کتابخانه روایات شیعه
من الذهب عليه خمس شمّامات من كافور الجنّة، و سدرا من سدر الجنّة.
و من طريق أهل البيت عليهم السلام ما جاء في تهذيب الأحكام 1823 عن سعد الاسكافي قال: حدّثني أبو عبد اللّه عليه السلام [قال] 1824 : لمّا اصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن و الحسين عليهما السلام: غسّلاني و كفّناني و حنّطاني، و احملاني على سريري، و احملا مؤخّره تكفيان مقدّمه، فإنّكما تنتهيان إلى قبر محفور، و لحد ملحود، و لبن موضوع، فالحداني و اشرجا اللبن عليّ، و ارفعا لبنة من عند 1825 رأسي فانظرا ما تسمعان.
و عن منصور بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن جدّه [زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه] 1826 الحسين بن علي عليهم السلام في خبر طويل يذكر فيه:
اوصيكما وصيّة فلا تظهرا على أمري أحدا، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحا و أن يكفّناه فيما يجدان، فإذا غسّلاه و كفّناه وضعاه على اللوح، و إذا وجد السرير يشال مقدّمه فيشيلان مؤخّره، و أن يصلّي الحسن مرّة و الحسين مرّة صلاة إمام، ففعلا بما رسم عليه السلام، فوجدا اللوح و عليه مكتوب:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما ادّخره نوح النبيّ لعليّ بن أبي طالب،
و أصابا الكفن في دهليز الدار موضوعا فيه حنوط قد أضاء نوره على نور النهار.
و روي أنّ الحسين عليه السلام قال وقت الغسل: أ ما ترى خفّة أمير المؤمنين؟
فقال الحسن: يا أبا عبد اللّه، إنّ معنا قوما يعينونا، فلمّا قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدّم السرير، و لم نزل نتّبعه إلى أن وردنا الغريّ، فأتينا إلى قبر كما وصف عليه السلام و نحن نسمع خفق أجنحة كثيرة و ضجّة و جلبة 1827 ، فوضعنا السرير و صلّينا على أمير المؤمنين عليه السلام كما وصف لنا، و نزلنا قبره فأضجعناه في لحده، و نضّدنا عليه اللبن.
و في الخبر عن الصادق عليه السلام: فأخذنا اللبنة من عند رأسه بعد ما أشرجنا عليه اللبن، و إذا ليس في القبر شيء، و إذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين عليه السلام كان عبدا صالحا، فألحقه اللّه بنبيّه صلّى اللّه عليه و آله، و كذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتى لو أنّ نبيّا مات بالمشرق و [مات] 1828 وصيّه بالمغرب لألحق اللّه الوصيّ بالنبيّ.
و في خبر عن أمّ كلثوم بنت علي عليه السلام: فانشقّ القبر عن ضريح فإذا هم بساجة 1829 مكتوب عليها بالسريانيّة:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا قبر حفره نوح لعليّ بن أبي طالب وصيّ
محمد صلّى اللّه عليه و آله قبل الطوفان بسبعمائة سنة.
و عنها رضي اللّه عنها أنّه لمّا دفن أمير المؤمنين عليه السلام سمع ناطق يقول: أحسن اللّه لكم العزاء في سيّدكم و حجّة اللّه على خلقه.
[سعي إسماعيل بن عيسى العبّاسي عام 293 في تخريب قبر أمير المؤمنين عليه السلام]
التهذيب 1830 في خبر أنّه نفذ إسماعيل بن عيسى العبّاسي غلاما أسود شديد البأس يعرف بالجمل في ذي الحجّة سنة ثلاث و تسعين و مائتين في جماعة و قال: امضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به النّاس و يقولون انّه قبر عليّ حتى تنبشوه 1831 إلى قعره، فحفروا حتى نزلوا خمسة أذرع فبلغوا إلى موضع صلب عجزوا عنه، فنزل الحبشي و ضرب ضربة سمع طنينها في البرّ 1832 ، ثمّ ضرب ثانية و ثالثة، ثمّ صاح صيحة و جعل يستغيث فأخرجوه بالحبل فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى ترقوته 1833 دم فحملوه على بغل، و لم يزل ينتثر من عضده و سائر شقّه الأيمن فرجعوا إلى العبّاسي، فلمّا رآه التفت إلى القبلة و تاب من فعله و تولّى و تبرّأ، و مات الغلام من وقته، و ركب في الليل إلى عليّ بن مصعب ابن جابر و سأله أن يجعل 1834 على القبر صندوقا.
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي اللّه عنه: حدّثني أبو الحسن محمد بن تمّام الكوفي، قال: حدّثني أبو الحسن بن الحجّاج، قال: رأينا هذا الصندوق
و ذلك قبل أن يا بني الحسن بن زيد الحائط 1835 .
[العلّة في إخفاء قبر أمير المؤمنين عليه السلام]
أقول: و إنّما أمر أمير المؤمنين عليه السلام بإخفاء قبره عن غير أهله و ولده لأمر لا نعلم نحن سرّه، و لتكن المحنة أشدّ، و البلاء أعظم، أو لكثرة أعدائه، و قصدهم إطفاء نوره، أو غيرهما؛ كخوف شدّة عداوة أعدائه له في حياته، كالناكثين و القاسطين و المارقين الّذين غرّروا بأنفسهم في حربه، و رابطوه قاصدين إطفاء نوره و استئصال شأفته، حتى قتلوه في محرابه راكعا، و أعلنوا بسبّه على منابرهم، و قتلوا ولده و شيعته، و سبوا نساءه و بناته و ولده، ثمّ تتبّعوا أبرار شيعته بالأذى و القتل، كما فعل زياد بن أبيه و الحجّاج، و غيرهما، و كانوا يقتلون على التهمة و الظنّة، حتى روي أنّهم سمعوا برجل يحدّث الناس بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام ببلاد ما وراء النهر فاجتهدوا في قتله و قتلوه غيلة 1836 ، فما ظنّك لو علموا بموضع قبره؟ و هو عليه السلام أعلم بما قال و أوصى.
و لم يكن قبره عليه السلام مخفيّا عند ولده و أهله و أحفاده الأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم، حتى انّ الإمام المعصوم عليّ بن الحسين سيّد العابدين أتى من المدينة لزيارته و أخفى نفسه في الحياة و زاره ليلا و رجع من فوره إلى المدينة، و كذلك الباقر عليه السلام.
روى جابر بن عبد اللّه الأنصاري، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال:
أتى عليّ بن الحسين عليه السلام زائرا أمير المؤمنين فوضع خدّه على القبر،
و قال: السلام عليك يا وليّ 1837 اللّه في أرضه، و حجّته على عباده، إلى آخر الزيارة، ثمّ قال: اللّهمّ إنّ قلوب المخبتين إليك والهة 1838 ، و سبل الراغبين إليك شارعة، إلى آخره، كما ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في مصباحه 1839 .
و لم يزل قبره عليه السلام مخفيّا عند العامّة معلوما عند الخاصّة إلى أن انقرضت دولة الشجرة الملعونة في القرآن- أعني بني اميّة عليهم لعائن اللّه- فأظهره الصادق عليه السلام لخاصّته و أصحابه 1840 .
و كان يأتي إليه من المدينة جماعة من شيعته، و كان معلوما لأكثر الناس في تلك الناحية، حتى انّ بعض خلفاء بني العبّاس خرج يتصيّد في ناحية الغريّين و الثويّة و أرسل الكلاب فلجأت [الظباء] 1841 إلى أكمة و رجعت الكلاب، ثمّ إنّ الضباء هبطت منها و صنعت الكلاب مثل الأوّل، فسئل شيخا من بني أسد فقال: إنّ فيها قبر علي بن أبي طالب عليه السلام جعله اللّه حرما لا يأوي إليه شيء إلّا أمن 1842 .
[قضى أمير المؤمنين عليه السلام نحبه ليلة الحادي و العشرين، و نعي الخضر عليه السلام له]
و لنرجع إلى تمام الحديث:
و لمّا فرغ أمير المؤمنين من وصيّته و كانت ليلة الحادي و العشرين و ذهب شطر من الليل فتحت أبواب السماء، و زيّنت الجنان، و تهيّأت أرواح الأنبياء و الأولياء لاستقبال روحه الشريفة صلوات اللّه عليه. قال عليه السلام للحسن و الحسين: احملوني إلى هذا البيت، و دعوني وحدي، و اغلقوا عليّ الباب، و اجلسوا خارج الباب إلى أن أمضي إلى جوار اللّه تعالى، فوضعوه عليه السلام و فعلوا ما أمرهم، فلم يلبثوا إلّا قليلا حتى سمعوا أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا إله إلّا اللّه، فلمّا سمع الحسن و الحسين تهليله صلوات اللّه عليه لم يتمالكا إلى أن دخلا عليه، فوجدوه قد قضى صلوات اللّه عليه نحبه، فأخذوا في تجهيزه كما ذكرنا أوّلا صلوات اللّه و رحمته و بركاته عليه و على روحه و بدنه، و لعنة اللّه على ظالمه و قاتله و مانعه حقّه.
و روى الكليني في الكافي 1843 أنّه لمّا توفّي أمير المؤمنين عليه السلام جاء شيخ يبكي و هو يقول: اليوم انقطعت علاقة النبوّة، حتى وقف بباب البيت الّذي فيه أمير المؤمنين عليه السلام- و ذلك حين موته قبل أن يخرجوه و يأخذوا في جهازه- فأخذ بعضادتي الباب، ثمّ قال: رحمك اللّه، فلقد كنت أوّل الناس إسلاما، و أفضلهم فضلهم إيمانا، و أشدّهم يقينا، و أخوفهم من اللّه، و أطوعهم لنبيّ اللّه، و أفضلهم مناقبا، و أكثرهم سوابقا، و أشبههم به خلقا و خلقا، و سيماء و فضلا، و كنت أخفضهم صوتا، و أعلاهم طودا، و أقلّهم كلاما، و أصوبهم منطقا،
و أشجعهم قلبا، و أحسنهم عملا 1844 ، و أقواهم يقينا، حفظت ما ضيّعوا، و رعيت ما أهملوا، و شمّرت إذا اجتمعوا، و علوت إذا هلعوا، و وقفت إذا أسرعوا، و أدركت أوتار ما ظلموا.
كنت على الكافرين عذابا واصبا، و للمؤمنين كهفا و حصنا، كنت كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف، و لا تزيله القواصف، كنت للأطفال كالأب الشفيق، و للأرامل كالبعل العطوف، قسمت بالسويّة، و عدلت بالرعيّة، و أطفأت النيران، و كسرت الأصنام، و ذللت الأوثان، و عبدت الرحمن- في كلام كثير- فالتفتوا فلم يروا أحدا، فسئل الحسن عليه السلام عنه، فقال: كان الخضر، فارتجّت الدار بالبكاء و النحيب، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون 1845 .
[مقتل ابن ملجم عليه اللعنة]
و لمّا رجع الحسن و الحسين عليهما السلام من دفن أمير المؤمنين عليه السلام أمر الحسن عليه السلام بإخراج ابن ملجم و الاتيان به، فأمر عليه السلام فضربت عنقه، و استوهبت أمّ الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته لتتولّى إحراقها، فوهبها لها فأحرقتها بالنار، و أمّا الرجلان اللّذان كانا مع ابن ملجم في العقد على معاوية و عمرو بن العاص، فإنّ أحدهما ضرب معاوية على أليته و هو راكع، و أمّا الآخر فإنّه قتل خارجة بن أبي حنيفة العامري و هو يظنّ أنّه عمرو، و كان قد استخلفه لعلّة وجدها 1846 .
[في رثاء أمير المؤمنين عليه السلام]