کتابخانه روایات شیعه
قالت: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ) 1907 .
فقلت: أمن الجنّ أنت أم من الإنس؟
قالت: (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) 1908 .
فقلت: من أين أقبلت؟
قالت: (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) 1909 .
فقلت: أين تقصدين؟
فقالت: (وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) 1910 .
فقلت: متى انقطعت؟
فقالت: (وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) 1911 .
فقلت: أ تشتهين طعاما؟
فقالت: (وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) 1912 فأطعمتها.
ثمّ قلت: هرولي و تعجّلي.
فقالت: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) 1913 .
فقلت: أردفك.
فقالت: (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) 1914 .
فنزلت و أركبتها، فقالت: (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) 1915 .
فلمّا أدركنا القافلة قلت: هل لك أحد فيها؟
قالت: (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) 1916 (وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) 1917 (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) 1918 (يا مُوسى .. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ) 1919 .
فصحت بهذه الأسماء، فإذا أنا بأربعة شباب متوجّهين نحوها 1920 ، فقلت:
من هؤلاء منك؟
قالت: (الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) 1921 ، فلمّا أتوها قالت: (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) 1922 فكافوني بأشياء فقالت:
(وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) 1923 فزادوا عليّ فسألتهم عنها، فقالوا: هذه أمّنا فضّة
جارية الزهراء صلّى اللّه عليها، ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلّا بالقرآن 1924 .
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
قلت: يا أصحاب الفكر الصائب، و النظر الثاقب، و القلب السليم، و اللبّ المستقيم، تفكّروا في هذه النفس الّتي قدّسها اللّه و طهّرها و أطلعها على أسرار كلامه، و طهّرها و شرّفها بخدمة اولي نهيه و أمره، و أطلعها ببركات فضلهم على مكنون سرّه، و جعل قلبها مشكاة نور حكمته، و باطنها مرآة كمال معرفته، و أسكن حبّه سويداء فؤادها، و جعل ذكره أقصى مرادها، فصارت لا تنطق إلّا بكلامه المجيد، الّذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) 1925 .
و أذهب عنها كلفة المشقّة في استنباط غرائبه، و إعمال الفكرة في إظهار عجائبه، و جعل جبلتها مطبوعة عليه، و فكرتها مصبوبة لديه، ينبي عن مقاصدها بوجيز كلماته، و يخبر عن مطالبها بعزيز آياته، فهو في لوح نفسها مسطور، و في رقّ علمها منشور، فكأنّه روضة أنيقة بين يديها، أو جنّة يانعة تهدّلت أغصانها عليها، تلتقط ما شاءت من أزاهير هذه و أنوارها، و تقتطف ما أرادت من فواكه تلك و ثمارها، لمّا أخلصت للّه بطاعتها، و عظّمت ما عظّم اللّه من جلالة سيّدتها، و علمت أنّ اللّه سبحانه عصمها و صفاها، و على نساء العالمين اصطفاها، و جعل والدها كلمته التامّة في خلقه، و بعلها لسانه الناطق بحقّه، و ذرّيّتها أولياءه على عباده، و عترتها امناءه في بلاده، لا يقبل اللّه عمل عامل إلّا بولايتهم، و لا يدخل الجنّة إلّا مستمسكا بعروة محبّتهم، تشاركهم في إخلاص الطاعة لمعبودهم، و ساوتهم في وفاء نذورهم و عهودهم، فأدخلها سبحانه في
زمرتهم، و أشركها في مدحتهم، و جعل ذكرها في جملة ذكره مذكورا، في قوله سبحانه: (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) 1926 ، و أثبت في صحائف الايمان شرفها و رفعتها، و أصالح بصلاحها ولدها و حفدتها.
[كرامة شهرة بنت مسكة بنت فضّة جارية الزهراء عليها السلام]
مالك بن دينار قال: رأيت في مودع الحجّ امرأة ضعيفة على دابّة نحيفة و الناس ينصحونها لتنكص و هي تمتنع، فلمّا توسّطنا البادية كلّت دابّتها فعذلتها في إتيانها و عنّفتها فرفعت طرفها 1927 إلى السماء، و قالت: لا في بيتي تركتني، و لا إلى بيتك حملتني، فو عزّتك و جلالك لو فعل هذا بي غيرك لما شكوته إلّا إليك، فإذا شخص أتاها من الفيفاء 1928 و في يده زمام ناقة و قال لها: اركبي، فركبت و سارت الناقة كالبرق الخاطف، فلمّا بلغت المطاف رأيتها تطوف فحلّفتها:
من أنت؟
فقالت: أنا شهرة بنت مسكة بنت فضّة جارية 1929 الزهراء عليها السلام.
و روي أنّ فاطمة عليها السلام سألت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خاتما، فقال لها: إذا صلّيت صلاة الليل فاطلبي من اللّه عزّ و جلّ خاتما، فإنّك تنالين حاجتك.
قال: فدعت ربّها سبحانه فإذا بهاتف يهتف: يا فاطمة، الّذي طلبت منّي تحت المصلّى، فرفعت المصلّى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له، فجعلته في إصبعها و فرحت، فلمّا نامت من ليلتها رأت في منامها كأنّها في الجنّة فرأت
ثلاث قصور لم تر في الجنّة مثلها، قالت: لمن هذه القصور؟
قالوا: لفاطمة بنت محمد.
قال: فكأنّها دخلت قصرا من تلك و دارت [فيه] 1930 فرأت سريرا قد مال على ثلاث قوائم، فقالت: ما لهذا السرير قد مال على ثلاث قوائم؟ فلمّا أصبحت دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قصّت القصّة.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: معاشر آل عبد المطّلب، ليس لكم الدنيا، إنّما لكم الآخرة، و ميعادكم الجنّة، ما تصنعون بالدنيا فإنّها زائلة غرّارة، فأمرها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن تردّ الخاتم تحت المصلّى، فردّته، ثمّ نامت على المصلّى فرأت في المنام أنّها دخلت الجنّة، و دخلت ذلك القصر، و رأت السرير على أربع قوائم، فسألت عن حاله، فقالوا: رددت الخاتم فرجع السرير إلى هيئته.
أبو جعفر الطوسي: عن الصادق عليه السلام؛ و عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه أنّه لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السلام للبيعة من منزله خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر و قالت: خلّوا عن ابن عمّي، فو الّذي بعث محمدا بالحقّ لأن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري، و لأضعنّ قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على رأسي، و لأصرخنّ إلى اللّه 1931 ، فما ناقة صالح بأكرم على اللّه منّي، و لا الفصيل على اللّه بأكرم من ولدي 1932 .
قال سلمان: فو اللّه لقد رأيت أساس حيطان المسجد قد تقلّعت من أسفلها
حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها و قلت: يا سيّدتي و مولاتي، إنّ اللّه سبحانه بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا 1933 .
في الصحيحين 1934 : أنّ عليّا عليه السلام قال لفاطمة: إنّي أشتكي ممّا أندأ بالقرب.
فقالت: و اللّه و أنا أشتكي يديّ ممّا أطحن بالرحى، و كان قد اتي النبي صلّى اللّه عليه و آله بسبي، فأمرها أمير المؤمنين عليه السلام أن تمضي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تطلب منه جارية، فدخلت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّمت و رجعت، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: مالك؟
فقالت: و اللّه ما استطعت أن اكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هيبته، فانطلق عليّ معها، فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لقد جاءت بكما إليّ حاجة.
فقال أمير المؤمنين لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ فاطمة قد طحنت بالرحى حتى مجلت كفّاها، و قمّت البيت حتى دكنت ثيابها، و خبّره بمرادهما.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اريد أن أبيعهم و أنفق أثمانهم على أهل الصفّة، و علّمها تسبيح الزهراء.
و عن أبي بكر الشيرازي 1935 : أنّها لمّا ذكرت حالها للرسول بكى صلّى اللّه
عليه و آله و قال: يا فاطمة، و الّذي بعثني بالحقّ إنّ في المسجد أربعمائة رجل مالهم طعام و لا ثياب، و لو لا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت.
يا فاطمة، إنّي لا اريد أن ينفكّ عنك أجرك إلى الجارية، و إنّي أخاف أن يخصمك عليّ يوم القيامة بين يدي اللّه عزّ و جلّ 1936 إذا طلب حقّه منك، ثمّ علّمها صلاة التسبيح.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: مضيت تريدين من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الدنيا فأعطانا اللّه ثواب الآخرة.
قال أبو هريرة: فلمّا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من عند فاطمة أنزل اللّه سبحانه عليه: (وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً) 1937 يعني قولا حسنا. فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جارية للخدمة و سمّاها فضّة.
تفسير القشيري: عن جابر الأنصاري، قال: رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة صلّى اللّه عليها و عليها كساء من أجلّة الإبل و هي تطحن بيديها و ترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قال: يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة.
فقالت: يا رسول اللّه، الحمد للّه على نعمائه، و الشكر للّه على آلائه، فأنزل سبحانه (وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) 1938 .