کتابخانه روایات شیعه
و أيضا عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة لا تخطي مشيتها مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: مرحبا بابنتي، فأجلسها عن يمينه، و أسرّ إليها حديثا فبكت، ثمّ أسرّ إليها حديثا فضحكت، فسألتها عن ذلك، فقالت: ما أفشي سرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، حتى إذا قبض صلّى اللّه عليه و آله سألتها، فقالت: إنّه أسرّ إليّ، فقال: إنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كلّ سنة مرّة، و إنّه عارضني [به] 2038 العام مرّتين، و لا أراني إلّا و قد حضر أجلي، و إنّك أوّل أهل بيتي لحوقا بي، و نعم السلف أنا لك، فبكيت لذلك، ثمّ قال: أ لا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين 2039 ؟
فضحكت لذلك.
روي أنّها صلّى اللّه عليها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، و تقول لولديها: أين أبوكما الّذي كان أشدّ الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض، و لا أراه يفتح هذا الباب أبدا، و لا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما، ثمّ مرضت و مكثت أربعين ليلة، ثمّ دعت أمّ أيمن و أسماء بنت عميس 2040 و عليّا صلوات اللّه عليه، و أوصت إلى علي بثلاث: أن يتزوّج بابنة [اختها] 2041 امامة لحبّها أولادها، و أن يتّخذ نعشا لأنّها كانت رأت الملائكة بصورة فصوّرته و وصفته لأمير المؤمنين عليه السلام، و ألّا يشهد أحد جنازتها
ممّن ظلمها، و ألّا يترك أحد منهم يصلّي عليها.
[علّة دفنها عليها السلام ليلا]
و ذكر مسلم، عن عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة- في خبر طويل- يذكر فيه أنّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأل ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فمنعها- و القصّة مشهورة-، فهجرته و لم تكلّمه حتى توفّيت و لم يؤذن بها أبو بكر، و لم يصل عليها.
الواقدي: أنّ فاطمة عليها السلام أوصت إلى عليّ إذا حضرتها الوفاة ألّا يصلّي عليها أبو بكر و لا عمر، فعمل بوصيّتها.
و عن ابن عبّاس، قال: أوصت فاطمة إلى عليّ عليهما السلام ألّا يعلم- إذا ماتت- أبا بكر و لا عمر، و لا يصلّيا عليها.
قال: فدفنها عليّ عليه السلام ليلا و لم يعلمهما بذلك، و غيّب قبرها.
و عن عائشة: عاشت فاطمة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها عليّ ليلا، و صلّى عليّ عليها.
و عن الزهريّ أنّ فاطمة دفنت ليلا، دفنها أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام، و غيّبوا قبرها.
و في روايتنا أنّه صلّى عليها أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام و عقيل و سلمان و أبو ذرّ و المقداد و عمّار و بريدة.
و في رواية اخرى: و العبّاس و ابنه الفضل.
و في رواية اخرى: و حذيفة و ابن مسعود.
الأصبغ بن نباتة أنّه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن دفنها ليلا، فقال: إنّها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها، و حرام على من
يتولّاهم أن يصلّي على أحد من ولدها.
و روي أنّه صلوات اللّه عليه سوّى قبرها مع الأرض مستويا و قالوا: إنّه سوّى حواليها قبورا مزوّرة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها.
و روي أنّه صلوات اللّه عليه رشّ أربعين قبرا حتى لا يتبيّن قبرها من القبور فيصلّوا عليها 2042 .
[في تغسيلها عليها السلام]
روى أبو عبد اللّه حمّويه 2043 بن عليّ البصري، و أحمد بن حنبل 2044 ، و أبو عبد اللّه بن بطّة 2045 بأسانيدهم قالت سلمى 2046 امرأة أبي رافع: اشتكت فاطمة شكواها الّتي قبضت فيها و كنت امرّضها فأصبحت يوما أسكن ما كانت، فخرج عليّ عليه السلام إلى بعض حوائجه و قالت: اسكبي لي غسلا. فسكبت، و قامت و اغتسلت أحسن ما يكون من الغسل، ثمّ لبست أثوابها الجدد، ثمّ قالت: افرشي فراشي وسط البيت، ثمّ استقبلت القبلة و نامت، و قالت: أنا مقبوضة، و قد اغتسلت فلا يكشفني 2047 أحد، ثمّ وضعت خدّها على يدها 2048 ، ثمّ ماتت.
و عن أسماء بنت عميس، قالت: أوصت فاطمة إليّ ألّا يغسّلها إذا ماتت إلّا أنا و عليّ، فأعنت عليّا على غسلها.
و عن أبي الحسن الخزّاز القمّي في الأحكام الشرعيّة: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن فاطمة من غسّلها؟
فقال: غسّلها أمير المؤمنين عليه السلام لأنّها كانت صدّيقة لم يغسّلها إلّا صدّيق.
تهذيب الأحكام 2049 : روى سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: سألته عن أوّل من جعل له النعش.
[كلام أمير المؤمنين عليه السلام عند دفنها عليها السلام]
قال: فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليها.
و في رواية عبد الرحمن أنّها قالت لأسماء: استريني سترك اللّه من النار- يعني بالنعش-.
و روي 2050 أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال عند دفنها:
السلام عليك يا رسول اللّه، عنّي و عن ابنتك النازلة في جوارك، و السريعة اللحاق بك، قلّ عن صفيّتك صبري، و رقّ فيها تجلّدي، إلّا أنّ في التأسّي بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعزّ، و لقد وسّدتك في ملحود قبرك، و فاضت بين صدري و نحري نفسك، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة، و اخذت الرهينة، أمّا حزني فسرمد، و أمّا ليلي فمسهّد، إلى أن يختار اللّه لي دارك الّتي أنت بها مقيم، و ستنبئك ابنتك، فأحفها السؤال، و استخبرها الحال، هذا و لم يطل العهد، و لم يخلق الذكر، و السلام عليكما سلام مودّع لا سئم و لا قال: فإن أنصرف فلا عن ملالة، و إن أقم فلا عن سوء
ظنّ بما وعد اللّه الصابرين.
[ما قاله أمير المؤمنين و الهاتف عند رجوعه عليه السلام من دفن الزهراء، و في موضع قبرها عليها السلام]
و روي أنّه لمّا سار بها إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولتها، و انصرف.
و أنشأ أمير المؤمنين عليه السلام:
ذكرت أبا ودّي 2051 فبتّ كأنّني
بردّ الهموم الماضيات وكيل
لكلّ اجتماع من خليلين فرقة
و كلّ الّذي دون الفراق قليل
و إنّ افتقادي فاطما بعد أحمد
دليل على أن لا يدوم خليل
فأجابه هاتف:
يريد الفتى ألّا يموت خليله
و ليس له إلّا الممات سبيل
فلا بدّ من موت 2052 و لا بدّ من بلى
و إنّ بقائي بعدكم لقليل
إذا انقطعت يوما من العيش مدّتي
فإنّ بكاء الباكيات قليل
ستعرض عن ذكري و تنسى مودّتي
و يحدث من بعد الخليل خليل 2053 2054
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي اللّه عنه: الأصوب أنّها مدفونة في دارها، أو في الروضة، و يؤيّد ذلك قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنّة.
و في البخاري و صحيح مسلم: ما بين بيتي و منبري.
و قال صلّى اللّه عليه و آله: منبري على ترعة من ترع الجنّة.
و قالوا: حدّ الروضة ما بين القبر إلى المنبر إلى الأساطين الّتي تلي صحن المسجد.
أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت الرضا عليه السلام عن قبر فاطمة عليها السلام، فقال: دفنت في بيتها، فلمّا زادت بنو اميّة في المسجد صارت في المسجد.
عن يزيد بن عبد الملك، عن أبيه، عن جدّه، قال: دخلت على فاطمة عليها السلام فبدأتني بالسلام، ثمّ قالت: ما غدا بك؟
قلت: طلب البركة.
قالت: أخبرني أبي و هو ذا: من سلّم عليه و عليّ ثلاثة أيّام أوجب اللّه له الجنّة.
قلت لها: في حياته و حياتك؟
قالت: نعم، و بعد موتنا 2055 .
يا قبر فاطمة الّذي ما مثله
قبر بطيبة طاب فيه مبيتا
إذ فيه 2056 حلّت زهرة الدنيا الّتي
بحلي محاسن وجهها حليتا
فسقى ثراك الغيث ما بقيت به
نور القبور بطيبة و بقيتا
فلقد بريّاها ظللت مطيّبا
و غداك مسكا في الانوف قتيتا
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه في هذا المجال]
قلت: أيّها الكريمة الممجّدة، المظلومة المضطهدة، القانتة العفيفة، السيّدة الشريفة، المغصوبة ميراثها، المسلوبة تراثها، المحرومة نحلتها،
المنهوبة بلغتها، المشهور في الذكر ذكرها، المخفيّ من دون القبور قبرها، الّتي امتحن اللّه فيها أمّة أبيها، فلم ترع حرمته فيها، و فوّقت نحوها سهام ظلمها، و انزلت بساحتها مطايا هضمها، حتى ماتت بغصّتها عليها ساخطة، و من خيرها قانطة.
أوّل مظلوم بعد الرسول من الرجال بعلها، و أضيع حقّ بعد النبيّ حقّها.
فيا لها من أمّة غادرة، و صحبة كافرة، و عصبة مارقة، و ثلّة منافقة، أجلبت على هدم الاسلام بجنودها و أحزابها، و منعت مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه، وسعت في خرابها، أعاد عتيقها الأوّل دين الجاهليّة بعد الضعف شديدا، و صيّر الثاني الأرذل بناء الكفر بعد الاندراس مشيّدا، أطاع الشيطان و عصى الرحمن في يوم السقيفة، و ولي المسلمين بغرور و شهادة زور بشبهته السخيفة، و منع الزهراء نحلتها من والدها سيّد المرسلين، و آذى اللّه و رسوله إذ آذى إمام المسلمين و سيّد الوصيّين.
فلعن اللّه السقيفة و من حوت، و العصابة الناصبة و ما روت، حملوا الناس على أكتاف آل الرسول فيها، و جحدوا النصّ الجليّ على الامام العليّ فأبعد بها و بذويها، فاجتماع الأرجاس في ساحتها سبب لاغتيال سيّد الأوصياء، و تعصّب عصب الضلال في عرصتها وسيلة لاغتصاب تراث سيّدة النساء، و سمّ سبط المصطفى و غلبة ظلمة الظلمة في باحتها طريق إلى قتل سيّد الشهداء و خامس أصحاب الكساء.