کتابخانه روایات شیعه
فقال: يا أمير المؤمنين، اعهد فإنّك ميّت 1816 .
فعندها أوصى أمير المؤمنين عليه السلام للحسن و الحسين صلوات اللّه عليهما بالوصيّة الّتي رواها سيّدنا و مفخرنا السيّد محمد الرّضي الموسويّ في كتاب نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين، و هي قوله عليه السلام:
[وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام للحسن و الحسين عليهما السلام]
و من وصيّة له عليه السلام للحسن و الحسين عليهما السلام لمّا ضربه ابن ملجم عليه اللعنة:
اوصيكما بتقوى اللّه، و ألّا تبغيا الدنيا و إن بغتكما، و لا تأسفا على شيء منها زوي عنكما، و قولا بالحقّ، و اعملا للآخرة 1817 ، و كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا.
اوصيكما و جميع ولدي و أهلي و من بلغه كتابي بتقوى اللّه، و نظم أمركم، و صلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّكما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:
صلاح ذات البيت أفضل من عامّة الصلاة و الصوم.
اللّه اللّه في الأيتام فلا تغبّوا أفواههم، و لا يضيعوا بحضرتكم.
اللّه اللّه في جيرانكم، فإنّهم وصيّة نبيّكم، و ما زال عليه السلام يوصي بهم حتى ظننّا 1818 أنّه سيورّثهم.
و اللّه اللّه في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم.
و اللّه اللّه في الصلاة فإنّها عمود دينكم.
و اللّه اللّه في بيت ربّكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنّه إن ترك لم تناظروا.
و اللّه اللّه في الجهاد بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم في سبيل اللّه.
و عليكم بالتواصل و التباذل، و إيّاكم و التدابر و التقاطع، و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولّى عليكم أشراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم.
[ثمّ] 1819 قال: يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أمير المؤمنين 1820 ، ألا لا يقتل فيّ 1821 إلّا قاتلي.
انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، و لا تمثّلوا بالرجل، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إيّاكم و المثلة و لو بالكلب العقور 1822 .
أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري، قال: أوصى عليّ صلوات اللّه عليه عند موته للحسن و الحسين عليهما السلام و قال لهما: إذا أنا متّ فإنّكما ستجدان عند رأسي حنوطا من الجنّة و ثلاثة أكفان من استبرق الجنّة فغسّلوني و حنّطوني بالحنوط و كفّنوني.
قال الحسن عليه السلام: فلمّا قبض عليه السلام وجدنا عند رأسه طبقا
من الذهب عليه خمس شمّامات من كافور الجنّة، و سدرا من سدر الجنّة.
و من طريق أهل البيت عليهم السلام ما جاء في تهذيب الأحكام 1823 عن سعد الاسكافي قال: حدّثني أبو عبد اللّه عليه السلام [قال] 1824 : لمّا اصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن و الحسين عليهما السلام: غسّلاني و كفّناني و حنّطاني، و احملاني على سريري، و احملا مؤخّره تكفيان مقدّمه، فإنّكما تنتهيان إلى قبر محفور، و لحد ملحود، و لبن موضوع، فالحداني و اشرجا اللبن عليّ، و ارفعا لبنة من عند 1825 رأسي فانظرا ما تسمعان.
و عن منصور بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن جدّه [زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه] 1826 الحسين بن علي عليهم السلام في خبر طويل يذكر فيه:
اوصيكما وصيّة فلا تظهرا على أمري أحدا، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحا و أن يكفّناه فيما يجدان، فإذا غسّلاه و كفّناه وضعاه على اللوح، و إذا وجد السرير يشال مقدّمه فيشيلان مؤخّره، و أن يصلّي الحسن مرّة و الحسين مرّة صلاة إمام، ففعلا بما رسم عليه السلام، فوجدا اللوح و عليه مكتوب:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما ادّخره نوح النبيّ لعليّ بن أبي طالب،
و أصابا الكفن في دهليز الدار موضوعا فيه حنوط قد أضاء نوره على نور النهار.
و روي أنّ الحسين عليه السلام قال وقت الغسل: أ ما ترى خفّة أمير المؤمنين؟
فقال الحسن: يا أبا عبد اللّه، إنّ معنا قوما يعينونا، فلمّا قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدّم السرير، و لم نزل نتّبعه إلى أن وردنا الغريّ، فأتينا إلى قبر كما وصف عليه السلام و نحن نسمع خفق أجنحة كثيرة و ضجّة و جلبة 1827 ، فوضعنا السرير و صلّينا على أمير المؤمنين عليه السلام كما وصف لنا، و نزلنا قبره فأضجعناه في لحده، و نضّدنا عليه اللبن.
و في الخبر عن الصادق عليه السلام: فأخذنا اللبنة من عند رأسه بعد ما أشرجنا عليه اللبن، و إذا ليس في القبر شيء، و إذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين عليه السلام كان عبدا صالحا، فألحقه اللّه بنبيّه صلّى اللّه عليه و آله، و كذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتى لو أنّ نبيّا مات بالمشرق و [مات] 1828 وصيّه بالمغرب لألحق اللّه الوصيّ بالنبيّ.
و في خبر عن أمّ كلثوم بنت علي عليه السلام: فانشقّ القبر عن ضريح فإذا هم بساجة 1829 مكتوب عليها بالسريانيّة:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا قبر حفره نوح لعليّ بن أبي طالب وصيّ
محمد صلّى اللّه عليه و آله قبل الطوفان بسبعمائة سنة.
و عنها رضي اللّه عنها أنّه لمّا دفن أمير المؤمنين عليه السلام سمع ناطق يقول: أحسن اللّه لكم العزاء في سيّدكم و حجّة اللّه على خلقه.
[سعي إسماعيل بن عيسى العبّاسي عام 293 في تخريب قبر أمير المؤمنين عليه السلام]
التهذيب 1830 في خبر أنّه نفذ إسماعيل بن عيسى العبّاسي غلاما أسود شديد البأس يعرف بالجمل في ذي الحجّة سنة ثلاث و تسعين و مائتين في جماعة و قال: امضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به النّاس و يقولون انّه قبر عليّ حتى تنبشوه 1831 إلى قعره، فحفروا حتى نزلوا خمسة أذرع فبلغوا إلى موضع صلب عجزوا عنه، فنزل الحبشي و ضرب ضربة سمع طنينها في البرّ 1832 ، ثمّ ضرب ثانية و ثالثة، ثمّ صاح صيحة و جعل يستغيث فأخرجوه بالحبل فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى ترقوته 1833 دم فحملوه على بغل، و لم يزل ينتثر من عضده و سائر شقّه الأيمن فرجعوا إلى العبّاسي، فلمّا رآه التفت إلى القبلة و تاب من فعله و تولّى و تبرّأ، و مات الغلام من وقته، و ركب في الليل إلى عليّ بن مصعب ابن جابر و سأله أن يجعل 1834 على القبر صندوقا.
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي اللّه عنه: حدّثني أبو الحسن محمد بن تمّام الكوفي، قال: حدّثني أبو الحسن بن الحجّاج، قال: رأينا هذا الصندوق
و ذلك قبل أن يا بني الحسن بن زيد الحائط 1835 .
[العلّة في إخفاء قبر أمير المؤمنين عليه السلام]
أقول: و إنّما أمر أمير المؤمنين عليه السلام بإخفاء قبره عن غير أهله و ولده لأمر لا نعلم نحن سرّه، و لتكن المحنة أشدّ، و البلاء أعظم، أو لكثرة أعدائه، و قصدهم إطفاء نوره، أو غيرهما؛ كخوف شدّة عداوة أعدائه له في حياته، كالناكثين و القاسطين و المارقين الّذين غرّروا بأنفسهم في حربه، و رابطوه قاصدين إطفاء نوره و استئصال شأفته، حتى قتلوه في محرابه راكعا، و أعلنوا بسبّه على منابرهم، و قتلوا ولده و شيعته، و سبوا نساءه و بناته و ولده، ثمّ تتبّعوا أبرار شيعته بالأذى و القتل، كما فعل زياد بن أبيه و الحجّاج، و غيرهما، و كانوا يقتلون على التهمة و الظنّة، حتى روي أنّهم سمعوا برجل يحدّث الناس بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام ببلاد ما وراء النهر فاجتهدوا في قتله و قتلوه غيلة 1836 ، فما ظنّك لو علموا بموضع قبره؟ و هو عليه السلام أعلم بما قال و أوصى.
و لم يكن قبره عليه السلام مخفيّا عند ولده و أهله و أحفاده الأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم، حتى انّ الإمام المعصوم عليّ بن الحسين سيّد العابدين أتى من المدينة لزيارته و أخفى نفسه في الحياة و زاره ليلا و رجع من فوره إلى المدينة، و كذلك الباقر عليه السلام.
روى جابر بن عبد اللّه الأنصاري، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال:
أتى عليّ بن الحسين عليه السلام زائرا أمير المؤمنين فوضع خدّه على القبر،
و قال: السلام عليك يا وليّ 1837 اللّه في أرضه، و حجّته على عباده، إلى آخر الزيارة، ثمّ قال: اللّهمّ إنّ قلوب المخبتين إليك والهة 1838 ، و سبل الراغبين إليك شارعة، إلى آخره، كما ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في مصباحه 1839 .
و لم يزل قبره عليه السلام مخفيّا عند العامّة معلوما عند الخاصّة إلى أن انقرضت دولة الشجرة الملعونة في القرآن- أعني بني اميّة عليهم لعائن اللّه- فأظهره الصادق عليه السلام لخاصّته و أصحابه 1840 .