کتابخانه روایات شیعه
عميس اسبوعا بوصيّة خديجة إليها، فدعا لها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في دنياها و آخرتها.
ثمّ أتاهما في صبيحتهما، و قال: السلام عليكم، أدخل رحمكما اللّه، ففتحت له أسماء الباب، و كانا نائمين تحت كساء، فقال: على حالكما، فأدخل رجليه بين أرجلهما، فأخبر اللّه عن أورادهما (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) 1974 الآية، فسأل عليّا: كيف وجدت أهلك؟
قال: نعم العون على طاعة اللّه.
و سأل فاطمة، فقال: كيف وجدت بعلك؟
فقالت: خير بعل.
[دعاء النبي صلّى اللّه عليه و آله لهما عليهما السلام في زواجهما]
فقال: اللّهمّ اجمع شملهما، و ألّف بين قلوبهما، و اجعلهما و ذرّيّتهما من ورثة جنّة النعيم، و ارزقهما ذرّيّة طيّبة طاهرة مباركة، و اجعل في ذرّيّتهما البركة، و اجعلهم أئمّة يهدون بأمرك إلى طاعتك، و يأمرون بما يرضيك، ثمّ أمر بخروج أسماء، و قال: جزاك اللّه خيرا، ثمّ خلا بها بعد ذلك بإشارة الرسول صلّى اللّه عليه و آله.
و روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا كانت صبيحة عرس فاطمة جاء النبيّ بعسّ 1975 فيه لبن، فقال لفاطمة: اشربي فداك أبوك، و قال لعليّ:
اشرب فداك ابن عمّك 1976 .
فصل في مولدها و أحوالها و أسمائها و كناها عليها السلام
ولدت فاطمة بمكّة بعد النبوّة بخمس سنين، و بعد الاسراء بثلاث سنين، في العشرين من جمادى الاخرى، و إقامتها مع أبيها بمكّة ثماني سنين، ثمّ هاجرت إلى المدينة فزوّجها من عليّ بعد مقدمه 1977 المدينة بسنتين؛ أوّل يوم من ذي الحجّة؛ و قيل: اليوم السادس منه، و دخل بها يوم الثلاثاء لستّ خلون منه بعد بدر 1978 .
و قبض صلّى اللّه عليه و آله و كان لها ثماني عشرة سنة و سبعة أشهر، و عاشت بعده اثنين و سبعين يوما؛ و يقال: خمسة و سبعين؛ و قيل: أربعة أشهر، و قال القرباني: أربعين يوما و هو أصحّ.
و ولدت الحسن و الحسين و لها اثنتا عشرة سنة 1979 .
و توفّيت ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة، و مشهدها بالبقيع، و قالوا: إنّها دفنت في بيتها،
و قالوا: قبرها بين قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بين منبره 1980 .
و كناها: أمّ الحسن، و أمّ الحسين، و أمّ محسن، و أمّ الأئمّة، و أمّ أبيها.
و أسماؤها- على ما ذكره أبو جعفر القمّي-: فاطمة، البتول، الحصان، الحرّة، السيّدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكيّة، الراضية، المرضيّة، المحدّثة، مريم الكبرى، الصدّيقة؛ و يقال لها في السماء:
النوريّة، السماويّة، الحانية 1981 ، الزاهدة، الصفيّة، المتهجّدة الشريفة، القانتة العفيفة، سيّدة النسوان، و حبيبة حبيب الرحمن، ابنة خير المرسلين، و قرّة عين سيّد الخلائق أجمعين، و واسطة العقد بين سيّدات نساء العالمين، و المتظلّمة بين يدي العرش يوم الدين، ثمرة النبوّة، و أمّ الأئمّة، و زهرة فؤاد شفيع الامّة، الزهراء المحترمة، و الغرّاء المحتشمة، المكرّمة 1982 .
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
فيا من يروم حصر مناقبها، و يطلب ضبط مراتبها، و يسأل عن معاليها و محامدها، و يبحث عن خصائصها و محامدها، لقد رمت حصر كواكب السماء الدنيا، و أردت عدّ رمل عالج و الدهناء، هذه ابنة من اخذ عهده على أهل الأرض و السماء، و عرج بروحه و بدنه كقاب قوسين أو أدنى، و رقمت أحرف أسمائه على العرش المجيد، و جعل شفيع من استمسك بعروة عصمته يوم الوعيد.
القرآن منشور نبوّته، و الروح الأمين سفير رسالته، «أرسله بالهدى و دين الحقّ» 1983 بشير بعثته، (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) 1984 دليل محبّته، (كَتَبَ
اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي) 1985 علم بصيرته، ختم سجلّ ولايته (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ) 1986 ، و توقيع علّة رسالته (وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) 1987 ، نشأ في حجر الفتوّة، و ربّي في دار النبوّة، و اضجع في مهد العصمة، و ارضع ثدي الحكمة، ثمّ ادخل مكتب (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) 1988 ، و ادّب بأدب (خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) 1989 ، فبلغ من القيام بشروطها الغاية القصوى.
مدّت يد العصمة بقلم القدرة على لوح نفسه (وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) 1990 ، و خوطب بلسان العزّة و الرفعة: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) 1991 .
لمّا استندت عناية المعلّم سبحانه بتهذيبه و تأديبه، و شرّفه باختصاصه بتعليمه و تقريبه، تفجّرت ينابيع الحكمة من صفا سريرته، و ظهرت أسرار العناية من ضفا روحانيّته، و زفّت يد الإرادة الأزليّة عروس الرسالة النبويّة إليه، و حلتها ماشطة المحبّة الإلهيّة في ملابس الألطاف الخفيّة عليه، و أفرغت على أعطاف نبوّته من ملابس الرئاسة العامّة تعظيما و توقيرا، و ضربت على
هامة رفعته حجلة (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً) 1992 ، (وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً) 1993 .
لمّا انشرح صدره بخطاب (أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) 1994 ، و علا أمره بمقال (وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) 1995 ، و صار قلبه مشكاة النور الإلهيّ، و فضله حتى القيامة غير متناهي، اجلس في صدر صفة مشارق فيضان الأنوار الإلهيّة على جنانه، فأضاءت الأكوان بانعكاس أشعّة مرآة كمال عرفانه، فأظهر بدروس علومه من الايمان ما كان دارسا، و أنار بوضع قواعد شرعه من الاسلام ما كان طامسا.
و هذه النبذة الّتي أوردتها، و اللمعة الّتي ذكرتها قطرة من بحر صفته، و ذرّة من طود مدحته، اللّهمّ اجعلنا من المهتدين بواضح دليله، السالكين في منجم سبيله، المهتدين بأبرار عترته، المستضيئين بأنوار ذرّيّته.
و أمّا بعلها فحسبك ما نطق به القرآن من خصائصه و فضائله، و وضح بالبرهان الساطع فيه من مناقبه و دلائله، (إِنَّما وَلِيُّكُمُ) 1996 عنوان منشور ولايته، و (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ) 1997 توقيع مسطور نسبته، و سورة هل أتى نزلت في رفعة عظيم إخلاصه، و آية النجوى 1998 وردت في صفاته و خواصّه، خسف اللّه
بشمس وجهه بدر الشرك في بدر و احد، و أخمد بنور طلعته نار الكفر يوم عمرو بن ودّ، و هزم أحزابه بجدّ عزائمه، و قطع أسبابه بحدّ صارمه، و شدّ أزر الايمان ببطشه شدّا، و ألبس دين الاسلام بفتكه شرفا و مجدا.
لمّا آثر بالقرص في صيام نذره، ردّ اللّه له القرص بعد مغيبه و ستره، و أثبت في الذكر العزيز ذكره، و أعلى في الكتاب المجيد قدره، تتلى آيات مدحه و مدح ذرّيّته إلى يوم القيامة، و تنشر رايات شكره بإعجازه و مناديه إلى حين حلول الطامّة، سمّاه اللّه و زوجته و ابنيه في محكم تنزيله أبرارا 1999 ، و زادهم في ديوان شكره بمدحه إيّاهم فخارا.
فالحمد للّه الّذي أوضح لقلوبنا سلوك سبيلهم، و زادها لهم هدى و نورا.
و شرح صدورنا لاتّباع دليلهم، و ألبسها من ملابس ولائهم تزكية و توقيرا.
و قرّبنا زلفى من رضوانه بعرفان حقّهم، و جعلنا من الموقنين بفضلهم و صدقهم، و سقانا من زلال خالص حبّهم شرابا طهورا. ثمّ أنزل لذّة زلاله في مذاق أفئدتنا منذ عالم الذرّ حين قال ربّنا: (أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ) 2000 فأقرّ من أقرّ، و أنكر من أنكر، و لم تزل عين عنايتهم تحرسنا من ظلم الضلال الأكبر إلى أن جعل اللّه لنا في عالم الشهادة برورا و طهورا. لو لا استمساكنا بعروة عصمتهم، و التزامنا بحبل مودّتهم، و اتّباعنا سبيل شرعتهم لم نكن شيئا مذكورا.
طهّرنا ربّنا بفاضل طهورهم من دنس الشرك، و نزّهنا باتّباع زاهر نورهم من دين الشكّ، و خلص إبريز خالص معتقدنا بنار حبّهم عند السبك، و رفع لنا في مقام المجد منبرا و سريرا.
و وسم قلوبنا بميسم مودّتهم و طهّرها من الزلل، و رقم على إبريز خالص معتقدنا أحرف حبّهم في دار ضرب الأزل، و أذاقنا من رحيق عنايتهم ما لذّته في مذاق أفئدتنا لم تزل كأسا كان مزاجها كافورا.
نشهد أنّهم أبواب و سائلنا إلى ربّنا، و أسباب اتّصالنا بمنازل قربنا، فلهذا وجّهنا إلى كعبة شرفهم مطايا حبّنا، و اعتقدنا ما سوى جلال جنابهم من الخلق هباء منثورا.
هل أتى نصّ هل أتى إلّا في مدحة فضلهم؟ و هل انزلت آية النجوى إلّا تزكية لفعلهم؟ و هل دنا بقدم الصدق إلى الملكوت الأعلى غير جدّهم صاحب آيات (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً) 2001 (وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً) 2002 ؟
ردّ اللّه له القرص حين آثر في صيامه بالقرص، و عليه الرسول بالرئاسة العامّة يوم الغدير نصّ، و له اللّه بالبضعة الزهراء دون الخلق خصّ، و جعله نسبا و صهرا و كان ربّك قديرا 2003 .
لمّا لم يثنهم عن الوفاء بعهد ربّهم ثاني، و لم يكن لهم بالاخلاص في الطاعة من الخلق ثاني، أثنى عليهم بآيات المثاني، فقال: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) 2004 .