کتابخانه روایات شیعه
و راموا إطفاء نور اللّه بأفواههم، و خالفوا الرسول بما أكّد عليهم بوصيّته، و قطعوا الموصول ممّا أمر اللّه بصلته من عترته، و اتّخذوا الولائج من دون اللّه و رسوله، و أجاهدوا جاهدهم في تحريف كتاب ربّهم و تبديله، و عبدوا الطاغوت و قد امروا أن يكفروا به، و صدّقوا من اتّفق النقل و العقل على تكذيبه، و أقاموا مقام الرسول صلّى اللّه عليه و آله شيطانا مريدا، و جبّارا عنيدا، و جهولا ظلوما، و عتلّا زنيما، و أكفئوا الاسلام، و عبّروا الأحكام، و حرّفوا الكتاب بأهوائهم، و أوّلوا القرآن بآرائهم، فلم يبق من الملّة الحنيفيّة إلّا رسمها، و لا من الشريعة النبويّة إلّا اسمها.
ثمّ لم يقنعوا باغتصاب تراثك، و انتهاب ميراثك، حتى نصبوا لك غوائلهم، و دفنوا لاخترامك حبائلهم، و جرّدوا عليك مناصلهم و عواملهم، و فوّقوا نحوك سهامهم و معابلهم، و لم يتركوا عهدا فيك إلّا نكثوه، و لا وعدا إلّا أخلفوه، و عدلوا بك من لا يمتّ بنسبك، و لا يتّصل بسببك.
ثمّ أظهروا ما أخفوا من النفاق في عهد نبيّهم، و أبدوا ما أضمروا من العناد بحقدهم و بغيهم، و جعلوا خلافة اللّه ملكا عضوضا، و ما عاهدوا الرسول عليه عهدا منقوضا، و تواصوا بظلمك و هضمك، و تعاهدوا على إخفاء فضلك و علمك، و موّهوا على الامّة المفتونة بزورهم، و شبّهوا عليها بغرورهم، و أغرّوا سفهاءها بسبّك، و حملوا طلقاءها على حربك، حتى اغتالوك في حال توجّهك إلى معبودك، و قتلوك حين ركوعك و سجودك، و هدموا دين الاسلام بهدم بنيتك، و فرّقوا كلمة الايمان بفرق هامتك، و غاوروك في محرابك طريحا، و بين أصحابك طليحا.
قد صدقت ما عاهدت اللّه عليه، و وفيت بما ندبك سبحانه إليه، ففزت
بالشهادة الّتي فضّلك بها، و اصطفاك بفضلها، فكنت لوقتها منتظرا، و بوصفها مشتهرا، بما أعلمك به الصادق الأمين، و من هو على الغيب ليس بضنين 1863 ، بقوله صلّى اللّه عليه و آله: لتخضبنّ هذه من هذا 1864 ، و بقوله صلّى اللّه عليه و آله:
كأنّي و أنت قائم تصلّي لربّك و قد انبعث أشقى الأوّلين و الآخرين فضربك على هامتك ضربة خضب منها لحيتك 1865 ، و قال سبحانه في شأنك، و من أصدق من اللّه قيلا: (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) 1866 .
فلأنفذنّ لمصابك ماء شئوني، و لأحرمنّ لذيذ الكرى على عيوني، و لأستنفذنّ العمر في مدائحك و مراثيك، و لأبكينّ الدهر على ما حلّ بك و بنيك، و لاذيبنّ بنار حزني فؤادي، و لأصعدنّه دما من مقلتي بطول سهادي، و لأندبنّك آناء ليلي و نهاري، و لأجعلنّ الحزن بمهجتي ألفا، و البكاء على مقلتي وقفا، و لاوجّهنّ إلى غاصبي حقّك مطايا لعني و هضمي، و لأقرعنّ هامات مكذّبي صدقك بمقامع نثري و نظمي، و لابيّننّ ما دلّسوا بغرورهم، و لاظهرنّ ما أخفوا من باطلهم و زورهم، معتقدا ذلك من أعظم الوسائل إلى ربّي في حشري، و أكمل الفضائل يوم بعثتي من قبري.
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام]
فمن جملة ذلك قصيدة تحلّي الطروس بجواهر مصارعها، و تسرّ النفوس بتواصل مقاطعها، نظمتها قبل ابتدائي بتأليف الكتاب، و اللّه الموفّق للصواب:
صرف الردى بفني الزمان موكل
و لهم بأسياف المنيّة تقتل
و هم لأسهم فتكه غرض فليس
لهم سبيل عنه أن يتحوّلوا
في حكمة بقضائه في أخذهم
بالموت جمعا لا يجور و يعدل
كم غادرت غدراته من قاهر
في الترب مقهورا تطأه الأرجل
عفت العواصف قبره بهبوبها
و على ثراه السائمات تهرول
أين الملوك بنو الملوك و من هم
كانوا إذا ركبوا يذوب الجندل
لعب الزمان بهم فعمّا قد جرى
في حقّهم من صرفه لا تسألوا
بليت محاسنهم و شتّت شملهم
و خلت مجالسهم و أفنى المنزل
و استبدلوا بطن الثرى من ظهرها
و اروعتا بحشاي ممّا استبدلوا
يا من حديث مدامعي من أجلهم
في صحن خدّي مطلق و مسلسل
عنّي خذوا خبر الصبابة انّني
ما بين أرباب الغرام معدل
سقمي لدعواي المحبّة معجز
إذ دمع عيني مذ نأيتم مرسل
يا من حقيقة محنتي في حبّهم
منها سقامي مجمل و مفصّل
ما ان ضممت إلى زلال لقاكم
إلّا ولي من فيض دمعي منهل
كلّا و لا عنّي تأخّر وصلكم
إلّا و هيّجني غرام مقبل
فلأندبنّ بحرقة من لوعتي
رضوى يذوب لها و يذبل
بالخيف خفت منيّتي إذ لم أنل
بمنى المنى منكم فخطبي مشكل
و بجمع أجمعتم قطيعة صبّكم
فغدا جمالكم يخد و يزمل
و رميتم قلبي بجمرة لوعة
بشواظها منّي اصيب المقتل
فلأصرفنّ مودّتي عنكم إلى
قوم لهم في المجد باع أطول
قوم هم اما وليّك عادل
أو عالم أو حاكم أو مرسل
أو عابد أو حامد أو زاهد
أو ماجد أو عاضد أو مفضل
أو فائز يوم الغدير برتبة
بعلوّها خضع السماك الأعزل
مولى إليه في الحساب حسابنا
و عليه في ذاك المقام نعوّل
و إذا بنو الدنيا توالت مثلها
فإليه من دون الخلائق نعدل
فرض الإله على الأنام ولاءه
فرضا به نزل الكتاب المنزل
إن كنت مرتابا فسل عن إنّما 1867
فهي الدليل لمن يصحّ و يعقل
كتف النبيّ لأخمصيك مواطئ
فلذاك خدّ سواك حقّا أسفل
يا أوّل الأقوام إيمانا بما
أوحى الإله لابن عمّك من عل
يا آخرا عهدا به لمّا قضى
حزت العلى أنت الأخير الأوّل
ما رمت نظما فيك إلّا زانه
سحرا يزيّن مقولي و يجمّل
و إذا مديح سواك رامت فكرتي
سمح القريض له و كلّ المقول
و إذا طغى ريب الزمان بعسره
فدعائي باسمك للعسير يسهّل
أعمالنا منقوصة مقصورة
إن لم يصحّحها ولاك و يكمّل
مديحك ألبسني ملابس رفعة
لعلوّها فوق المجرّة أرفل
كم منبر شرّفته بمدائح
في وصف مجدك فضلها لا يجهل
و خطابة رصّعتها بجواهر
هام الثناء بها عليك يكلّل
تعنوا وجوه اولي التقى لجلالها
و ذوو الشقاء حسدا بها يتضاءلوا
ما طال مجد بالمكارم و التقى
إلّا و مجد علاك منه أطول
رقمت حروف علاك في الصحف الاولى
مفروضة إذ ما سواها مهمل
سل عنه بدرا و الوليد و عتبة
تنبيك عن ندب يقول و يفعل
قدّ ابن ميشا فانثنى و حسامه
بدمائه متوشّح متسربل
و قموص خيبر مذ ابيد غدت لها
قمص المذلّة و الإهانة تشمل
و بنو قريظة لم يزل ربّ العلى
بيديك يا مولى الأنام يزلزل
أعمالنا في حشرنا و صلاتنا
بسوى ولائك ربّنا لا يقبل
علقت يدي منه بأوثق عروة
يفنى الزمان و حبلها لا يفصل
يا من يقيس به سواه سفاهة
ما أنت إلّا أعفك 1868 لا يعقل
تربت يداك فضلّ سعيك في الورى
أ يقاس بالدرّ الثمين الجندل
من تيم من أعلامها ما فضلها
ما مجدها من حبتر من نعثل
بل ما الأكاسرة العظام و ما
القياصرة الكرام و من يجور و يعدل
فيه بنوح و الخليل و بالكليم
و بابن مريم و هو منهم أفضل
يا زائرا جدث الوصيّ معظما
و له على البيت الحرام يفضل
و يرى الخضوع لديه خير وسيلة
بثوابها يتوسّل المتوسّل
قف خاشعا و الثم ثراه ففضله
و كماله من كلّ فضل أكمل
و اعدد قيامك في صعيد مقامه
سببا إلى رضوان ربّك يوصل
و جميع ما تأتي به من طاعة
جزما بغير ولائه لا يقبل
و أبلغه عنّي بالسلام تحيّة
هي خير ما يهدى إليه و يرسل
و مدائحا في غير وصف كماله
ترصيعها و بديعها لا يجمل
و إليه أبدي بالخطاب ألوكه
عن صدق إخلاصي رواها المقول
من بعد ما نأتي به من طاعة
بأدائها يتنفّل المتنفّل
و إذا فرض أو إقامة سنّة
أو زورة منها النجاة تؤمّل
قف ثمّ قل يا خير من لولائه
في مهجتي دون الخلائق منزل
و معارج الدعوات حول ضريحه
و عليه أملاك السماء تنزل
تركوك يا طود العلوم و قدّموا
رجسا بحبّة خردل لا يعدل
و بنوا قواعد دينهم سفها على جرف
فتاهوا في الضلال و ضلّلوا
و تراث أحمد منك حازوه و ما
استحيوا و للقرآن جهلا أوّلوا
و على عبادة عجلهم عكفوا و أض
حى السامريّ بهم إليه يعدلوا
و لزوجك الزهراء عن ميراثها
حجبوا و حكم اللّه فيها بدّلوا
و عليك من بعد النبيّ تحزّبت
أحزابهم و أتوا لحربك يرفلوا
و غدا براكبة البعير بعيرها
للكفر و الإلحاد منها يحمل
و أتت من البلد الحرام بفتنة
لبّ اللبيب لها يحير و يذهل
لم أنسها و جموعها من حولها
لضبا العوامل و المناصل مأكل
حتى إذا شرفت بعصبة بغيها
و رأت بنيها حولها قد قتّلوا
أبدت خضوعا و استقالت عثرة
ما أن يقال و مثلها لا يحمل
ثمّ انثنت نحو ابن هند و الحشا
منها به للحقد نار تشعل
جعلت دم المقتول حقّا شبهة
منها بدار أخ الرسول تؤمّل
ما تيم مرّة من اميّة فانكصي
فالبغي يصرع طالبيه و يخذل
أغراك غلّ في فؤادك كامن
يغلي مراجله و حقد أوّل
لم تجر بعد المصطفى من فتنة
إلّا و بغيك وردها و المنهل
فلذاك رأس القاسطين و رهطه
بك في الضلال تتابعوا و توغّلوا
و المارقون عن الهدى و السابقون
إلى الردى و بنهروان جدّلوا
منك احتدوا و بك اقتدوا في ضيمهم
و على اجتهادك في خروجك عوّلوا
أغواهم الشيطان حتى أكفروا
بحر العلوم و خطّئوه و جهّلوا
و عدوا عليه مصلّيا متهجّدا
بتخشّع و تضرّع يتبتّل
كفروا بأنعم ربّهم و نبيّهم
و وليّهم إذ ضيّعوا ما حملوا
بكت السماوات العلى لمصابه
بدم عبيط لا بدمع يهمل
أذكت رزيّته بقلبي لوعة
حتى الممات رسيسها يتجلجل
و على عيوني حرّمت طيب الكرى
فلذا بفيض نجيعها لا تبخل
صلّى عليك اللّه يا من ديننا
حقّا بغير ولائه لا يقبل
و على الّذين تقدّموك وفا
ر قوادين الهدى و وكيد عهدك أهملوا
لعنا وبيلا ليس يحصى عدّه
حتى القيامة وصله لا يفصل
ما ارتاح ذو شجن ينشر صارما