کتابخانه روایات شیعه
جارية الزهراء صلّى اللّه عليها، ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلّا بالقرآن 1924 .
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
قلت: يا أصحاب الفكر الصائب، و النظر الثاقب، و القلب السليم، و اللبّ المستقيم، تفكّروا في هذه النفس الّتي قدّسها اللّه و طهّرها و أطلعها على أسرار كلامه، و طهّرها و شرّفها بخدمة اولي نهيه و أمره، و أطلعها ببركات فضلهم على مكنون سرّه، و جعل قلبها مشكاة نور حكمته، و باطنها مرآة كمال معرفته، و أسكن حبّه سويداء فؤادها، و جعل ذكره أقصى مرادها، فصارت لا تنطق إلّا بكلامه المجيد، الّذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) 1925 .
و أذهب عنها كلفة المشقّة في استنباط غرائبه، و إعمال الفكرة في إظهار عجائبه، و جعل جبلتها مطبوعة عليه، و فكرتها مصبوبة لديه، ينبي عن مقاصدها بوجيز كلماته، و يخبر عن مطالبها بعزيز آياته، فهو في لوح نفسها مسطور، و في رقّ علمها منشور، فكأنّه روضة أنيقة بين يديها، أو جنّة يانعة تهدّلت أغصانها عليها، تلتقط ما شاءت من أزاهير هذه و أنوارها، و تقتطف ما أرادت من فواكه تلك و ثمارها، لمّا أخلصت للّه بطاعتها، و عظّمت ما عظّم اللّه من جلالة سيّدتها، و علمت أنّ اللّه سبحانه عصمها و صفاها، و على نساء العالمين اصطفاها، و جعل والدها كلمته التامّة في خلقه، و بعلها لسانه الناطق بحقّه، و ذرّيّتها أولياءه على عباده، و عترتها امناءه في بلاده، لا يقبل اللّه عمل عامل إلّا بولايتهم، و لا يدخل الجنّة إلّا مستمسكا بعروة محبّتهم، تشاركهم في إخلاص الطاعة لمعبودهم، و ساوتهم في وفاء نذورهم و عهودهم، فأدخلها سبحانه في
زمرتهم، و أشركها في مدحتهم، و جعل ذكرها في جملة ذكره مذكورا، في قوله سبحانه: (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) 1926 ، و أثبت في صحائف الايمان شرفها و رفعتها، و أصالح بصلاحها ولدها و حفدتها.
[كرامة شهرة بنت مسكة بنت فضّة جارية الزهراء عليها السلام]
مالك بن دينار قال: رأيت في مودع الحجّ امرأة ضعيفة على دابّة نحيفة و الناس ينصحونها لتنكص و هي تمتنع، فلمّا توسّطنا البادية كلّت دابّتها فعذلتها في إتيانها و عنّفتها فرفعت طرفها 1927 إلى السماء، و قالت: لا في بيتي تركتني، و لا إلى بيتك حملتني، فو عزّتك و جلالك لو فعل هذا بي غيرك لما شكوته إلّا إليك، فإذا شخص أتاها من الفيفاء 1928 و في يده زمام ناقة و قال لها: اركبي، فركبت و سارت الناقة كالبرق الخاطف، فلمّا بلغت المطاف رأيتها تطوف فحلّفتها:
من أنت؟
فقالت: أنا شهرة بنت مسكة بنت فضّة جارية 1929 الزهراء عليها السلام.
و روي أنّ فاطمة عليها السلام سألت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خاتما، فقال لها: إذا صلّيت صلاة الليل فاطلبي من اللّه عزّ و جلّ خاتما، فإنّك تنالين حاجتك.
قال: فدعت ربّها سبحانه فإذا بهاتف يهتف: يا فاطمة، الّذي طلبت منّي تحت المصلّى، فرفعت المصلّى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له، فجعلته في إصبعها و فرحت، فلمّا نامت من ليلتها رأت في منامها كأنّها في الجنّة فرأت
ثلاث قصور لم تر في الجنّة مثلها، قالت: لمن هذه القصور؟
قالوا: لفاطمة بنت محمد.
قال: فكأنّها دخلت قصرا من تلك و دارت [فيه] 1930 فرأت سريرا قد مال على ثلاث قوائم، فقالت: ما لهذا السرير قد مال على ثلاث قوائم؟ فلمّا أصبحت دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قصّت القصّة.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: معاشر آل عبد المطّلب، ليس لكم الدنيا، إنّما لكم الآخرة، و ميعادكم الجنّة، ما تصنعون بالدنيا فإنّها زائلة غرّارة، فأمرها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن تردّ الخاتم تحت المصلّى، فردّته، ثمّ نامت على المصلّى فرأت في المنام أنّها دخلت الجنّة، و دخلت ذلك القصر، و رأت السرير على أربع قوائم، فسألت عن حاله، فقالوا: رددت الخاتم فرجع السرير إلى هيئته.
أبو جعفر الطوسي: عن الصادق عليه السلام؛ و عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه أنّه لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السلام للبيعة من منزله خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر و قالت: خلّوا عن ابن عمّي، فو الّذي بعث محمدا بالحقّ لأن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري، و لأضعنّ قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على رأسي، و لأصرخنّ إلى اللّه 1931 ، فما ناقة صالح بأكرم على اللّه منّي، و لا الفصيل على اللّه بأكرم من ولدي 1932 .
قال سلمان: فو اللّه لقد رأيت أساس حيطان المسجد قد تقلّعت من أسفلها
حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها و قلت: يا سيّدتي و مولاتي، إنّ اللّه سبحانه بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا 1933 .
في الصحيحين 1934 : أنّ عليّا عليه السلام قال لفاطمة: إنّي أشتكي ممّا أندأ بالقرب.
فقالت: و اللّه و أنا أشتكي يديّ ممّا أطحن بالرحى، و كان قد اتي النبي صلّى اللّه عليه و آله بسبي، فأمرها أمير المؤمنين عليه السلام أن تمضي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تطلب منه جارية، فدخلت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّمت و رجعت، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: مالك؟
فقالت: و اللّه ما استطعت أن اكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هيبته، فانطلق عليّ معها، فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لقد جاءت بكما إليّ حاجة.
فقال أمير المؤمنين لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ فاطمة قد طحنت بالرحى حتى مجلت كفّاها، و قمّت البيت حتى دكنت ثيابها، و خبّره بمرادهما.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اريد أن أبيعهم و أنفق أثمانهم على أهل الصفّة، و علّمها تسبيح الزهراء.
و عن أبي بكر الشيرازي 1935 : أنّها لمّا ذكرت حالها للرسول بكى صلّى اللّه
عليه و آله و قال: يا فاطمة، و الّذي بعثني بالحقّ إنّ في المسجد أربعمائة رجل مالهم طعام و لا ثياب، و لو لا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت.
يا فاطمة، إنّي لا اريد أن ينفكّ عنك أجرك إلى الجارية، و إنّي أخاف أن يخصمك عليّ يوم القيامة بين يدي اللّه عزّ و جلّ 1936 إذا طلب حقّه منك، ثمّ علّمها صلاة التسبيح.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: مضيت تريدين من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الدنيا فأعطانا اللّه ثواب الآخرة.
قال أبو هريرة: فلمّا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من عند فاطمة أنزل اللّه سبحانه عليه: (وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً) 1937 يعني قولا حسنا. فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جارية للخدمة و سمّاها فضّة.
تفسير القشيري: عن جابر الأنصاري، قال: رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة صلّى اللّه عليها و عليها كساء من أجلّة الإبل و هي تطحن بيديها و ترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قال: يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة.
فقالت: يا رسول اللّه، الحمد للّه على نعمائه، و الشكر للّه على آلائه، فأنزل سبحانه (وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) 1938 .
أبو صالح المؤذّن في كتابه بالاسناد عن عليّ عليه السلام أنّ النبيّ صلّى
اللّه عليه و آله دخل على فاطمة و إذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها، فقطعتها و رمت بها [فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أنت منّي يا فاطمة] 1939 ، ثمّ جاءها سائل فناولته إيّاها 1940 .
و في مسند الرضا عليه السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: يا فاطمة، لا يغرّنّك الناس أن يقولوا بنت محمد و عليك لبس الجبابرة، فقطعتها و باعتها و اشترت بثمنها رقبة فأعتقتها، فسرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بذلك 1941 .
[الأمر الإلهيّ بتزويج أمير المؤمنين من فاطمة عليهما السلام]
تاريخ بغداد 1942 : بالاسناد عن بلال بن حمامة: طلع علينا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وجهه مشرق كالبدر، فسأله ابن عوف عن ذلك، فقال: بشارة من ربّي أتتني لأخي عليّ بن أبي طالب و ابنتي فاطمة، و أنّ اللّه زوّج عليّا بفاطمة و أمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاعا بعدد محبّي أهل بيتي، و أنشأ من تحتها ملائكة من نور، و دفع إلى كلّ ملك صكّا، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق: أين محبّو عليّ و فاطمة عليهما السلام؟ فلا يبقى محبّا لنا إلّا دفعت إليه صكّا براءة من النار، بأخي و ابن عمّي و ابنتي فكاك رقاب رجال و نساء من أمّتي.
و في رواية: أنّ في الصكوك: براءة من العليّ الجبّار، لشيعة علي و فاطمة من النار 1943 .
ابن بطّة و السمعاني في كتبهم بالاسناد عن ابن عبّاس و أنس بن مالك، قالا: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالس إذ جاء عليّ، فقال: يا عليّ، ما جاء بك؟
قال: جئت اسلّم عليك.
قال: هذا جبرئيل يخبرني أنّ اللّه سبحانه زوّجك فاطمة، و أشهد على تزويجها أربعين ألف ملك، و أمر سبحانه شجرة طوبى أن انثري عليهم الدرّ و الياقوت، و هنّ يتهادينه إلى يوم القيامة، و كانوا يتهادونه و يقلن: هذا تحفة خير النساء.
و في رواية ابن بطّة عن عبد اللّه: فمن أخذ منه شيئا أكثر ممّا أخذ منه صاحبه أو أحسن افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة.