کتابخانه روایات شیعه
يدور حيث ما دار، و أنّه كتاب اللّه الناطق الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و لكن الحقد القديم، و النفاق الكامن، و الميل مع الدنيا و أهلها كيف مالت، و الشيطان المغويّ.
فلعنة اللّه عليهم كأنّهم لم يسمعوا قول اللّه سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) 1732 و قوله سبحانه: (أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) 1733 و قوله سبحانه:
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) 1734 بلى و اللّه سمعوها و وعوها- كما قال أمير المؤمنين- و لكن حلت الدنيا في أعينهم، و راقهم زبرجها 1735 ، و عدلوا بالحقّ عن أهله، و وضعوه في غير محلّه، و اتّبعوا كلّ ناعق، و اقتدوا بكلّ ناهق.
و تبّا لدنيا يقدّم فيها الأشرار على الأخيار، و الأوغاد على الأبرار، و سحقا لامّة عدلت سيّد الخلق و أعلمهم و أفضلهم، و أكملهم علما و حلما، و طاعة للّه، و حياطة لرسول اللّه، و نصرا للاسلام و أهله، و جهادا في اللّه، و قربا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أوّل الناس إسلاما، و أقربهم من اللّه مقاما، لم يشرك باللّه طرفة عين، ولّاه اللّه أمر خلقه في كتابه، و أقامه إماما لبريّته في تنزيله و على لسان رسوله، فقام بأمر اللّه صادعا، و بالحقّ ناطقا.
كم غرّر نفسه في المهالك لإقامة دين الحقّ؟ و كم قذف بذاته في أضيق
المسالك في الحروب لإعلاء كلمة الصدق؟ حتى قتل أبطال المشركين، و كسر أصنام الملحدين، و أدخل الناس في دين اللّه أفواجا، بمن لا يعادل عند اللّه جناح بعوضة، أجهل الخلق أبا و امّا، و ألأمهم أصلا و فرعا، ربّي في حجر الشرك، و نشي في مهد الكفر، و ارتضع ثدي النفاق، فرع الشجرة، و أصل الفجرة، و رأس المنافقين، و أساس القاسطين، الّذي لعنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لعن أباه و ابنه في قوله: اللّهمّ العن الراكب و القائد و السائق 1736 .
فتبّا لها أمّة ضالّة، و سحقا لها طائفة عن الحقّ عادلة، ما أشدّ جهلها، و أسفه حلمها، و أضعف عقولها، و أخسر صفقتها، و أكسد تجارتها؟ إذ عدلت عن مهابط التنزيل إلى مواطن الأباطيل، و عن أعلام الإيمان إلى أحزاب الشيطان، و استبدلوا بالدرّ الثمين السرجين، و اتّبعوا ما يتلو الشيطان 1737 .
روي في معنى قوله سبحانه: (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ) 1738 أنّه كان أبو موسى و عمرو.
و روى ابن مردويه بأسانيده عن سويد بن غفلة، قال: كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات، فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّ بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالّين ضالّ من اتّبعهما، و لا تنفكّ اموركم تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلّان و يضلّ من تبعهما.
فقلت: اعيذك باللّه أن تكون أحدهما.
قال: فخلع قميصه و قال: برّأني اللّه من ذلك كما برّأني من قميصي 1739 .
اللّهمّ العن عمروا و أبا موسى، و من أشار بتحكّمهما، و رضي بحكمهما، و صوّب اجتهادهما، و حسّن رأيهما، و شكّ في نفاقهما، و حصّر لعنهما، إنّك أشدّ بأسا و أشدّ تنكيلا.
[رجوع أمير المؤمنين عليه السلام بعد التحكّم إلى الكوفة]
و لمّا رجع أمير المؤمنين عليه السلام بعد التحكّم إلى الكوفة اجتمعت الفرقة المارقة عن الايمان، أهل الزيغ و البهتان، و قالوا: إنّ عليّا قد حكم في دين اللّه، و كلّ من حكم في دين فقد كفر، لقوله سبحانه: (وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) 1740 و دخلت عليهم الشبهة في ذلك، فهم الضالّون المضلّون الّذين قال اللّه فيهم: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا) - قال أمير المؤمنين لمّا سئل عن معناها: هم أهل حروراء، ثمّ قال:- (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) - في قتال أمير المؤمنين عليه السلام- (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا) - بولاية عليّ بن أبي طالب- (وَ اتَّخَذُوا آياتِي - القرآن- و رسلي- يعني محمّدا - هُزُواً) 1741 و استهزءوا 1742 بقوله صلّى اللّه عليه و آله: من كنت مولاه فعليّ مولاه.
تفسير الفلكي: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قوله سبحانه: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) 1743 فهم الخوارج 1744 .
و قال صلّى اللّه عليه و آله فيهم: يأتي قوم من بعدي يحتقر أحدكم صلاته في جنب صلاتهم و عبادتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، طوبى لمن قتلهم و قتلوه 1745 .
[قول رئيس الخوارج حرقوص بن زهير لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أعدل بالسويّة]
و روى البخاري و مسلم و الطبري و الثعلبي في كتبهم أنّ ذا الخويصرة التميمي 1746 أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال: أعدل بالسويّة.
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ويحك، إن لم أعدل أنا فمن يعدل؟
فقال عمر: ائذن لي حتى أضرب عنقه.
فقال: دعه فإنّ له أصحابا، فذكر وصفه 1747 فنزل (وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) 1748 .
و روي من طرق شتّى أنّه ذكروه بين يدي 1749 رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
بكثرة العبادة، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لا أعرفه، فإذا هو قد طلع.
فقالوا: هو هذا.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّي لأرى بين عينيه سفعة 1750 من الشيطان، فلمّا رآه قال: هل حدّثتك نفسك إذ طلعت علينا إنّه ليس في القوم مثلك؟
قال: نعم، ثمّ دخل المسجد فوقف يصلّي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أ لا رجل يقتله؟ فجرّد 1751 أبو بكر عن ذراعيه و صمد نحوه فرآه راكعا، فقال: أقتل رجلا يركع و يقول: لا إلّا اللّه!
فقال صلّى اللّه عليه و آله: لست بصاحبه.
ثم قال: أ لا رجل يقتله؟ فقام عمر فرآه ساجدا، فقال: أقتل رجلا يسجد و يقول: لا إله إلّا اللّه!
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: اجلس فلست بصاحبه، قم يا عليّ، فإنّك أنت قاتله، فمضى و انصرف، فقال: ما رأيته.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أما إنّه لو قتل لكان أوّل فتنة و آخرها.
و في رواية: هذا أوّل قرن يطلع في أمّتي لو قتلتموه ما اختلف بعدي اثنان.
و قال ابن عبّاس: أنزل اللّه فيه (ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي)
(الدُّنْيا خِزْيٌ - القتل- وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) 1752 بقتاله أمير المؤمنين عليه السلام.
[قول الخوارج لأمير المؤمنين عليه السلام: لا حكم إلّا للّه]
ثم إنّهم أتوا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و رؤساؤهم زرعة بن البرج الطائي و حرقوص بن زهير التميمي- الّذي تقدّم ذكره و هو ذو الثديّة- و قالوا:
لا حكم إلّا للّه.
فقال عليه السلام: كلمة حقّ يراد بها باطل.
قال حرقوص: فتب من خطيئتك، و ارجع عن فعلتك 1753 ، و اخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتى نلقى ربّنا.
فقال عليه السلام: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني، و قد كتبنا بيننا و بين القوم كتابا و شروطا، و أعطيناهم عليها عهودا و مواثيقا، و قد قال اللّه سبحانه:
(وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ) 1754 .
فقال حرقوص: فذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه.
فقال أمير المؤمنين: ما هو ذنب، و لكنّه عجز من الرأي، و ضعف في العقل، و قد تقدّمت و نهيتكم عنه.
فقال ابن الكوّاء: الآن صحّ عندنا أنّك لست بإمام، و لو كنت إماما لما رجعت.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا ويلكم، قد رجع رسول اللّه صلّى اللّه
عليه و آله عام الحديبيّة عن قتال أهل مكّة، ففارقوا أمير المؤمنين عليه السلام و قالوا: لا حكم إلّا للّه، و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، و كانوا اثني عشر ألف رجل من أهل الكوفة و البصرة و غيرهما، و نادى مناديهم أنّ أمير القتال شبث بن ربعي، و أمير الصلاة عبد اللّه بن الكوّاء، و الأمر شورى بعد الفتح، و البيعة للّه على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و خرجوا من الكوفة إلى المدائن، ثمّ إلى النهروان، و استعرضوا الناس، و قتلوا عبد اللّه بن خبّاب بن الارت، و كان عامل أمير المؤمنين عليه السلام على النهروان.
فقصدهم أمير المؤمنين عليه السلام و أرسل إليهم ابن عبّاس، و قال:
امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه، و لما ذا اجتمعوا؟ فلمّا وصل إليهم قالوا: ويلك يا ابن عبّاس أكفرت كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب؟!
و خرج خطيبهم عتّاب بن الأعور الثعلبي، فقال ابن عبّاس: من بنى الاسلام؟ قال: اللّه و رسوله.
قال: فالنبيّ أحكم اموره و بيّن حدوده أم لا؟
قال: بلى.
قال: فالنبيّ بقي في دار الاسلام أم ارتحل؟
قال: بل ارتحل.
قال: فامور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده؟
قال: بل بقيت.
قال: فهل أحد قام بعمارة ما بناه؟