، و لا ينجون من ظالم إلّا أتاهم ظالم ينسيهم ذكر الظالم الأوّل.
[انخداع أصحاب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام حين رفع المصاحف]
روي أنّ مسعر بن فدكي و زيد بن حصين الطائي و الأشعث بن قيس و كانوا من جلّة عسكر أهل العراق قالوا لأمير المؤمنين لمّا رفعت المصاحف:
أجب القوم إلى كتاب اللّه.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ويحكم و اللّه ما رفعوا المصاحف إلّا خديعة و مكيدة حين علوتموهم.
و قال خالد بن معمّر السدوسي: يا أمير المؤمنين، أحبّ الامور إلينا ما كفينا مئونته.
فلمّا سمع عسكر أهل العراق كلامهم أقبل إلى أمير المؤمنين منهم عشرون ألفا يقولون: يا عليّ، أجب القوم إلى كتاب اللّه إذ دعيت و إلّا دفعناك برمّتك إلى القوم، أو نفعل بك كما فعلنا بعثمان.
فأجابهم صلوات اللّه عليه، فقال: احافظوا عنّي مقالتي فإنّي آمركم بالقتال، فإن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم.
قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتيك، فبعث يزيد بن هانئ السبيعي يدعوه.
فقال الأشتر رضي اللّه عنه: قد رجوت أن يفتح اللّه لا تعجلني، و شدّد في القتال، فقالوا حرّضته على الحرب، ابعث إليه بعزيمتك فليأتيك و إلّا و اللّه اعتزلناك 1722 .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا يزيد، عد إليه فقل له: أقبل إلينا فإنّ
الفتنة قد وقعت.
[رجوع الأشتر، و اختيار المخدوعين لأبى موسى]
فأقبل الأشتر يقول: يا أهل العراق، يا أهل الذلّ و الوهن، أ حين علوتم القوم و علموا أنّكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف خديعة و مكرا؟
فقالوا: قاتلناهم في اللّه و نصالحهم في اللّه.
فقال: امهلوني ساعة، أحسست بالفتح، و أيقنت بالظفر.
قالوا: لا.
قال: أمهلوني عدوة فرسي.
فقالوا: إنّا لسنا نطيعك و لا لصاحبك، و نحن نرى المصاحف على رءوس الرماح ندعى إليها.
فقال: خدعتم و اللّه فانخدعتم، و دعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم.
فقام جماعة من بني بكر بن وائل، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن أجبت القوم أجبنا، و إن حاربت حاربنا، و إن أبيت أبينا.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: نحن أحقّ من أجاب إلى كتاب اللّه، و إنّ معاوية و عمروا و ابن أبي معيط و حبيب بن مسلمة و ابن أبي سرح و الضحّاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين و قرآن، أنا أعرف منكم بهم، قد صحبتهم أطفالا و رجالا- في كلام له-، ثمّ اتّفقوا على أن يقيموا حكمين، فقال أهل الشام: قد اخترنا عمروا.
فقال الأشعث و ابن الكوّاء و مسعر بن فدكي و زيد الطائي: نحن اخترنا أبا موسى.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّكم عصيتموني في أوّل الأمر فلا
تعصوني الآن.
فقالوا: إنّ أبا موسى كان يحذّرنا ممّا وقعنا فيه.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّه ليس بثقة، إنّه فارقني و خذّل الناس عنّي، ثمّ هرب منّي حتى أمنته بعد شهر، و لكن هذا ابن عبّاس اولّيه ذلك.
فقالوا: ما نبالي أنت كنت أو ابن عبّاس.
قال: فالأشتر.
فقال الأشعث: رجل مسعر حرب و هل نحن 1723 إلّا في حكم الأشتر؟
قال الأعمش: حدّثني من رأى عليّا عليه السلام يوم صفّين و هو يصفق إحدى يديه على الاخرى و يقول: يا عجبا اعصى و يطاع معاوية! ثمّ قال: قد أبيتم 1724 إلّا أبا موسى؟
قالوا: نعم.
قال: فاصنعوا ما بدا لكم، اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من صنيعهم.
فقال خريم 1725 بن فاتك الأسدي:
لو كان للقوم رأي يرشدون به
أهل العراق رموكم بابن عبّاس
لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن
لم يدر ما ضرب أخماس بأسداس
فلمّا اجتمعوا كان كاتب أمير المؤمنين عليه السلام عبيد اللّه بن أبي رافع، و كاتب معاوية عمير بن عبّاد الكلبي، فكتب عبيد اللّه بن أبي رافع: هذا ما
تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان.
فقال عمرو: اكتبوا اسمه و اسم أبيه هو أميركم أمّا أميرنا فلا.
فقال الأحنف: لا تمح اسم إمارة المؤمنين، فلم يقبلوا منه.
فقال أمير المؤمنين: امح نزحه اللّه، ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام 1726 :
اللّه أكبر، واحدة بواحدة، و سنّة بسنّة، و مثل بمثل، إنّي لكاتب رسول اللّه يوم الحديبيّة.
[في صالح الحديبيّة، و إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام بأنّ له مثلها يعطيها و هو مضطهد]
روى أحمد في المسند 1727 أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أمير المؤمنين عليه السلام أن يكتب يوم الحديبيّة: بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: هذا كتاب بيننا و بينك فافتحه بما نعرفه، و اكتب: باسمك اللّهمّ، هذا ما اصطلح عليه محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سهيل بن عمرو و أهل مكّة.
فقال سهيل: لو أجبتك إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة.
فقال: امحها يا عليّ، فجعل أمير المؤمنين يتلكّأ و يأبى فمحاها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و كتب: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب و أهل مكّة.
روى محمد بن إسحاق، عن بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ: فإنّ لك مثلها تعطيها و أنت مضطهد 1728 .
الماوردي في أعلام النبوّة أنّه قال صلّى اللّه عليه و آله: ستسأم مثلها يوم الحاكمين.
و في رواية: ستدعى إلى مثل هذا فتجيب و أنت على مضض.
و في رواية: إن لك يوما- يا عليّ- مثل هذا اليوم، أنا أكتبها للآباء، و أنت تكتبها للأبناء.
فقال عمرو: يا سبحان اللّه! نشبّه بالكفّار و نحن مسلمون مؤمنون.
فقال عليه السلام: يا ابن الباغية 1729 ، أو لم تكن للمشركين وليّا و للمؤمنين عدوّا؟ أو لم تكن في الضلالة رأسا و في الاسلام ذنبا؟- في كلام له- فكتبوا أن يحكموا بما في كتاب اللّه و ينصرفوا و المدّة بينهم سنة واحدة كاملة و يكون مجتمع الحاكمين بدومة الجندل.
[اتّفاق الحكمين: عمرو بن العاص و أبو موسى الأشعريّ]
فلمّا اجتمعا قال عمرو لأبي موسى: نخلع هذين الرجلين و نختار لهذه الامّة، فأجابه أبو موسى إلى ذلك و قال: سمّ لي رجلا يليق لهذا الأمر.
قال عمرو: يا أبا موسى، أنت أولى أن تسمّي رجلا يلي أمر هذه الامّة، فإنّي أقدر على أن ابايعك منك على أن تبايعني.
قال أبو موسى: اسمّي لك عبد اللّه بن عمر.
فقال عمرو: فإنّي اسمّي لك معاوية بن أبي سفيان.
و في رواية: انّ عمرو قال: إنّهما ظالمان فإنّ عليّا آوى قتلة عثمان، و أمّا معاوية فخذله، فنخلعهما و نبايع عبد اللّه بن عمر لزهادته و اعتزاله عن الحرب.
فقال أبو موسى: نعم ما رأيت.
قال: فإنّي قد خلعت معاوية فاخلع أنت عليّا، و إن شئت فاخلعه غدا، فإنّه يوم الاثنين، و كان ذلك بينهما، فلمّا أصبحا خرجا إلى الناس، فقالا: قد اتّفقنا، فقال أبو موسى: تقدّم فاخلع صاحبك بحضرة الناس.
فقال عمرو: سبحان اللّه! أتقدّم عليك و أنت في موضعك و سنّك و فضلك مقدّم في الاسلام و الهجرة، و وافد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى اليمن، و صاحب مقاسم أبي بكر، و عامل عمر، و حكم أهل العراق، فتقدّم أنت، فقدّمه.
فقال أبو موسى لعنه اللّه: إنّا و اللّه- أيّها الناس- قد اجتهدنا رأينا و لم نر أصالح للامّة من خلع هذين الرجلين، و قد خلعت عليّا و معاوية كخلع خاتمي هذا.
فقال عمرو: لكنّي خلعت صاحبه كما خلع و اثبت معاوية كخاتمي [هذا] 1730 ، و جعله في شماله 1731 .